hit counter script
شريط الأحداث

"نهضة" تونس ضحية أوهام "المدنية"

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١١ - 08:04

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
خرجت تونس من أجواء انتصار الحرية، لتدخل عهد الثورة التي قد تحتاج سنوات عدة قبل أن يتمّ ترسيخ دعائم دولة ديمقراطية تخلو من أي علاقة مع عهد زين العابدين بن علي، الذي طالما تغنى بأوصاف العلمانية بينما كان ينكر على المواطن حقه في الحياة الحرة.ووسط التحذيرات الكثيرة التي أعقبت سقوط بن علي، وتركزت على ضرورة منع العسكر من تشويش "الجمهورية الثانية" وضرورة كبح جماح التطرف الإسلامي من لعب دور فيها، ضجت الساحة التونسية بالمعارك الكلامية بين أرباب العلمانية من جهة والإسلاميين بمعتدليهم ومتطرفيهم من جهة أخرى، علماً أن الجبهتين كانتا قد جمعهما النضال ضد بن علي.وقد جاء حلول حركة "النهضة" الإسلامية المعتدلة في المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات في انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي"، لينشر القلق بين العلمانيين التونسيين الذين يخشون صعود الإسلاميين الى السلطة فتتبخر إنجازات "15 جانفي" ويعود الحديد والنار الى بلد كانت النار ثمناً لتحرره. وبالتالي، تجدّد الجدل الذي كانت المنطقة شهدته منذ سنوات، وتحديداً بعد 11 أيلول 2001، حول جدوى وملاءمة الديمقراطية، وذلك عبر سؤال واحد: هل يجب الاعتماد على الديمقرطية إذا كانت ستأتي بإسلاميين الى الحكم؟لكن الجواب الأولي على ذلك هو أن الديمقراطية مقدسة عند كل من يؤمن بوجود مشاعر إنسانية لا تحميها إلا الحرية، وثانياً إن الديمقراطية طالما وضعت قدميها في بلد ما، فإنها ستطيح أي إسلامي متطرف إذا وصل الى الحكم وحكم بالتطرف، في تونس أو مصر أو غيرهما، مع العلم أن الديكتاتورية هي التي تغذي التطرف الإسلامي.وعلى أي حال، إن الوضع في تونس يختلف عن هذا الجدل، فحركة "النهضة" يقودها إسلاميون معتدلون، على رأسهم راشد الغنوشي، الذي يأخذ عليه المتطرفون "ليبراليته الزائدة".وهؤلاء الإسلاميون المعتدلون في تونس هم جزء من الأكثرية العظمى من النسيح العربي الذي تكاثر خلال السبعينيات والثمانينيات في مصر ودول شمال إفريقيا وسوريا والأردن وغيرها من الدول العربية. وعلى سبيل المثال، فإن معظم من يزعمون الليبرالية في دول الخليج هم في الحقيقة ليسوا إلا إسلاميين معتدلين في حياتهم اليومية ومع أبنائهم وعائلاتهم ومجتمعهم، وهم ضحية الفهم الخاطىء لليبرالية الاجتماعية والسياسية الحقيقية، والتي لا تطبق إلا في عدد قليل جداً من بلدان العالم.كما أن هذه المجتمعات العربية لا تقبل في معظمها الحديث عن العلمانية في دولها، إذ تعتبرها، وبشكل خاطئ، تخلياً عن الدين، علماً أن العلمانية تُطبق في الكثير من السياسات الحكومية لهذه الدول. أما بالنسبة لمن يحمل لواء المدنية في تونس ويؤكد ضرورة الإبقاء على الدولة المدنية، فحبذا لو يقدم تعريفه لهذه الدولة، إذ أن التعريف الأكثر منطقية للدولة المدنية هو في اختصار: مجموعة من البشر يعيشون في مجتمع واحد ويخضعون بمساواة، لقانون وسلطة. وبالتالي، إن أي دولة نشأت على عقد اجتماعي، أكانت دولة ديمقراطية تطبيقاً لجون لوك أو ديكتاتورية بناء على أفكار توماس هوبس، فهي دولة مدنية.وعكس الدولة المدنية ليس إلا شريعة الغاب، وما بينهما تقف دولة مثل دولة لبنان، لا تعامل أبناءها كمواطنين، بل كمجموعة قبائل طائفية. في المحصلة، إن مشلكة الحكم والسلطة في العالم العربي لا تتعلق بأوصاف الدولة ولا بالحجاب أو اللباس، أو التزام الصلاة والصوم أو تركهما، بل بغياب فكر يقدس الإنسان وينزع مآساة التمييز الديني والمذهبي، ويرفض حياة الخوف والقلق وهاجس أجهزة المخابرات التي انحرفت عن مهمهاتها الأصلية. باختصار، إن حركة "النهضة" في تونس، كانت شريكاً أساسياً في النضال ضد بن علي، وقد حققت تقدماً في الانتخابات في إطار ديمقراطي، ثم أنها حصدت أقل من 50 في المائة من الأصوات الإجمالية وبالتالي لم تكتسح، وهي عرضت التحالف مع العلمانيين كما انها ليست على علاقة جيدة بالإسلاميين المتطرفين،  ولا يبدو أنها تتجه للعودة الى اسمها الذي كان قبل 1989: "حركة الاتجاه الإسلامي".لكل ما تقدم، من الصعب أن تستفرد "النهضة" بالسلطة، وبالتالي فلتخض تجربتها في الحكم وتقدم ما عندها، وتساهم في صياغة دستور بديل عن دستور 1959. وطالما أن العدالة وصلت إلى تونس والعالم العربي، فإن كل تصرف ديكتاتوري أو تعدي على إنجازات مكتسبة مثل حقوق المرأة والانفتاح على الحضارات، سيواجه بعد الآن، بألف بو عزيزي.
 
  • شارك الخبر