hit counter script

حين يُحرَج العرب

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١١ - 07:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
لم يستطع قرن من الظلم وعقود من التهجير، بث العبثية في الوعي الفلسطيني الذي التزم البحث عن الحق الضائع، فبقي الشعب يتمسك بأرض تخفق دماً، لتصدح حناجره دائماً بوجع كأن عمره لحظات، رفضاً للتأقلم مع الخطى الرسمية التنازلية.لكن السياسة العربية فرضت المنحى التنازلي بحق فلسطين، والذي كانت قد بدأته حتى قبل ضياع الأرض الفلسطينية، إذ تنازل العرب منذ عام 1946 عبر جامعة الدول العربية، وتحديداً خلال المفاوضات التي رعتها بريطانيا في لندن، عن مبدأ سيادة الفلسطينيين على دولة من البحر إلى النهر، وذلك بعكس ما يشاع عن أن التنازل حصل في عقود لاحقة. منذ ذلك الحين، عملت إسرائيل على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والعرب، إزاء كل ما تأخذه منهم. فكان التصعيد من جانبها يؤدي إلى قبول العرب بما كانوا يرفضونه قبلاً. وهي سياسة بدأت قبل العام 1948، حيث أعلن حاييم وايزمن أن "أي تراجع سيؤدي إلى الهلاك والفرصة الوحيدة أمام الصهيونية كما كان الحال في الماضي، هي في إيجاد حقائق الأمر الواقع ومواجهة العالم بها". وبعد 63 عاماً من نكبتهم، لجأ الفلسطينيون الذين منعهم العرب قبل إعلان دولة إسرائيل من تنظيم أنفسهم ومنع الاستيلاء على أرضهم، إلى الأمم المتحدة للمطالبة بجزء بسيط من حقوقهم، التي عملت سنوات المفاوضات الطويلة على إظهارها أنها مجرد وهم في مقابل الأمر الواقع الإسرائيلي.المسعى الفلسطيني في القرن الواحد العشرين، المحق والعادل، بل الذي يُعتبر أقل ّ بكثير من الحقوق المشروعة في الأرض وعودة اللاجئين، يصطدم بتهديد ووعيد الحكومة الإسرائيلية والحكومات الغربية، التي ستمنع مروره في مجلس الأمن. فالولايات المتحدة في المرصاد لجذب الأصوات داخل المجلس أو استخدام الفيتو إذا اقتضى الأمر. ويذكر أن هي ذاتها التي ساعدت على إقرار قرار التقسيم عام 1947، عندما عملت، بعد تأجيل التصويت بحجة "عيد الشكر"، على تأمين أصوات بعض الدول المترددة، لصالح القرار، مثل الفلبين التي منحتها قرضاً بقيمة خمسة ملايين دولار.هذه الحكومات الغربية تلوِّح، بما يثير السخرية، بفرض عقوبات على الفلسطينيين لأنهم تجرأوا على المطالبة بجزء من حقوقهم، بعد عقود من مواجهة الانحياز والتسويف والظلم والمجازر ومفاوضات إهدار الوقت، علماً أن العرب يتوجهون إلى مجلس الأمن الذي لم يقدم شيئاً قط للفلسطينيين والى الجمعية العامة التي أصدرت أكثر من ألف قرار لم تنفذها إسرائيل.المفارقة أن هذه السخرية تجعل التاريخ يعيد نفسه، فعندما حاول العرب مواجهة قرار التقسيم، عبر تدريب المتطوعين للدفاع عن القرى الفلسطينية التي أمعنت العصابات الصهيونية قتلاً وتنكيلاً فيها، احتجت الحكومة البريطانية معتبرة أن تدريب المتطوعين هو "عمل غير ودي"، وهي التي كانت تقدم دعماً مطلقاً لليهود في فلسطين بالأسلحة والعتاد وتسهِّل قدوم المهاجرين اليهود.  وبالطبع تأثر بعض الرسميين العرب في حينه، كعادتهم، بالكلمات البريطانية المقتضبة، فتقرر تسريح المتطوعين والتنصل من الالتزامات تجاه فلسطين، خاصة أن التحرك العربي كان يستند إلى أسباب ودوافع كان معظمها بعيداً عن جوهر القضية الفلسطينية.والآن، وبعد عقود طويلة، تتحدث جامعة الدول العربية منذ أيام، عن أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدول التي صوتت عام 1947 لصالح تقسيم فلسطين، في تصريح يُفهم منه أن على هذه الدول القبول بما قبلت به آنذاك بشأن وجود دولتين. لكن الجامعة العربية تجهل أنها تواجه الفلسفة الصهيونية، التي أفتت بعد قرار التقسيم بأن رفض العرب "الجزء" يفقدهم "الكلّ". وبالتالي من الصعب أن ترى الدولة الفلسطينية النور حالياً إذا لم يعمل العرب بجدّ وإصرار، ولو لمرة واحدة.منذ بداية العام 2011، كسرت العدالة قيدها معلنة أن قوانينها لا تسقط بفساد الأنظمة، فخرجت إلى الشعب العربي، وبدأت تضرب في المستحيل وتكتب المعجزات في أسفل الشاشات، لتقرّ عيونٌ سئمت الخوف وكادت تعتاد غربة الإنسانية. فهل تتطلّع هذه العدالة إلى قضية، الطريق إليها أقرب كثيراً من المعجزات، أم أن التاريخ سيعيد نفسه فيُحرَج المسؤولون الفلسطينيون ومن ورائهم العرب، من البيانات الإسرائيلية والغربية، التي يُكتب فيها أن طريق دولة فلسطين يمرّ في المفاوضات المباشرة ولكنها تُسمع الأصمّ بأنه يمرّ في قرون أخرى؟


  • شارك الخبر