hit counter script
شريط الأحداث

تجارب الحريري... على أرض بري

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١١ - 03:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
تتناثر مواقف السياسيين في لبنان، على الأنصار والخصوم، فتتناقض فلتات الألسنة والأقلام حتى الصدام أو تلتقي كأنها رأي رجل واحد. لكن في كل الأحوال، قلما تقرب هذه المواقف المعايير المتناسقة، إذ أنها تستوحي الحبكة، من الغاية السياسية بأي ثمن، وتتكئ في الأساس على قدرة الأفكار المسبقة عند الأنصار على ترويض أي شك.  وعلى خطى هؤلاء السياسيين، سعى الرئيس سعد الحريري الى اللعب في حلبة جديدة خصمه الوحيد فيها هذه المرة الرئيس نبيه بري، وذلك عبر سندين أساسيين: أولهما "وثائق ويكيليكس" التي تعمل منذ أن ظهرت على إبعاد أي شك عنها عبر إعطاء كل طرف ما يغضبه تارة وما يرضيه طوراً، وثانيهما إيمانه بأرجحية تسليم أنصاره المخلصين لخط والده، بحقائق الإبن المطلقة، وبالتالي ابتعادهم عن إمكانية "الشك واليقين".إلا أن أي تحليل طبيعي قد يستند إليه الحريري، وهو زعيم سياسي من المفترض ألا يتصرف اعتباطياً، سيرسم الأهداف التالية من الهجوم على بري: أولاً، كسر ما تبقى من علاقة معه، الأمر الذي يضرب التواصل السياسي المنتج في لبنان. وثانياً، دق إسفين في العلاقة بين الرئيس بري و"حزب الله"، وهو من الأمور الصعبة جداً في الوقت الحاضر، إذ يعرف الرئيس الحريري أن بث الشك بين "حركة أمل" و"حزب الله" لن يؤثر في شكل علاقتهما، فهما طرفان اثنان ولا يشكلان وحدة حزبية. وحتى إن اختلفا في الآراء، فإن تحالفهما موضوعي خصوصاً بشأن المقاومة. وثالثاً، محاولة التعويض عن عدم القدرة على الـتأثير في الشأن السوري الداخلي، عبر نافذة الرئيس بري. لكن كيف يمكن للهجوم على بري في الموضوع السوري، أن يحقق مغنمة لصالح الحريري على أرض الواقع في سوريا؟وبالتالي، فإن الهجوم الإعلامي المتجدد والقوي من الحريري على بري عبر وثائق كان غيره قد استزف كل مضامينها منذ أشهر، يبدو أنه يستهدف المجهول، إذ لا يحمل أي هدف سياسي منتج، كما انه لم يأت في إطار قضية مستجدة. فهل دخل الحريري لعبة الفوضى الخلاقة أملاً بخلط أي حابل بأي نابل، لعلّ الحكومة الميقاتية التي ما زالت حصينة حتى الآن، تتلقى الشظايا؟ في المقابل، فإن الردّ الإعلامي على الحريري ضرب على وتر غير حساس، إذ استند الى ارتباط الحريري بالأميركيين، وهو ما لا يعتبره الأخير تهمة بأي حال من الأحوال، ولا حتى أنصاره- خاصة في زمن التأزم والاستقطاب. بل إن الحريري قد يكون مسروراً، لأن الرد الذي استهدفه وأعطى قيمة لمعارك تخاطب المجهول، ركز الأنظار بعيداً عن التساؤلات المتصاعدة عن تقصيره مع جمهوره.واستطراداً، فإن الإضاءة على اتفاقيات عقدها الحريري مع الأميركيين أو على إمكانية تماهيه مع الموافق الأميركية، قد لا تفيد كثيراً، إلا إذا تم تحديد تراتبية الطرف الذي يتفق ويتماهى معه. فمن المعلوم أن الطبقة المخططة والغرف المغلقة في الخارج، تعرف جيداً الحقائق في موضوع الصراع مع إسرائيل، وتعمل على تمييعها وقلبها، وبالتالي فإن التماهي معها هو أمر خطير جداً يربأ لبنان بأي من مواطنيه أن يقترب منه. أما الطبقة الدبلوماسية الوسطى عند الأجانب، وخصوصاً الأميركيين، فهي تبدو مقتنعة فعلاً بما تدلي به من مواقف ازاء الأحداث، وأحاديثها تحوي مبررات تشبه تلك التي يحفظها أنصار كل فريق سياسي في لبنان عن ظهر قلب- على أنها الحقيقة المطلقة.وفي الحالتين، فإن إمكانية تماهي الحريري حين كان رئيساً للحكومة، مع مواقف مسؤولين أميركيين، لا تضرّ فقط كونها تطابقاً مع الأجنبي، بل أيضاً لأنها تعني استخفافاً بهواجس كثير من اللبنانيين.لكن إذا كان الحريري يهمل هواجس الفريق الآخر، زاعماً أن هواجسه الخاصة هي كل الدنيا، أليس بالأجدر أن ينشغل بأوجاع وهموم أنصاره في تيار "المستقبل"، الذين لا يلقاهم إلا عند الانتخابات التشريعية والبلدية وبعض الإفطارات الغابرة، بدلاً من الانشغال بسيوف تُشهر اعتباطياً، ولا يحملها إلا جندي في معركة الفوضى الخلاقة؟ 


  • شارك الخبر