hit counter script

- جهاد الملاح

ماذا يخفي الأتراك؟

السبت ١٥ نيسان ٢٠١٢ - 06:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يسترسل حكام تركيا في نشر خيوطهم الدبلوماسية في قلب وعلى جوانب الشرق الأوسط، بشكل تخطى مستوى الصعود التركي الذي حصل بعد إمساك حزب "العدالة والتنمية" بزمام الحكم، فيما يبدو أنهم يتحركون على وقع جدليات مذهبية لا تتماشى مع المقاربة التي أبداها الحزب داخل البلاد، والتي صالحت الدين مع العلمانية وسط الحفاظ على تركة أتاتورك.
فحكومة "العدالة والتنمية" واجهت إقفال الباب الأوروبي بالاستدارة شرقاً وجنوباً، حيث أخذت تلعب دوراً محورياً في المنطقة، وصولاً إلى مواقفها الشهيرة ضد إسرائيل خلال الحرب على غزة أواخر عام 2008 وأوائل 2009، وبعد الاعتداء على سفينة "مافي مرمرة" في العام 2010، إلى درجة أن صور رجب طيب أردوغان رُفعت في الشوارع العربية، ترحيباً بمواقف انتظرت لعقود من الحكام العرب لتخرج في النهاية من حفيد العثمانيين.
إلا أن الكباش التركي –الإسرائيلي خفّ تدريجياً ليتراجع الحديث عنه بعد الانتفاضات التي رفعت رفقاء "العدالة والتنمية"، على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، وأعطت أنقرة قوة هائلة لدفع صعودها. وفي هذا الوقت بالتحديد، بدأت الدبلوماسية التركية تتحرك في كل الاتجاهات وعبر خطوات بكل المقاييس، وبشكل خاص إزاء سوريا والعراق وإيران والخليج.
فقد دخلت أنقرة على خط الأزمة السورية من الباب العريض، حيث استخدمت كل أشكال التهديد والوعيد العسكرية والسياسية، ودفعت المعارضة إلى إعلاء السقف إلى ما لا نهاية. ومرّت "المهل الأخيرة" التي وضعتها تركيا، الواحدة تلو الأخرى، دون أن يُنفذ الوعيد والتهديد. ثم ما لبث موقفها أن شهد تراجعاً ملحوظاً حصر دورها في مساعدة اللاجئين واستضافة المعارضين والخطابات الرنانة، ما استدعى انتقادات داخلية اعتبرت أن صورة البلاد تعرضت للاهتزاز، في وقت أصبحت العلاقة بين أنقرة ودمشق عند نقطة اللاعودة، لا يعيدها إلا نجاح رهان الأولى بسقوط النظام السوري.
بالطبع، من حق، بل من واجب، أي حكومة محاولة الضغط عبر التهديد، إذا كان هذا الأمر سيسهم في وقف العنف وإنقاذ الأرواح. وعلى هذه القاعدة، ربما كان الموقف التركي مفيداً، حتى وإن أدى إلى منع جرح مواطن واحد فقط. إلا أنه من المعروف أن الدول لا تتحرك بدوافع إنسانية، فهل كان الدافع التركي استثناء؟
لا يبدو الأمر كذلك، إذ إن التراجع التركي إزاء سوريا، تبعه مباشرة دخول على خط الأزمة العراقية، وتحديداً في قضية نائب الرئيس المطلوب للقضاء طارق الهاشمي، ليتماهى موقف أنقرة مع الموقف القطري والسعودي، عبر استقبال الأخير والتنديد بما اعتبِر "تهميشاً للسنة" في العراق.
فهاجم أردوغان نوري المالكي، وردّ الأخير مهدداً بنقل الأزمة إلى داخل تركيا، ليبدأ ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه، بالتحرك على خط الأحزاب التركية المعارضة. وبالتالي، أخذت علاقات تركيا مع جارها الثاني، الذي كان بديلاً تجارياً عن سوريا، وطريق الترانزيت البديل إلى الخليج، تشهد توتراً متصاعداً.
ولم يُفهم ماذا تستفيد أنقرة من توتير العلاقات بهذا الشكل مع بغداد، وتحديداً مع حكومة اجتمعت واشنطن وطهران على دعمها، كما نزلتا عند رغبتها في استضافة جولة المفاوضات النووية الثانية، بدلاً من اسطنبول.
لكن اللافت الأكبر في هذا الموضوع هو أن الحكومة التركية استقبلت، بعد الهاشمي، رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، في أعقاب مواقفه القوية ضد حكومة بغداد، حيث شدّد من تركيا، على حق الأكراد في الاستقلال، ليعود إلى كردستان ويحرّك هذا الموضوع بقوة مهدداً بطرحه على الاستفتاء العام في أيلول المقبل.
فمن المعلوم أن أنقرة تعتبر أن الحديث عن استقلال كردستان، الذي يُعدّ القضية الأساسية للأكراد والدافع الأكبر وراء تطورهم المتصاعد، من شأنه أن يحرّك أخطر ملف داخل تركيا، وأن أي استقلال كردي، ستكون نتائجه هائلة على وجود الدولة التركية. فما هدفها من احتضان تصريحات البرزاني وتقويته في وجه المالكي؟
ما تقدم لا يدلّ على دبلوماسية واضحة تنبع من دولة كبيرة من المفترض أنها تخطط وتتحرك بدقة وتأن، لكن الحكومة التركية أعلنت في المقابل أنها مصممة على قيادة "موجة التغيير" في الشرق الأوسط. فعلى ماذا تعتمد وماذا تخفي؟ وإذا كانت منتعشة بصعود "الإخوان المسلمين"، فهي تعرف جيداً أن هذا الصعود بالذات، سيمنع تكرار محاولات التكتلات والكماشات السنية التقليدية، لأنه من الصعب في نهاية المطاف، تحالف "الإخوان" مع الخليج.
في المحصلة، نجح رجال "العدالة والتنمية" الأتراك في الاقتصاد والتنمية المستدامة، وفي تصويب مفهوم العلمانية، بعد أن نزعوا عنه "الأخطاء الشائعة" التي تضع متطلبات عشوائية للعلاقة بين الدين والسياسة أو تتعسف في دعم "اللادين". وبالتالي، ربما عليهم واجب العمل على نشر نموذجهم الفريد. أما في السياسة، فلعلّهم يعلنون ماذا يفعلون حقيقة، إلا إذا كانوا ينتظرون دخول فرنسوا هولاند إلى الإليزيه ليستديروا غرباً من جديد، بعد أن تدربوا مجدداً في أراض عربية يقودها اليأس وتسودها الأزمات.

 


 

  • شارك الخبر