hit counter script
شريط الأحداث

هل بدأ زمن انهيار الدولار؟

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١١ - 07:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
ثبت عبر التاريخ أن انهيار العديد من الامبراطوريات والدول الكبرى لم يكن بسبب التداعي العسكري لتلك الدول، بل كان بسبب التداعي الاقتصادي، فقد أدى الانهيار الاقتصادي إلى انهيار السلطنة العثمانية، وانحسار نفوذ بريطانيا العظمى، وكان السبب أيضاً في تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي لاحقاً، فهل سيأتي الدور على الولايات المتحدة الأميركية؟بعد العام 1945 حقق الاقتصاد الأميركي ناتجاً إجمالياً محلياً يعادل نصف إنتاج العالم آنذاك، مع احتياطي ضخم من الذهب، وبدأ الدولار الأميركي يصبح العملة الاحتياط للعالم. كما أدى النجاح الاقتصادي المتشعب إلى جعل أميركا أغنى وأقوى دولة شهدها العالم المعاصر، فحققت تفوقاً مكنها من الهيمنة على العالم والسيطرة عليه، وبدت أميركا دولة عظيمة وامبراطورية لا تقهر، وكان ثمن ذلك أن أصبح الدولار عملة المبادلات العالمية وجرى فرض النفوذ الأمريكي على النظام المالي العالمي بديلاً عن الجنيه الإسترليني الذي تراجع.هذا الوضع ضمن للولايات المتحدة دوراً سياسياً ومالياً قوياً، واستطاعت توفير نفط أرخص للإنتاج الأمريكي مما هو عليه في أوروبا وباقي دول العالم، وامتدت سلطة الدولار لتسيطر على حقول النفط، فأصبح إنتاجها الأقل كلفة والأكثر تنافسية، وهذا ما طور الصناعة الأميركية ومكنها من التفوق على مدى عقود عدة.ولكن ماذا تغير اليوم؟ كانت الولايات المتّحدة هي المكان الأكثر أمانا واستقراراً في العالم ممّا جعلها مركزاً دولياً لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبيّة على شكل استثمارات مباشرة ومشتريات للأسهم والسندات الأمريكيّة. ولكن مع تحول اميركا من أكبر منتج في العالم (44,5% من الإنتاج العالمي) إلى أكبر مستهلك حاليا، وبعد حصول الأزمة المالية العالمية والانخفاض الحاد للقدرة الشرائية للشعب الأميركي الذي تحول بمعظمه الى شعب مستهلك غارق في ديون لا قبل له على سدادها، أصبحت أميركا بحاجة إلى أموال نقدية مباشرة لتمويل مشترياتها الاستهلاكيّة، كما أدى ذلك الى تفاقم عجز الميزان التجاري الأميركي وزيادةالضغوط على الاقتصاد، كذلك فقد أدت زيادة الانفاق على التسلح والتدخل العسكري المباشر وبرامج الفضاء وغيرها الى زيادة المديونية الأميركية،  كما أسهمارتفاع أسعار النفط والمعادنفي تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة كلفة الانتاج في أمريكا وتالياً إلى ركود اقتصادي نتيجة عدم التمكن من تصدير الإنتاج بأسعار منافسة في ظل وجود مُنتج كبير ورخيص يجتاح العالم وهو "الصين".وأيضاً فإن من بين أسباب تراجع الاقتصاد الأميركي وبحث بعض الدول عن عملة احتياط بديلة، دخول عنصر الحذر وعدم الأمان على قرارات المستثمرين الاجانب بعد أحداث ايلول 2001 وهروب بعض الاستثمارات، هذا بالإضافة الى ما تسببت به السياسة الأميركية ضد الشعوب الاسلامية من نفور لدى الكثير من شعوب العالم، بسبب الانتهاكات الخطيرة التي قامت بها أميركا بدعوى مكافحة الارهاب.إن الوضع السيئ الذي تمر به الولايات المتحدة لم يحدث فجأة، فقد استغلت الولايات المتحدة نفوذها السياسي والعسكري وقوتها الاقتصادية وعملت على تحقيق ثروات طائلة من طباعة الدولار دون الاستناد إلى أداء الاقتصاد الحقيقي، وقد دأبت الحكومة الأمريكية خلال العقود الماضية على الاقتراض لسد العجز في ميزانياتها بسبب التوسع في الحروب، وذلك عن طريق إصدار سندات حكومية بالدولار ثم بيعها للمستثمرين الأجانب والمحليين مقابل فائدة سنوية، وكان ذلك سبباً في تفاقم العجز في الموازنة تبينت خطورته مع اندلاع الأزمة المالية العالمية.وفي إطار معالجتها لهذا الوضع، اعتمدت الولايات المتّحدة الأميركية سياسة تخفيض قيمة الدولار الذي فقد حوالي 40% من قيمته تجاه بعض العملات حتى الآن، على أمل أن يساعد ذلك في تحريك عملية التصدير وتحقيق الانتعاش الاقتصادي. إلا أن هذه السياسة خطيرة جدا وحساسة ولا تنفع إلا في فترات قصيرة، وقد تؤدي إلى انفلات زمام التحكّم بالاقتصاد وإلى انهيار الثقة بالعملة، خاصّة في ظل وجود عملات بديلة يتطلع العالم الى حيازتها كبديل عن الدولار الأميركي، في ظل تقارير دوليّة  تفيد أن معظم البنوك المركزيّة العالميّة قد حوّلت بالفعل قسماً من احتياطيّاتها من الدولار إلى اليورو وإلى عملات أخرى.وإذا أخذنا الذهب كمقياس، فإن الدولار خسر تقريباً 500% من قيمته، بعد ارتفاع سعر أونصة الذهب من 340 دولاراً في 2002 الى 1663 دولار حالياً، وهذا المسار لن يتغير قريباً، إلا بمعجزة. وعندما نرى كيف أن الصين والهند وغيرهما من الدول تقبل على شراء الذهب والمعادن المختلفة، لا بد وأن نتساءل عن مصير الدولار...!! صحيح أن الولايات المتحدة تملك احتياطاً كبيراً من الذهب (8133 طن) يساوي حوالى 430 مليار دولار تقريباً، إلا أن نسبة الذهب من حجم الدين الأميركي الذي بلغ رقماً قياسياً يزيد عن 15 تريليون دولار هي بحدود 3% فقط، ولهذا فإن الدين والدولار الأميركي ليسا محميين بالذهب.إذا هل سيشهد العالم سقوطاً قريباً للدولار؟ الجواب لا أو على الأقل ليس الآن، للكثير من الأسباب أهمها: - من المعلوم أن الاقتصاد الصيني والياباني واقتصاديات دول شرق آسيا تعتمد بشكل شبه أساسي على التصدير، لذا فمن مصلحة هذه الدول أن تبقي قيمة الدولار مرتفعة نسبياً مقابل عملاتها المحلية، كما أن البنوك المركزية لهذه الدول لديها احتياطيات هائلة من الدولار، في الوقت الذي يشوب الصين مخاوف كبيرة من احتمال تعرضها لخسائر فادحة في سنداتها المالية المصدرة بالدولار، وهو ما يدل أن الصين سوف تدعم الدولار دائماً للحفاظ على صادراتها خصوصا إلى أمريكا التي تعتبر من أهم أسواقها، في الوقت الذي تسعى فيه الصين بقوة إلى الإبقاء على معدلات العمالة لديهاعند مستويات مرتفعة حتى لا تزيد معدلات البطالة وتنتشر الاضطرابات والمظاهرات وهو ما سوف يهدد في النهاية الاقتصاد الصيني نفسه والاستقرار الداخلي في الصين.- رغم الظروف الاقتصادية الحالية للولايات المتحدة فلا يمكن القول إنها دولة مفلسة او تكاد تصل الى حدود الإفلاس، ذلك أن أميركا تمتلك قدرات اقتصادية ضخمة خصوصاً في قطاعي الزراعة والصناعة، كما تتمتع بقطاع خدمات متطور جداً،  فضلاً عن غناها بالموارد الطبيعية وقدرتها الدائمة على استقطاب العقول والأيدي العاملة الماهرة.- فشل اليورو في أن يكون العملة البديلة، كما أن الاتحاد الأوروبي أو على الأقل جنوبه من إيرلندا الى اليونان من دون استثناء، حذا حذو الولايات المتحدة في الديون وتشارف بعض الدول فيه على التخلف عن سداد ديونها.- لا تزال الفرصة متوفرة أمام الأميركيين لمعالجة الأوضاع المالية عبر سلسلة إجراءات ممكنة وضرورية لكبح جماح استمرار ارتفاع الدين العام الأميركي، ومنها على سبيل المثال التخلي عن سياسة تخفيض الضرائب وتقليص الانفاق الحربي. - ليس من مصلحة أوروبا ارتفاع اليورو أمام الدولار تفادياً لخطر الانكماش الاقتصادي نتيجة ارتفاع أسعار السلع المعدة للتصدير وتراجع السياحة في دول الاتحاد، وهو ما تخشاه دول أخرى أيضاً مثل كندا واستراليا والبرازيل وغيرها من الدول الصاعدة.- لا يمكن تجاهل الآثار الإيجابية لانخفاض سعر صرف الدولار والتي تتمثل في انخفاض أسعار الصادرات الأميركية الأمر الذي سيدفع باتجاه انتعاش الصناعات الأميركية مجدداً عند بروز اشارات اقتصادية إيجابية.- لن يسقط الدولار كعملة دولية إلا عندما يتم استنباط عملة بديلة، وهو ما يبدو بعيد المنال في المدى المنظور على الأقل،ذلك أن الكثير من رجال الاقتصاد والسياسة حول العالم يؤكدون أن قدرة الدولار على الاحتفاظ بمكانته العالمية مستمدة من كونه عملة التسعير الأولى، وهو الأمر الذي تسعى السياسة الأميركية بجهد كبير للمحافظة عليه عبر هيمنتها على القرار السياسي العالمي وتدخلها لمنع نشوء تكتلات اقتصادية دولية.وحتى ذلك اليوم وفي حال استمرار الوضع الانكماشي للاقتصاد الأميركي، سنرى أسعار الذهب والمعادن والنفط  في ارتفاع مستمر، وستتقلص القيمة الشرائية لكل من يتعامل بالدولار حول  العالم، لا سيما في الدول التي تستورد معظم حاجياتها من الخارج مثل لبنان، وهو ما يتطلب التنبه لانعكاساته السلبية عبر توجيه السياسات المالية نحو أتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية اقتصاد لبنان واحتياطياته النقدية من خطر الهبوط الحاد لسعر الدولار، والحد من انعكاسات هذا الأمر، إذا حدث،على الأمن الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين.سليم مهنا(مركز الدراسات الاستشارية)


  • شارك الخبر