hit counter script
شريط الأحداث

دولة... رأى وأكّد

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١١ - 02:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
تلتفت الشاشات يميناً وشمالاً في موطن الاستقطاب، لعلّها تشدّ العيون إليها، فتسرح في مقدمات نشرات كأنها حوافر الخيول أطلَّت من وراء الغبار، لترفع من قيمة ما تُبلغه من أخبار، وتجود بالموجود من مواقف يسوِّقها السياسيون، ويدفع ثمنها المواطن نقداً مما تبقى من أمل في هذا الوطن.أزلام المواقف في لبنان يُبعثون مع كل صباح، أحياء بقدر ما كدَّسوا من كلمات تبيع المستقبل أنواراً وهمية، أو تملأ الحاضر بلزوم ما لا يلزم من جمل وعبارات لا تخرج عن خانة "العلم بالشيء". إن وتيرة التطور في العلم والأدب والسياسة لم تشتد في العالم إلا عندما أُعطي العمل رُشد الحياة، ومُنح الصدق جُلّ الجميل، ليأتي كل وعد سياسي منذراً بالعطاء ويشكِّل خطوة أولى على طريق تطبيق العقد الاجتماعي. أما في لبنان، فتتصارع الوعود السياسية بين الخطابات التي تشير تارة الى أن السماء فوق الأرض وترى طوراً ما يراه الأعمى، أو تؤكد المسلَّمات. وتكرّر هذه الوعود في كل يوم، الخطوة الأولى في طريق الأبد، حيث لا تنفيذ ولا عمل، بل غبن احترف الاستيطان في عقود الاجتماع والسياسة.فالتخلف السياسي يطلّ في معظمه من باب جهل قدسية الإنتاج الفردي، الذي عرفته الإنسانية مع جدية الإغريق مروراً بالعصر العربي الذهبي وعصر الأنوار وصولاً الى ثورات العمل والصناعة التي أعقبتها ثورة الحكم الرشيد. وفي القرن الواحد العشرين، يتفهم أي تلميذ لبناني أن نموذج السياسي في وطنه هو الإنسان غير المنتج في حق المواطن وفي حق مسؤولياته اليومية، التي يحيلها فقط على الكلام والتصريحات وعبارات التأكيد والتشديد، طالما لا من يسأله: ماذا أنتجت من عمل؟تلحظ الأنظمة التربوية المتطورة ضرورة دفع المواطنين منذ نعومة الأظافر، الى فكر الاستقراء والاستدلال والاستنباط، بما يؤمِّن الحد الأدنى من الاستقلالية في مراقبة الظواهر السياسية، وينسج دروعاً سيكولوجية تصدّ أي قمع لنعمة "الشك واليقين". وهي نعمة قد لا يجرؤ أي فريق سياسي في لبنان أن يدعي التحلي بها، لأن فقدانها هو آفة وطنية شاملة، خلقت من ظروف معقدة وكبرت مع تراكم الأخطاء.فكم مرة يسمع اللبنانيون أحد السياسيين "يرى" لأنه مطلع على الأفق، أو نائباً مفوَّهاً "يشير" بملاحظاته الماورائية، أو عبقرياً "يؤكد" لأنه متملِّك للحقيقة المطلقة، أو مدعياً "يعلن" أنه كلَّف لجنة بتشكيل لجان؟ يسمعون كل يوم، ويُشككون فقط في من اختلفوا معه في الانتماء السياسي، لا في من تكلم كثيراً وما فعل شيئاً. وتمرّ الأيام وتتوالى السنوات، ولعبة "العلم والخبر" بين المواطن والسياسي مستمرة، في انتظار إشعار بإعلان أحد السياسيين الندم رمياً بماضيه الذي ملأه كلاماً وما عمل مقدار صوت انتخابي واحد. قد يحتاج الارتقاء من الدمية المفعول بها الى السياسي الفاعل، ثورة على الأحرف، لكن الأحرف التي نسجتها الثرثرة وتغذت على الفهم الخاطئ للتمثيل والديمقراطية ومعنى احترام الذات كما المواطن، يصعب تبديلها، طالما يتبارى السياسيون على طول اللسان وقصر الصدق أملاً بالدهاء. ولا عجب، فهُم يجهلون أن ما يصنع رجال الدولة طباعُهم وليس الذكاء!
 
  • شارك الخبر