hit counter script
شريط الأحداث

ميقاتي... حين يسأل عن الشجر

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١١ - 07:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
تحفظ مسيرات الساسة في الدول النامية، ومنها لبنان، الخطوط التقليدية في الحكم، والتي تقارب مناهج كثيراً ما تسقط في اليأس من التغيير والقناعة بحال التردي. وهي قلّما ترتسم على صفحات عِلمية التخطيط والاستشراف، خاصة مع جهل الحكومات أو تجاهلها للتنمية المستدامة، التي يمكن أن تَقرَب مجالات كثيرة، بغض النظر عن استقرار الوضع السياسي من عدمه.وإذا كان القيِّمون على الحكم في لبنان، يملكون، هم أو مستشاروهم، الحد الأدنى من العلم الذي يطلّ بهم على مضامين الأمن الإنساني، التي ارتفعت في العالم على مدى العشرين عاماً الماضية، فإن طغيان التخبط والعفوية على معظم أعمال الحكومات المتعاقبة يطرح تساؤلات عديدة حول عدم التطلع الفعلي وغير الدعائي، إلى التنمية والتطوير.فهذه الحكومات اكتفت بتحديد السياسات العامة التي كُرِّست في أحيان كثيرة للمنافع الشخصية التي تُقوي المسؤول مادياً وسلطوياً، وهي سياسات اجتنبت تفاصيل الدولة ومرافقها وحاجيات مواطنيها، علماً أن الأوطان لا تُبنى إلا عبر بناء التفاصيل وتراكمها.يباشر الرئيس نجيب ميقاتي قيادة الحكومة وسط تحديات كبيرة، منها الموضوعي بسبب الظروف والوقائع، ومنها التي قد تقصد المعارضة وضعها، وإن اعتباطياً، خاصة أنها معارضة تنتمي إلى بلد نامٍ ومنهجها ربما لا يخرج عن المعارضة المطلقة بهدف الإفشال والعرقلة بدلاً من المراقبة والمحاسبة والتحفيز على العمل.إلا أن التدقيق في تفاصيل مشاكل البلد وغربلتها، من شأنه أن يشير إلى قطاعات ومجالات كثيرة غير خلافية، يمكن للرئيس ميقاتي أن يفتح منها قناة تجاه التنمية المستدامة، وتحديداً في الوزارات التي توصف بمجاز التخلف بــ"غير السيادية". فمفهوم تطوير الدول يرتبط بهذه الوزارات التي تعزز التنمية وتحفز الاقتصاد وترفع قدرات المواطن، لتخلق نوعاً من الرفاه الاجتماعي وتمهد لمستقبل أفضل.فلا شك أن كثرة الملفات الخلافية كالمحكمة الدولية وسلاح المقاومة، لا تمنع  الرئيس ميقاتي من بذل جهد لتطوير القطاع الزراعي في لبنان، عبر خطط واضحة، وإن بسيطة تتلاءم والإمكانيات. فلا يُصدق عاقل أن بلداً تعيش به عشرات آلاف الأسر على الزراعة، ويعمل نحو ربع سكانه فيها، ويملك أرضاً وسهولاً خصبة، يعطي وزارة الزراعة أقل ّ من 1 في المئة من موزانة الدولة.  وعلى أي حال، فإن الدعم الحكومي لقطاع الزراعة ليس من الضرورة أن يُختصر بالدعم المادي الكبير، بل يمكن أن يكون فعالاً عبر تنظيم القطاع وتنسيق فئاته، وتحفيز تحديثه، وتسهيل تسويق منتجاته وتصديرها، ودعم الزراعات "البديلة"، والأهم حمايته من المنافسة الخارجية. وللعلم، فإن دعم  الزراعة من شأنه أن يُسهم، فضلا عن تقوية الاقتصاد، في الإنماء المتوازن وعودة المهجرين الى أرضهم وتصحيح التوزيع السكاني وتخفيف التعديات على الأملاك العامة. فلعلّ الرئيس ميقاتي يبادر إلى العمل على القطاع الزراعي بشكل جدي وبطلاق مع فشل الحكومات المتعاقبة، التي لم تبال به، متجاهلة حقيقة أن لبنان لا يتقدم فقط بمهرجانات فنية تمرّ بين المحافظات في عتمة الليل وعلى ضفافها تموت الأرض.وفي مكان آخر، أما وإن تشكلت الحكومة وانطوى الخلاف حول الأصلح لوزارة الطاقة، فإنه إلى جانب ضرورة المباشرة بإصلاح فعلي وجدي في قطاع الكهرباء، لا بد من البدء بمشاريع السدود المائية، عبر هبات مالية غير سياسية، لتوليد الطاقة والحفاظ على الثروة المائية.وبين الماء والكهرباء، تأكد نفط لبنان وغازه، واحتدم الصراع عليهما مع إطلالة الحكومة الجديدة، فهل ستبقى هذه الثروة سائبة في البحر، أسوة بالأنهار التي ذهبت سدى، منذ الأزل، ومع الحكومات السابقة؟وفي وزارة التربية، "غير السيادية" حسب توصيف أسياد العبث من سياسيي لبنان، يُصنع التاريخ ويرتفع الوطن وتتعزز قدرات الأجيال. في هذا المكان، حيث يُخشى التراجع، لا بد من إيلاء الاهتمام البالغ، خاصة عبر تقوية المناهج الدراسية وتحديثها بالعلوم التفاعلية، وتوجيه الطلبة في اختصاصاتهم، كي لا يغني كل طالب على ليلاه، ثم يتخرج بحثاً عن قوت بين عتمات الوطن.ربما ينجح ميقاتي كثيراً، إذ ما راقب الوزارات وزارها دورياً، ليتفقد الموظفين الذين يتركون "جاكيت" ثانية في مكاتبهم حين يخرجون لساعات، وليسمع استهتار بعض الضباط بحق المواطنين في المخافر، ويسأل عن مدى ملازمة دوريات الشرطة لطرقات الموت. وقد يتمكن من حلّ أزمة السجون ويضع أسساً للبدء في إصلاح القضاء، ويسهم في بناء مركز متطور للبحوث، أو يخلق حلقات إنتاج تتقاطع فيها الطوائف والمذاهب وتعزز المواطنة،  إذا ما أراد. بالطبع، لن يحلّ الرئيس ميقاتي أزمة المحكمة الدولية ولن ينهي الصراع مع إسرائيل ولا يمكنه المساهمة كثيراً في إلغاء النظام الطائفي المقيت وعار الاستقطاب المذهبي، لكن قد يختار- إذا اختار المساهمة في بناء الوطن وليس فقط الأبنية- ألا يدع الملفات الكبرى تستأثر بالحكم، فيباشر بإصرار في مشروع التنمية المستدامة. وهو يعلم أن طريق مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان لم تكن أبداً بعيدة عن الأشواك والمشاكل الوطنية الكبرى.قد "تضحك" المعارضة النامية إذا رأت ميقاتي يملأ مجلس الوزراء حديثاً عن الشجر المثمر في الجبل وسهل البقاع، أو يُضيِّع أسبوعاً من أجل سدّ مائي صغير، أو يستنفر طاقاته في اجتماعات مع ممثلي المدارس والجامعات... لكن حتماً سيبتسم لبنان!


  • شارك الخبر