hit counter script

بيروت إن خافت

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١١ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
يتنقل حلم الحياة بين مقاهي المدينة التي حفظت مواهبها منذ الصغر حين كانت فتية تصنع التاريخ في مهده، وحتى ضربت في القدم. فبقي وجهها فتياً يشع نوراً، ويعرف مراوغة الرياح، وكيف لا تموت الأرض ومتى تعطف السماء. سنوات طويلة، وحلم الحياة يمشي بين أزقة بيروت، يبحث عن موطئ في عقول بشر ملأوا المقاهي حياة وملأوا الوطن موتاً كأنه سرمدا. صراخ وقلق، جلّ ما جمعه، لكنه بقي يبحث عن حياة في أرض الحذر. وذات ليلة، مرّ الحلم صدفة في أحد المقاهي، بين مخالب أفكار الأصدقاء، فكاد يضيع وينهي قصة سردت صفحات كادت تقاتل بعضها.من صفحات هذه القصة أن بيروت تعلمت رقص المدن حين تفرح، وعرفت كبوة الشوارع حين تقلق، وما بدّلت جلدها الذي تسامح مع لعب الناس. فرسموا عليه ما شاءوا، وكتبوا وزيَّنوا ألواناً سوداء رضي بها ولم يبهت أبداً، حتى في أوج الحزن وعند مفاصل التاريخ الكثيرة.حملت الأيام حروباً ودماراً وعدواناً وتركت يأساً وحزناً، وانقساماً كاد يُقسِّم الوطن. وإن يكن، لم تخَف مدينة المدن، فطالما قرأت في كتب بشرها عن خِدع الرياح التي تهب كل مرة بلباس، وعرفت كيف تحيا من بين الرماد، وكيف تغفو على صوت الرصاص مطمأنة لفجر جديد. لكن المدينة التي قرّت عينيها منذ الأزل، ببحر وسِع كل البشر، لم تلحظ أبداً في ما قرأت، أي سطر عن جهل وتعصب يسقطان في الحقد الأعمى والكره المسبق، ويكتبان على جلدها ما يحرقه: التخوين المطلق.أسوأ لحظات الأوطان تعيشها عند التراشق التخويني في زمن السِلم. فالحرب وإن استشرست، قد لا يلقى كلام التخوين أي سمع، في لياليها، لأن الرصاص والدم يجعلان حينها، الحياة أسرع من هبات الكلام. وفي سِلم بيروت، في الرحلة بين المقاهي، سمِع حلم الحياة من أخبره أنه مستعد - من أجله- أن يتعاون مع الشيطان ضد إسرائيل. ثم مضى ليهمس مهووس في مسمعه استعداده للتعاون مع الشيطان ضد "المقاومة"، ومن أجله أيضاً!يتسلح أرباب المقاومة بالقوانين المشددة، وهذا حق للجم العمالة المقيتة ضد من يضحّي من أجل الأرض والوطن. لكنّ العمالة التي يمنعها القانون والخوف من العقاب تكون كالطاعون الذي لا يكلّ بحثاً عن فريسة. وبين مخالب الاستفزاز، قد تلد وتتكاثر في النور غير آبهة لظلمة أحرفها.وفي مكانٍ آخر، تمنّت بيروت الموت ألف مرة، قبل أن تقرأ على الشفاه ادعاءات الحق المنزل من علياء الخيال، حيث غاية الشهداء تبرر وسيلة نسج الكلام للتحريض والتخوين تارة ورفض الوقائع طوراً. والحقائق قد تقتل في المهد وما تملي الظروف من مراحل. والأعتى هو فقط من يقوى على دب الحركة في الفتنة. ويمرحون ويهزأون على الشاشات، طالما هناك من يوليهم الثقة العمياء ولا تحرك تقلباتهم أي تساؤلات في عقله.لعلّ بيروت تبقى ترسل من صفحاتها، إلى هنا وهناك، تجارب عن أنوار المصالحة التي تمنع موت المدن وإن شرَّعت الاختلاف. فتخبر أنه في زمن التوتر، كل كلمة تحدي قد تصنع عميلاً أو أقله حاقداً في المقلب الآخر، وقد تسقط كل ما يرافقها من كلام منطقي ومن حجج وبراهين على صوابيّة الموقف، لتتأهّب فتنة تبيد ما عجزت عنه الأزمان.أذكياء مواطنو لبنان، فقد فكّوا اللغز في جلد مدينتهم، وعرفوا كيف يُحرق على مذابح سمّوها "السياسة" وسمّتهم أسياد الطيش، الطيش الذي يكبر في عيونهم كلما دقّ إسفيناً في أمل العيش السويّ وتلاعب بالحلم اللاهث وراء حياة في هذا الوطن.


  • شارك الخبر