hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

التمديد لقهوجي بين المصلحة الوطنية والمصالح الضيقة

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٢ - 08:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

شهدت الحدود اللبنانية – السورية في الآونة الاخيرة مجموعة حوادث ومشاكل ناجمة عن تسرّب الازمة السورية إلى الاراضي اللبنانية . هذا التسرّب الذي أخذ اشكالاً عدة منها ما هو أمني له علاقة بعمليات التهريب والتسلل ومنها ما هو اجتماعي له علاقة بمشاكل النازحين قسراً عن ارضهم واللاجئين ضيوفاً إلى لبنان....
كان من الممكن ان تتفاقم هذه الاحداث وان تتخذ ابعاداً أكثر خطورة ومدعاة للقلق لولا الدور الذي يضطلع به الجيش اللبناني بكل دقة ومسؤولية لضبط الاوضاع وإبقائها تحت السيطرة والمراقبة . ويقوم الجيش بهذه المهمة الصعبة بإمكانات متواضعة ولكن بتصميم وإرادة صلبة ، وفي ظل ظروف داخلية دقيقة ولكنها حافزة له لتحمل المسؤولية وعدم الوقوع في أخطاء ...
مما لا شك فيه ان الجيش موجود في وضع لا يحسد عليه ويعاني اوضاعاً ضاغطة ومحرجة . فعلى مستوى السلطة السياسية ممثلة بالحكومة التي يخضع لقرارها وسياستها هناك حال ارباك وتخبط على كافة المستويات السياسية، حتى داخل مجلس الوزراء فالكتل والوزراء موزعون الى ثلاثة اقسام ومحاور في ما خص الوضع في سوريا ، فهناك من يؤيد النظام السوري من دون تحفظ، وهناك من يعارض النظام الى اقصى حد ويجاري المعارضة السورية في دعوتها وسعيها الى اسقاط النظام، وهناك من يقف في موقع وسطي منتهجاً سياسة النأي بالنفس ومكتفياً بمتابعة الاحداث عن بعد...
وعلى المستوى السياسي والشعبي هناك ايضاً انقسام حاد وخطير بين اللبنانيين وصل في مرحلة من المراحل إلى حد استعمال السلاح وهذا الانقسام الخطير حد منه و"احتواه " اتفاق الدوحة لكنه عاد واتسع وتعمق بفعل الاحداث السورية وكيفية التعاطي والتعامل معها والتي كلما طال امدها كبرت اخطارها وتداعياتها على الداخل اللبناني . وفي حين ينتظر فريق سياسي بفارغ الصبر سقوط النظام السوري ويتحين هذه الفرصة لاستعادة مواقع وسلطة خسرها ، فان فريقاً سياسياً آخر يراهن على صمود النظام الحليف لتثبيت مواقع ومكاسب حصل عليها وتحقيق اوضاع متقدمة اكثر في الحكم...
كل ذلك يجري تحت انظار المؤسسة العسكرية التي تضم في صفوفها اناساً لبنانيين لهم اهلهم ومحيطهم وبيئتهم وهم من لحم ودم ويتأثرون كما جميع اللبنانيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولو بشكل "كتوم " وأقل بكل ما يجري حولهم من احداث .
الجيش يحاول قدر المستطاع وبامكانات وقدرات متواضعة على القيام بواجباته ، وليس سراً ان الجيش يعاني نقصاً وضعفاً على صعيد العتاد والاسلحة والذخائر ، خصوصاً مع تأخر وصول المساعدات الخارجية وعدم تنفيذ الوعود التي اعطتها اكثر من دولة بتسليح هذا الجيش ، ومع سياسة التقشف والشح المالي المتبعة من جانب الحكومات المتعاقبة حيال الجيش الذي باتت مسؤولياته ومهامه اكبر بكثير من امكاناته ، وبات الفارق كبيراً بين ما هو مطلوب منه وما هو متاح ومتوافر له .
ولكن رغم كل ذلك ، نجح الجيش في ضبط الوضع الامني على الحدود مع سوريا وفي معالجة واحتواء المستجدات والمشاكل على قاعدة الفصل بين الناحية الانسانية حيث الاهتمام بالنازحين يصل الى حدوده القصوى الممكنة ، وبين الناحية الامنية حيث لا تهاون ولا تراخي مع اي اخلال وتهديد واختراق وتهريب سلاح . ويقوم الجيش بمهامه كاملة على الحدود شمالاً وبقاعاً غير آبه بحملات افتراء وتحامل تحاول ثنيه او اشغاله والهاءه وتشتيت قواه وتركيزه وضرب معنوياته ، وغير آبه ايضاً بمهام ومسؤوليات جسام ملقاة على عاتقه في الجنوب حيث يؤازر قوات اليونيفل في تطبيق القرار 1701 ، وفي الداخل حيث يقوم بحفظ الامن والاستقرار استناداً الى تكليف وتفويض مفتوح ...
واذا كان الجيش يقوم بواجباته كما يجب وعلى افضل ما يمكن ، فإن له حقوقاً بالمقابل على المسؤولين السياسيين . واول حق له عليهم ، هو التوقف عن ممارسة الضغوط والحملات على المؤسسة العسكرية والامتناع عن كل اشكال الاستخدام والتوظيف للجيش في الصراعات والتجاذبات السياسية ، والاقتناع لمرة واحدة واخيرة ان الجيش ثابت في موقعه ودوره ولا تؤثر فيه حملات التجني والتضليل.
ولان الجيش كان في هذا الموقع الصحيح دائماً ، فإنه نجح في تجاوز مطبات وانقسامات ما بعد العام 2005 وفي ارساء منهج مؤسساتي اصلاحي وسط كل الفوضى والفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة ، وفي حفظ الامن والاستقرار الذي هو في اساس كل حياة سياسية وعافية اقتصادية ونهضة انمائية ... والايام اثبتت وكما قال الرئيس ميشال سليمان من استراليا خلال جولته الناجحة والهامة أمام المهاجرين اللبنانيين والمتحدرين من اصل لبناني ، على صحة مواقف الجيش وعلى حكمة قيادته إضافة إلى ان الجيش كان دائماً جيشاً للوطن ولم يكن يوماً جيشاً للنظام ... وان الجيش اللبناني اثبت خلال تعاطيه مع الاحداث ان لبنان موحد وسيبقى موحداً .
اما اليوم فيقف الجيش على مشارف مرحلة حساسة وحافلة بالتحديات ، والى جانب سهره الدائم على امن الحدود ومكافحة كل اشكال العنف والتطرف والارهاب ، تقع على الجيش مهمة حماية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وتوفير ظروف نجاحها والبيئة الامنية الحاضنة لهذه العملية السياسية التي تؤكد على عراقة الديمقراطية في لبنان نظاماً وممارسة قبل الربيع العربي وبعده ...
ان ما سمعه اللبنانيون بالامس في مجلس النواب خلال المناقشات النيابية كان خطيراً وقاسياً ومحزناً ومؤشراً واضحاً على مدى الحقد والكراهية الذين يلازمان العمل السياسي في كثير من جوانبه في لبنان، وبينت تلك المناقشات مدى الخلاف والاختلاف بين السياسيين في مواضيع حساسة عديدة ، لكن في المقابل كان هناك اجماع على شيء واحد بين معظم المتكلمين والذين يمثلون كل القوى والاطراف السياسية في لبنان وهو الاتفاق على الجيش ودوره وعلى الثقة بالمؤسسة العسكرية .
لنقل الامور بكل صدق وصراحة ودون مواربة ان الحرص على الجيش ودوره في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة يكون اولاً بالتجديد وبأسرع وقت ممكن للعماد جان قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية ... لعدم الوقوع في المجهول وعدم ربط هذا الموضوع بأي عوامل أو تعيينات أخرى .
ان طريقة تعاطي بعض اصحاب الشأن والسياسيين مع موضوع التمديد لقائد الجيش لم تعد خافية على أحد، وان ما يقولونه في العلن عن دعمهم لخيار التمديد لقائد الجيش " لا يناسب حساب بيدرهم " في السر ، هذا اذا قارنوه بطبيعة الحال مع مصالحهم واحلامهم وطموحاتهم... والمصيبة ليست في طموحات واحلام هؤلاء بل المصيبة في صمت الاخيار.
يجب على هؤلاء السياسيين ان يعرفوا بان مصالح الوطن وأمن الناس ، وبقاء المؤسسة العسكرية متماسكة وعدم الانفلات الامني هو اهم بكثير من طموحاتهم ومصالحهم الشخصية والخاصة .
ان التجديد لقائد الجيش هو لمصلحة لبنان وشعبه وهذا مطلب شعبي عارم وهذا الاجراء يجب ان يحصل في اقرب وقت ممكن وبالسرعة القصوى ، فلبعض الذين " يضربون الاخماس بالاسداس " أقول ان هذا التمديد ليس له اي بعد سياسي او خلفية رئاسية لها علاقة بانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة ، وانما له علاقة بالاستقرار والأمن وبالمرحلة الدقيقة والخطيرة والحساسة التي تمر بها المنطقة العربية والتي تدق ابوابنا من الحدود السورية - اللبنانية .
ان بقاء جان قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية في هذه الظروف الدقيقة تفرضها اولاً ضرورة عدم الوقوع في الفراغ على مستوى قيادة الجيش خصوصاً في ظل غياب نص قانوني يحدد لمن الأمرة والقيادة في ظل انتهاء ولاية قائد الجيش والتي تتزامن مع انتهاء ولاية رئيس الاركان ايضاً، فلا يجوز تعريض المؤسسة العسكرية إلى فراغ نحن بغنى عنه ، إضافة إلى ما يمكن ان يؤثر ذلك سلباً على الوضع الامني الداخلي وانفلات على الحدود اللبنانية.
ان استباق مثل هذا الوضع اصبح اكثر من ضرورة خصوصاً ان العماد جان قهوجي يتمتع بأخلاقية ومناقبية عاليتين وقد اثبتت الظروف والتجارب على مر السنوات من وقوفه على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والحزبية وتعاطى بحرفية ودقة مع الوضع الخطير والدقيق وجنب البلد خضات وهزات في وضع قابل للانفلات في اي لحظة وفي ظل انقسام عامودي حاد وخطير بين السياسيين ومن خلالهم بين اللبنانيين على كثير من الملفات الداخلية والخارجية الدقيقة.
ايها السياسيون حذارِ ، حذارِ من خلط الامور ، ومن له أذنان سامعتان فليسمع... 

  • شارك الخبر