hit counter script

كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في ختام جلسات المناقشة العامة

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٢ - 09:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

القى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في ختام جلسة المناقشة العامة في مجلس النواب الكلمة الآتية: دولة الرئيس ، السادة النواب المحترمين
إن جلسة المناقشة التي امتدت على ايام ثلاثة، خطوة تعكس الحرص على التزام وثيقة الوفاق الوطني التي اقرها مؤتمر الطائف وكرستها مقدمة الدستور، لا سيما لجهة الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، من خلال ممارسة الاسس الديموقراطية في النظام البرلماني الذي ارتضيناه والذي يبقى، وسط ما يجري حولنا من احداث ومستجدات، نموذجا يحتذى في تجسيد ارادة المواطنين وتطلعاتهم وتعبيرا عن ربيع دائم يعيشه لبنان وإرادة جامعة في التلاقي مهما اختلفت الاراء وتباينت.
- ثاني هذه النقاط ان الحكومة تتقبل كل الكلام السياسي الذي قيل من على هذا المنبر، وقد قيل أكثر منه في جلسة الثقة لا سيما في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان والتي برهنا إلتزامنا بها قولا وفعلا. والحكومة ايضا تتجاوز كل ما خرج عن نطاق الملاحظات البناءة، لا سيما اطلاق الاتهامات والتجريح الشخصي، لتدعو الى عمل وطني جامع تتطلبه دقة المرحلة الراهنة، ويهدف الى حماية لبنان وتحصينه لتجاوز التحديات الماثلة امامنا جميعا وتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي وإستكمال التعيينات لانهاض الادارة.ان هذا العمل لا يمكن ان يكون فاعلا ومثمرا اذا لم تتشابك فيه كل الايدي بعيدا عن اي حسابات ضيقة او مصالح شخصية، فالانقاذ شرف لا يجوز ان يغيب أحد عن المشاركة فيه.
- ثالث هذه النقاط، ما يتعلق بالمواقف التي ترددت هنا في هذه القاعة حول سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية حيال الاحداث في سوريا. ويهمني التأكيد مرة جديدة ان خيار النأي بالنفس هو قرارنا نحن وفرضته المعطيات التي تحيط بالعلاقات اللبنانية السورية من جهة، والعلاقات اللبنانية مع المجموعة العربية من جهة اخرى، ويرتكز خاصة على مواقف اللبنانيين المتباينة حيال ما يجري على الاراضي السورية.
نعم، دولة الرئيس ،السادة النواب المحترمين، ان هذه السياسة تهدف للحفاظ على وحدة شعبنا ولقد حالت دون مزيد من الانقسامات، وهي تسعى لتجنيب لبنان إستيراد ازمات إضافية. فهل من يسأل اليوم، بموضوعية وتجرد، كيف كان سيكون وضع لبنان اذا انحازت حكومته الى فريق من اللبنانيين ضد الفريق الاخر؟ هل من يسأل اليوم، في ظل الانقسامات العربية والاقليمية والدولية ماذا سيحل بعلاقات لبنان الخارجية إن سلك طريقا يتماهى فيه مع فريق ضد آخر، وماذا ستكون تداعيات مثل هكذا موقف على الاوضاع الداخلية، وخاصة منها الأوضاع الاقتصادية والمالية وربما الامنية؟ ان هذا القرار لم تقتصر ايجابياته على الشأن الداخلي بل تجاوزته الى المجتمع الدولي الذي تفهم الخصوصية اللبنانية واثنى على مواقف الحكومة وطريقة تعاطيها مع هذا الملف الدقيق، في حين لا يزال بعض الداخل يشكك في أهمية هذا الموقف بسبب مكابرته في إعطاء الحكومة، المتماسكة بين أعضائها، صدقية يعلم الجميع أنها تترسخ بالعمل اليومي رغم التجريح والتطاول من هنا وهناك.

غير ان سياسة النأي بالنفس حيال الاحداث الأمنية المؤسفة في سوريا، لا تعني مطلقا استقالة من الواجب الانساني الذي قدمناه وسنظل نقدمه للسوريين الذين اضطرتهم الظروف القاهرة الى النزوح الى لبنان، وان ما نفعله تجاههم، سواء من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة العليا للاغاثة. ليس منة، بل واجب سنتحمل مسؤولية القيام به الى ان تنجلي الاوضاع في سوريا ويتمكن الاخوة الذي نزحوا قسرا من العودة الى قراهم ومنازلهم وممتلكاتهم.
إن مسؤولية حماية الحدود مع سوريا هي مسؤولية لبنانية لا شراكة لاحد فيها ، والجيش المنتشر على طول الحدود يسهر على تطبيق اجراءات امنية تعكس توجه السلطة السياسية بان لبنان لن يكون ممرا للاساءة الى اي بلد عربي وشعبه، كما انه سيكون امينا على حماية السيادة اللبنانية .
- رابع هذه النقاط ما يتصل باتفاق الطائف الذي ارتضيناه جميعا ليس لأنه انهى حالة الحرب وارسى قواعد الاستقرار، بل لانه جذر الوحدة الوطنية بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم واطلق مسيرة السلم الاهلي التي تبقى مكسبا للجميع من دون استثناء. إن اتفاق الطائف ليس اتفاقا للدرس بل للتنفيذ ، والحكومة ترى ان استكمال تطبيقه كاملا هو الاساس ليبقى لبنان وطن العيش الواحد لجميع أبنائه وواحة التلاقي بين الاديان والحضارات. واننا نتطلع الى التوصل الى اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية ينطلق مما دعا اليه اتفاق الطائف، علما ان اي صيغة لا تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية اعدادها لان ذلك من مسؤولية المجلس النيابي الكريم الذي ستكون له الكلمة الفصل في مضمون القانون من النواحي كافة. ان حكومتنا ستعمل على ان تكون الصيغة التي سترفعها الى مجلسكم الكريم موضع توافق الغالبية العظمى من اللبنانيين حيث أن طريق الاصلاح السياسي والمواطنية الصالحة ركيزتهما قانون للانتخاب يمثل تمثيلا عادلا المجموعات والتيارات اللبنانية كافة.
إن استكمال تطبيق إتفاق الطائف يكون أيضا من خلال الغاء الطائفية السياسية، وهنا تكمن اهمية الارادة الوطنية الجامعة التي تحتاجها كل خطوة ميثاقية، ما يدفعنا مجددا للدعوة الى التجاوب مع المساعي القائمة لاعادة احياء الحوار الوطني الجامع الذي يبقى الهدف والمرتجى من أجل استقرار دائم للبنان .

دولة الرئيس، السادة النواب المحترمين،
لا شيء يحمي ساحتنا الوطنية من الاهتزاز، ويحفظ لنا الاستقرار الذي نعيش، سوى التعاون في ما بيننا، موالاة ومعارضة. فمهما تعددت مواقفنا وتباينت اراؤنا، لا بد من تظهير القواسم المشتركة الموجودة اصلا بيننا، لكن علينا الاقرار بها. من هنا فاننا نعتبر اي مساس بالامن، خطا احمر لا يجوز لاحد ان يتجاوزه، وعلينا مجتمعين ان نعمل لئلا يتمكن احد من تجاوزه.
إن الحكومة تؤكد انها لن تألو جهدا في المحافظة على الاستقرار الامني في البلاد واتخاذ الاجراءات الوقائية لاحباط اي محاولة تسيء الى السلم الاهلي او تحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء. والرهان هنا ليس فقط على جهوزية القوى الامنية فحسب والتي يمحضها اللبنانيون ثقة مطلقة، بل كذلك على وعي اللبنانيين وادراكهم لاهمية التعاون مع الاجهزة المختصة لتضييق الخناق على المصطادين في الماء العكر وكشف مخططاتهم وحماية لبنان ومنع التعرض لقياداته وأبنائه وخنق الفتنة في مهدها .
دولة الرئيس ، السادة النواب المحترمين ،
لقد قيل الكثير في خلال الايام الثلاثة الماضية، وقد يقال اكثر في المستقبل ...ولكن اي نتيجة ترتجى من جدال يتعب اللبنانيين ويجعلهم يدفعون الثمن غاليا؟ الى متى يستمر بعضنا يحمل الآخر مسؤولية ما جرى في الماضي ويجري في الحاضر؟ الم نكن كلنا في المسؤولية،او تناوبنا على تحملها، فلا مذنب واحدا ولا منقذ واحدا ، فهل يجوز ان نكرر المشهد نفسه كل عقد من الزمن؟
يوما بعد يوم نقوم، من حيث ندري أو لا ندري، بالهاء بعضنا البعض بامور، لكي يصاب هذا الفريق أو ذاك بالارباك الذي يولد إنهاكا وإرهاقا، لكننا نعلم جميعا ان من يدفع الثمن أولا وأخرا هو الوطن والمواطن.
لنتبصر جميعا في مستقبل بلدنا، ولنكن يدا واحدة لتعزيز وجوده ونموه ووحدته، فلا اصلاح حقيقيا ولا نمو مستداما ولا إقتصاد مزدهرا من دون الحد الأدنى من التوافق الوطني وفق المسلمات الاساسية التي قام لبنان عليها.
أنا لا ادعي الكمال لهذه الحكومة، ولا أحد يستطيع أن يدعي ان كل ما قيل هو في محله، ولكنني على يقين اننا، إذا أخذنا الايجابيات من هذه الحكومة، وما سمعناه من إيجابيات في خلال هذه الجلسات، لأستطعنا تحقيق بعض ما نتمناه لهذا الوطن، من الكثير الذي يستحقه.
لنحوّل القيل والقال الى فعل وفاع ، وهذا الفعل، يكون بالعمل الدؤوب الصادق وليس بمجالس العزاء المستمرة.
يوم وقفت أمام مجلسكم الكريم لتلاوة البيان الوزاري لحكومتنا في الخامس من تموز الفائت، أدركت برمشة عين، مدى الفرق الشاسع بين الجلوس على مقعد السائل، والوقوف مكان المسؤول، وكم يسهل على السائل أن يبرع في مهمته وينساب كلامه الناقد كإنسياب الماء الجاري، وكم تصعب على المسؤول الذي يراعي كل الظروف ويداري كل الأزمات ويمتنع عن الدخول في سجالات حفاظا على سلم وأمن مصان وإستقرار يحتاجه المعارض قبل الموالي حتى تبقى معارضته ذات قيمة.أدركت كل هذا في الخامس من تموز ونحن اليوم وعلى مسافة اشهر تسعة ونيف من ذاك اليوم أدرك اكثر و اكثر ان القاعدة الذهبية تقتضي مني التمسك اكثر بأسلوب يمتن الجسور بين اللبنانبين ويردم الحفر بينهم. واذا كان البعض يريد ان يعرضنا للالهاء وصولاً الى الإنهاك فأقول بإختصار:
المسؤولية صبر ومثابرة وانفتاح وإستيعاب تحت سقف التمسك بالثوابت وعدم التفريط بالصلاحيات التي نص عليها الدستور.
المواطن يدرك بالعمق أن هذه الحكومة عملت جادة لحمايته من رياح عاتية وستستمر في تحمل مسؤولياتها وتطوير عملها إستنادا الى ما سمعناه من ملاحظات بناءة من ممثلي الشعب.
والى من أراد أن يشهر سلاح التجريح اقول: حين قبلت المهمة كنت ادرك ماذا ينتظرنا، لكن المهمة بالنسبة الي كانت واجبا وطنيا تسمو فيه مصلحة الوطن على مصلحة اي فرد فيه، وانا لن اتردد في تلبية النداء، كلما ناداني الواجب.
أفخر بما أقدمه لوطني وأبناء وطني، وهم من دون شك مقدرون، لا يغير قناعاتهم تحامل من هنا وتجن من هناك. ومن هؤلاء أهلي في طرابلس،وهم كرام أعزاء، نتبادل وإياهم المحبة الصادقة ، وأنا باق في خدمتهم ما حييت أبدا، كما في خدمة كل اهل وطني، وهم يعرفون ما في قلبي ووجداني تجاههم، وبأن ما أملكه من حضور ورصيد سياسي، هو من الله اولاً ومن أهلي وعائلتي الكبيرة طرابلس وليس صدقة من أحد.
نحن أبناء مدينة تعطي دروسا في الأخلاق الحميدة وأبناء رسالة خير الناس أنفعهم للناس والله حسبنا ونعم الوكيل. والسلام عليكم. 

  • شارك الخبر