hit counter script
شريط الأحداث

كلمة العماد ميشال عون خلال لقاء حواري مع الهيئات الاقتصادية

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٢ - 17:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بدعوة من وزير السياحة فادي عبود أقيم لقاء حواري وعشاء في فندق الرويال الضبية جمع العماد ميشال عون وفعاليات وهيئات اقتصادية بحضور وزراء ونواب من تكتل التغيير والاصلاح.

وفي ما يلي نصّ كلمة العماد عون والحوار مع الحضور:

مساء الخير.

نستفيد من هذا اللّقاء العائلي كما وصفه الوزير فادي عبّود لكي نتبادل بعض الأسئلة والإجابات.

القطاع الإقتصادي ليس من إختصاصي، ولكن سأحاول أن أجيبكم بقدر المستطاع عن الأسئلة المطروحة. جرت العادة أن أتكلّم والحضور يستمعون إليّ، أمّا اليوم، فأريد أن أستمع إلى أسئلتكم وأتبادل معكم الحديث، وبهذا يكون الحديث أكثر جدوىً، وتكون الإجابات صريحة فنستطيع من خلال هذا التّبادل استخلاص الأفكار الإيجابيّة لبناء لبنان.

سبق وقلت مراراً وأكرر اليوم "إن لبنان ليس مكسوراً إنما هو مسروق"، وقد أثبتنا ذلك من خلال الأرقام وستشهدون على ذلك في الأيّام القليلة القادمة، وأشدّد على أنّ لبنان مسروق لأنّ الأرقام باتت بين أيدينا، وكذلك الأمر بالنّسبة لدفاتر الماليّة وكلّ المصاريف وكلّ السّرقات وكلّ الهدر. لذلك، لديّ أمل كبير بأن يعود لبنان ويأخذ موقعه الإقتصادي في الشّرق، ويعود ويستوعب اللّبنانيّين، فبدلاً من أن "نفبرك" الأولاد ونصدّرهم للخارج، نقوم بفبركة البضائع ونصدّرها إلى الخارج ونحتفظ بأبنائنا.

ثمّ أجاب عن أسئلة الحضور:

س: نحن اليوم نزيد من إنتاج الكهرباء، ولكن ليس هناك من خطّة تحصيل بالنّسبة للكهرباء.

والسّؤال الثّاني هو أنّنا هناك دين يلامس الستين مليار دولار، فما هي الخطّة لإيفاء هذا الدّين؟

ج: بالنّسبة للكهرباء، الـ"service provider" قسّم لبنان إلى ثلاث قطاعات، وتمّ تلزيم هذه القطاعات من خلال المناقصة، كما أنّ الـ"service provider" سيقدّم ثلاث خدمات: العناية بالشّبكة، التّوزيع، والجباية، كما ستتغيّر عدّادات الكهرباء وسيصبح التّحكّم بها عن بعد، وبهذا نكون قد انتهينا من المشاكل مع "الجابي" في حالة مطالبته بالفاتورة، أو مع المراقب إذا أراد أن يفصل سلكاً كهربائيّاً. كما أنّ أنواع الأسلاك التي ستُستعمل، لن تكون قابلة لأنّ يتمّ "التّعليق" عليها بهدف سرقة الكهرباء. هذا بالنسبة للكهرباء من حيث التّوزيع والجباية.

أمّا بالنّسبة لتحصيل الدّين، فيجب أن تحدّ أوّلاً من نموّه، لأنّ نموّه قويّ جدّاً ولم يتراجع منذ بدأ ولغاية اليوم، إلاّ خلال السّنتين الأخيرتين وهذه السّنة، فبعد أن وصل إلى القمّة أي بنسبة 179% في السّنوات السّابقة، تراجع في العام 2011 ليصل إلى 126%. وبهذا نلاحظ أنّ تحسّناً قد حصل بنسبة الدّين في للإنتاج الوطني أي الـ"GDP". إيفاء الدّين يكون إمّا عن طريق بيع الوطن أو عن طريق الإنتاج. المجتمع الرّيعي بدأ منذ العام 1993 عندما ارتفعت الفوائد. أوّلاً، اللّعب بسعر اللّيرة اللّبنانيّة، إذ احترقت اللّيرة عندما وصل الدّولار إلى 3000 ليرة لبنانيّة. فلشوا اللّيرة في السّوق، وبعد ذلك فلش أصحاب الدّولارات دولاراتهم في السّوق وأخذوا اللّيرة. بدّلوا كلّ دولار بثلاثة آلاف ليرة. وبعد ذلك، تثبّت سعر الدّولار وارتفعت الفوائد، والعالم المصرفي يعرف جيّداً كيف حصل ذلك، كما يعرف جيّداً نسبة الأرباح التي حصل عليها أصحاب الدّولارات جرّاء هذا التلاعب بالعملة. من هنا، تحوّل المجتمع من مجتمعٍ منتجٍ إلى مجتمعٍ ريعيّ، ومن كان معه مليون دولار لم يوظّفهم في الزراعة، إذ من الممكن أن يخرب الموسم الزّراعي بسبب الثّلوج أو غير ذلك، فوظّفهم في المصارف بفائدة 42%، فتراجع الإنتاج، وهذا ما حصل أيضاً في الصّناعة والتّجارة. لم يعد التوظيف في السوق بل في المصارف، وريع الأموال الموظّفة في المصارف كان كبيراً، فتحوّل لبنان إلى سوقٍ مفتوحة للجميع وخسر دوره كبلدٍ منتجٍ. كذلك الرّأسمال الموجود في لبنان، تحوّل إلى مجتمعٍ "speculatif"، من دون استثمارات؛ على سبيل المثال المضاربات في العقارات، فالعقارات التي تعطي أرباحاً من خلال البيع من دون أن يحصل فيها أيّ إستثمار، تكون بمثابة ثروةٍ تنتقل من مكانٍ إلى آخر، من دون أن تخلق وظائف وفرص عمل. من هنا بدأ الإنهيار الإقتصادي، ولهذا السّبب اختفت الطّبقة الوسطى في لبنان، وقسمٌ كبير من هذه الطّبقة هاجر قبل أن يصل إلى الحضيض.

في التيار لدينا تنظيم طالبيّ، ونرى انّ قسماً كبيراً من الشّباب الذي يتخرّج من الجامعات في لبنان يسافر فيما تبقى أعدادٌ قليلة جدّاً في لبنان. نحن بدأنا بمعالجة هذا الأمر، وأخذنا ، نسبيّاً، القطاعات المنتجة في الحكومة، مثلاً وزارة الإتّصالات، وعملنا على تطويرها لأنّنا نعرف أنّ تطوير الإتّصالات يساعد كثيراً على الإنتاج، ويساهم في ارتفاع الدّخل الوطني. أخذنا أيضاً وزارة الطّاقة، فما من إنتاج من دون طاقة، ومن لديه الطّاقة يستطيع أن يتحكّم بالإنتاج. حاولنا تنفيذ برنامج الطّاقة الذي أعدّيناه وجميعكم تعلمون بالصّعوبات التي تواجهنا في تنفيذ هذا البرنامج، وتعلمون بالإعتداءات التي تطالنا بسببه، ولكن في كلّ الأحوال، لم نأتِ إلى هنا لنبحث بالإعتداءات التي تطالنا في موضوع الطّاقة.

هناك أيضاً أموراً حيويّة في البلد، فلبنان هو قصر المياه في الشّرق الأوسط. هناك قصران للمياه في لبنان، فهناك قصر صنّين الأرز وهو أكبر قصر في الشّرق الأوسط، والقصر الثّاني هو جبل الشّيخ. وبالرّغم من ذلك، لبنان يعطش في فصل الصيف. يجب ألاّ ننسى أنّ المياه تعيد الخصب إلى لبنان الذي بدأ يتصحّر بسبب فقدان الثّروة الحرشيّة، وإنخفاض نسبة الأراضي المزروعة.

أمّا بالنسبة للصناعة، فمن الممكن ان يكون لبنان منتجاً صناعيّاً وخصوصاً بالنّسبة للدّول الأوروبيّة، فاليد العاملة في لبنان هي أرخص، ولنستطيع أن ننافس البلدان الأخرى، من هنا ضرورة تحسين وضع الطّاقة، والطّاقة حاليّاً "لا تُطاق"، لأنّ الأسعار مرتفعة والمصاريف كبيرة. وبسبب عدم تأمين الطّاقة، لا نستطيع أن نرفع الأسعار لكي نصل إلى التّكافؤ بين الكلفة والسّعر، ويعود السّبب إلى التّقصير في انتاج الطاقة، ولا يمكن ان نحمّل المواطن اكثر مّما يحمل الآن، لأنّه يدفع فاتورة المولّد الكهربائي وهي توازي ضعف الفاتورة التي تأخذها مصلحة كهرباء لبنان. إذاً، نحن نعمل على تحسين الطّاقة لنعود بعد ذلك ونعدّل الأسعار، ويكون الإنتاج كاملاً بالنّسبة للمواطن فيحصل على الكهرباء 24 ساعة/24، ولكن السياسة اللّعينة تعرقلنا، وقد تأخّرنا عن البرنامج الذي أعددناه سنة ونصف السّنة، وكلّ دقيقة تأخير تكلّفنا 12000 دولار، أربعة من الخزينة وثمانية من المواطنين، أيّ من كلّ منّا. إذاً، هناك نوع من اللاّمبالاة واللاّوعي عند المسؤولين. لا أستطيع أن أقول إنّهم لا يتمتّعون باللاّوعي، لأنّني ألاحظ أنّهم يفكّرون في بعض الأحيان. إذاً هناك خطّة مبيتة لشلّ البلد ولا أعرف أسبابها. لا أعلم لماذا يلعبون بلبنان كثيراً، وعلى سبيل المثال، الوزارات فارغة، فوزارة الطّاقة وهي الأهمّ بين الوزارات إذ تتضمّن النّفط، الماء، الكهرباء، الشّمس، الهواء وكلّ شيء، هناك 15% فقط من عديدها. لا أقول إن العديد كان فائضاً، ولكن ما أقصده هو أنّه ليس هناك من خبراء في هذه الوزارة. سمعت أحدهم في البرلمان ينتقد وجود خبراء ومستشارين في بعض الوزارات!!". كيف يمكن أن يعمل الوزير؟هل يعمل بدون خبراء ومستشارين؟ المطلوب أن يتسلى ويلعب في الوزارة؟!!! فكرة الدّولة غير موجودة عند الذين سبق واستلموا الحكم فيها!! هذه هي الفضيحة الكبرى.

س: الجميع يعلم أنّ هناك تعسّراً للنموّ الإقتصادي في البلد للسّنة الثّانية على التّوالي، وهذا الأمر ليس بغريب بصرف النّظر عن الشّرخ السّياسي الحاصل في الدّاخل، وعن الأمور الخارجيّة المحيطة بلبنان. أنا أريد أن أتكلّم عن الإعتبارات الدّاخليّة الصّرقة، ومن المعروف أنّ هناك أربعة أمور أساسيّة تحرّك النّموّ الإقتصادي، الأمر الأوّل هو الإستهداف الدّاخلي، فحتّى بعد زيادة الأجور، الغلاء المعيشي وزيادة التّكاليف على المواطنين وعلى المؤسّسات، يقتطعان جزءاً كبيراً من القدرة الشّرائيّة، وبالتّالي يتعسّر الإستهلاك. المحرّك الثّاني هو الإستثمار من قبل القطاع العام، فالموازنة غائبة للسّنة السّابعة على التّوالي، والإنفاق الإستثماري ضعيف، لأنّ الإنفاق يحصل بحدّه الأدنى على القاعدة الإثني عشريّة، ومثل بسيط على تأثير البنية التّحتيّة على الأسواق الإستهلاكيّة والتّجاريّة، هو ما يحصل في جلّ الدّيب، إذ نلاحظ أنّ غياب جسرٍ قتل سوقاً تجاريّاً بأكمله أي سوق الزّلقا وجلّ الدّيب. الموضوع الثّالث هو الإستثمار العام، فنحن كأصحاب عمل ومن وحي كلام الوزير الصّديق فادي عبّود، وبفعل تصحيح الأجور، ستدفع المؤسّسات الصّناعيّة والتّجاريّة حوالي المليون دولار سنويّاً، وكان من الممكن أن يتمّ إستعمال هذا المبلغ في الإستثمار والتّوظيف وإستحداث فرص للعمل في المستقبل. الموضوع الرّابع هو موضوع البناء، إذ هناك مثل باللّغة الفرنسيّة يقول "Quand un batiment va, tout va". نحن نعلم أنّ مؤشّرات الحركة العقاريّة والبنائيّة منذ العام الفائت إلى اليوم هي بحالة تراجع مستمرّ، وما يزيد الأمر سوءاً، هو أنّ المصارف لم تعد نسبيّاً قادرة على تأمين الفوائد المدعومة للسّكن للطّبقات الوسطى في لبنان. إزاء هذه المواضيع الأربعة، ما هي نظرة تكتّل التّغيير والإصلاح، وأنتم المعروف عنكم نظرتكم الإجتماعيّة الثّاقبة. ما هي الخطوات والنظرة والمقاربة التي ستعتمدونها من أجل إعادة تحفيز النّموّ الإقتصادي في لبنان؟

ج: أوّلاً، بموضوع الإقتصاد وخصوصاً الشّقّ الصّناعي منه، لدينا وزارة تعمل. وزارة العمل قائمة، وهي منظّمة للعلاقة بين أرباب العمل والعمّال. إذاً نحن لسنا بحاجة لرأسماليّة وحشيّة كما كان يقول Jean Paul 2، كما أنّنا لا نستطيع أن نعتمد البولشيفيّة التي تنظر إلى أرباب العمل وكأنّهم يفترسون الطّبقة العاملة.

هذا يحصل بالحوار الدّائم، وكلّما ازداد الإنتاج الإقتصادي ستزداد الأجور، وكلّما ازدادت الأجور، تنتعش الدّورة الإقتصاديّة، فيرتفع المصروف لأنّ القدرة الشّرائيّة سترتفع. هناك نوع من الحمايات من الإغراق، فإذا أردنا أن نساعد صناعيّينا، لا نستطيع أن ننافس بأسعار الطّاقة التي لدينا، الدّول العربيّة التي تأتي بمكوّناتها الصّناعيّة من كلّ الأماكن وبيد عاملة رخيصة، وطاقة بخسة. يجب أن نخلق نوعاً من الضّريبة لكي نرفع سعر الإنتاج المحلّي إلى مستوى السّعر الذي نحصل عليه من الخارج. وبهذا لا نغذي النّاس من مال الخزينة، بل نرفع سعر السّلع بنسبة معيّنة بحيث يعود المدخول إلى الدّولة، وبنفس الوقت نشجّع البضاعة المحليّة في أسواقنا، وأعطي مثالاً على ذلك صناعة السّكّر، فقد جاء أحد الإختصاصيّين في هذه الزّراعة، ودرسنا إنتاج السّكّر في البقاع الذي من الممكن أن يمتدّ البقاع الغربي وقضاء زحلة إلى القضاء الشّمالي، وقد وجدنا أنّه برفع طون السّكّر 13 دولار، أي 0.13 سنتيم للكيلو، نستطيع أن ننعش قطاع السّكّر في لبنان، فيعمل المصنع وكذلك يعمل المزارعون. كم من الممكن أن يصرف المنزل سنويّاً من السّكّر؟؟ مئة كيلو؟ الضّريبة على مئة كيلو سكّر لا تؤثّر على المستهلك ولكنّها تؤمّن معيشة الكثير من العائلات في البقاع، ويتحوّل الفارق إلى ثروةٍ وطنيّة، سواقنا. أعطي مثالاً على ذلك السّكّر، وقد جا

فبدل أن نبتاع كل هذا السّكر، يكون لدينا سكّر من إنتاجنا. نرفعه من اللاشيء، ونأخذ شيئاً معيناً.

مثل آخر حليب الأبقار، لو افترضنا أن الليتر من إنتاجنا سعره دولار، بينما يكلّفنا من الخارج 95 سنتيم، هذه ال95 بإمكاننا إنتاجها من أرضنا حتى لو سدّدنا عليها 5% ضريبة. 95% من أرضنا تعطينا ثروة.

لا نقدر أن نفهم كيف يُطبّق النّظام الحر ونظام العولمة. لنظام العولمة مساوىء كثيرة، وهذا ما يسبّب لنا الإغراق مما يقتل كل الإنتاج الصّغير لمصلحة الإنتاجٍ الأكبر. لنفترض أننا لم نعد قادرين – لسبب أو لآخر – على استيراد الحليب من الخارج، هل يموت أطفال لبنان جوعاً! لأنّ الأمن الغذائي حتى ليس موجوداً لدينا؟!. إذاً كل إنتاج وطني مهما كان مدخوله، يدعم الثّروة الوطنية ويزيدها.

مثل آخر، الدراسات أثبتت أن المازوت الأخضر وسيارات الغاز هي الأنظف للبيئة، ب20 إلى 30%، بالإضافة الى التوفير في فاتورة الطّاقة والبنزين والمازوت والغاز تقريباً 40% من ميزانية الطّاقة الّتي نبتاعها من الخارج!! كل هذه الأمور عوامل بإمكانها تخفيف المصاريف وتسمح لإنتاجنا بالتّحسن. إذاً النّظرة الشّاملة للموضوع الإقتصادي الإنتاجي الإستهلاكي ليست موجودة! أكثر ما يمكننا أن نتعامل به هو البضاعة الفاسدة، ونطعم بعضنا سمّاً كما يحصل الآن!

يوجد أيضاً قطاعات أخرى لا تُستَثمَر، فلبنان معروفٌ بمناخه، ذلك فإن السياحة لا يجب أن كون مقتصرة على فصل الصّيف فقط، بل أيضاً في فصل الشّتاء، ويجب أن تكون خلاله السّياحة أحسن. كلّ المتقاعدين في الدّول الباردة يتوجهون إلى المناطق الدّافئة، أي إذا سكنوا برمانا وبعبدات سيجدونها دافئة بالنّسبة للإسكندنافيين الآتين من الشّمال. فمن يفتّش عن الشّمس منهم، سيتوجه جنوباً. كل هذه المواضيع ممكن أن تخلق حركة قادرة على أن يعمل لها كلّ اللّبنانيين. ولكن هذا الفكر غير موجود، عندما نتكلّم عنه، يعتبروننا نحلم! وفي الواقع، الأمر هكذا يبدأ! إذ ليس هناك أفقر من حياة لا حلم فيها. نبدأ بالحلم ونسعى لنحققه، ومن دون الحلم لم يتمكن أحد من القيام بأي شيء! لو لم يحلم "جول فيرن"، لما وصل الإنسان إلى القمر، ولما وصل إلى قعر البحر.. اللّبناني لم يعد يحلم، هو يتعلم ويتخرّج من المدرسة ويغادر لبنان، حلم الشّاب اللّبناني هو المغادرة، لكن كلا! يجب أن نعيدَه إلى حلمه الوطني ليعيشَ هنا. لدينا الكثير من المرافق الّتي بإمكاننا استغلالها، وعندها نوقف المجتمع الرَّيعي ومجتمع المضاربة بالعملة والمضاربة بالأرض.

لا يجوز أن يظلّ سعر الأرض على ارتفاع، يجب أن يكون هناك رادع لذلك. إذا كان بناء الشقق مقتصراً على اللّبنانيين وحدهم فهذا يحسّن سوق بيع الأرض، ولكنه يبقيها ضمن ضوابط معينة، بالإضافة ألى أنه يحل مشكلة السكن والإستيعاب السكاني. ولكن، إذا لاحظنا نسبة الأراضي المباعة للخارج، سنرى وكأننا نحن المستأجِرين وأصحاب الملك هم من الخارج.

س: نعرف أنّ الدَّين في لبنان داخلي وخارجي. لم لا تساهم المصارف اللّبنانية لمساعدتنا على سدّ الدّين الدّاخلي؟

ج: حتى الآن، جلّ ما يمكنها أن تساعدنا به هو الفائدة (ضاحكاً).

إذا بدأنا بتلزيم النّفط أو الغاز، الموجودين في لبنان سيتحسن تصنيفنا وستخفّ علينا الفوائد، حتى قبل أن نستخرج ونبيع، لأنّ حالتنا تصبح " survivable " أكثر. هذا من شأنه أيضاً أن يوفّر علينا مالاً كثيراً. المصارف بإمكانها أن تساعدنا بتخفيف الفائدة، ولكن تخفيف الفائدة سيتبع أيضاً المودِعين. أما كيف يتم تقاسم الرّبح بين المودِعين والمصارف فهذا أمرٌ آخر، ويتطلّب درساً آخر.

س: أريد مقارنة لبنان مع مجموعتين. هناك هونغ كونغ وهناك سنغافورة، وهاتان الدّولتان أيضاً مساحتهما صغيرة مثل لبنان. لهذه الدّولتَين إنتاج وطني هذا العام بحدود 100 مليار و800 مليار دولار.. ولا مساحات شاسعة فيهما ولا مواد أولية، لكن ما لديهما هو شعب يفكّر ودولة ترعى، أي تقوم الدّولة بكلّ ما يمكن ليكون للشّعب اقتصادٌ متطوّر ونظامٌ قوي جدّاً، ولديهما صادرات بكميات هائلة. والمجموعة الثّانية هي إيرلندا وفنلندا. المعروف عن إيرلندا أنّها عانت في التّاريخ من مجاعات وسكانها لطالموا هاجروا، وفنلندا دولة فيها بحيرات وشجر.. هاتان الدّولتان قامتا بالتّشريعات فقط، إذ لم يكن معهما مال، كان التّشريع بتهجير الفنلنديين ليعملوا في إيرلندا بما أنّ مستوى المعيشة فيها من أعلى المستويات في أوروبا جمعاء. إيرلندا من جهتها قامت بتشريع وشجّعت شركة NOKIA، لم تبذّر الأموال بل فقط قامت بتشريعات وأصبحت تصدّر مع "نوكيا" فأصبحت فنلندا دولةً مميزة في العالم.

لكن في لبنان، ولا حكومة قامت بتشريعات لتفيد البلد مع أنّ في لبنان متعلّمين أكثر من غيره وقوّة أدمغة كبيرة، ولكن الدّولة لا تقوم بأي شيء. لا نريد عملة من أي دولة، ولكن نريد تشريعات. فأساس عمل الحكومة هو أن تتمكن من إفادة البلد وتنقذنا من هذه المعمعة الّتي نحن موجودون فيها ليصبح اقتصادنا أفصل ونصدّر في العام الواحد بقيمة 100 مليار دولار، ويتحسن إنتاجنا ولا يهاجر شبابنا. هل بإمكانكم أن تعطونا لمحة عمّاذا يجب أن نفعل للمستقبل؟

ج: هناك حاجة الى ثلاثة أمور، أولاً يجب توفير نظام سياسي حر، حر بكلّ معنى الكلمة أي ألا تدفع 100 مليار دولار كي تغيّرَ نتيجةَ الإنتخابات وتُحضرَ سماسرة إلى الحكم.

ثانياً، يجب أن يكون هناك نظام اقتصادي حر، وهذا متوفرٌ عندنا إلى حدّ الفوضى أحياناً، إذ هناك نظام تهريب ونظام حر، أي هو مزيج يجب ضبطه.

ثالثاً، يجب توفير قضاء قوي ويكون أسرع قليلاً ، إذ لا ينقصنا قضاة كفؤون. ولكن لا يمكنك أن تُحضر أشخاصاً من الخارج عند حصول مشكلة قضائية ويظلّوا لمدّة عام أو عامَين أو ثلاثة ولا يبتّون بالمشكلة!

إذاً القضاء السّليم والإقتصاد الحر والنّظام السّياسي الحر هي الّتي تسمح للتّوظيفات الكبرى أن تحصل. عندها سيأتي أيٌّ كان ليُوظّف عندك، خصوصاً إذا أعطيتَ نوعاً ما حوافز ضريبية. ففي إيرلندا، قاموا بCall Center ليتكلّموا مع كل العالم. نحن أردنا أن يعطي وزير الإتصالات تراخيص لهذا الموضوع، لكن أوجيرو لم توافق على توزيع الخطوط مثلاً! وَليتجرّأ ويُقنع أوجيرو المحمية من رئيس الحكومة المحمي لا أعرف ممن.

إذاً انتظام الحكم سياسةً واقتصاداً وقضاءً، هو الّذي يؤدّي لبلدٍ قائم ويشجّع الآخرين للتّوظيف فيه.

س: من سيخبرنا عن زودة المعاشات ونحن والعمال في المركب نفسه وماذا عن تعديل المعاشات؟ فاليوم زادت التّكاليف ولم تزد القدرة الشّرائية. إن لم نتمكن من تخفيف التّكاليف الأساسية على المواطن مع زيادة نوعية بالتّعليم مثلاً أو الطّبابة أو النّقل العام.. إن لم نتمكن من تحسين هذه الأمور، لن نقدر على تحسين القدرة الشّرائية عند المواطن، تماماً كما حصل بتخفيض تكلفة الخلوي الّتي كانت جيّدة للمواطنين، مع التّحسين بالخدمة.. وكان هناك أيضاً مسعى للكهرباء عبر الإمدادات الذّكية، وإن لم نحسّن النّقل، ولم نحسّن المدارس.. أعني أنّ هناك إمكانية لذلك، لكن هناك هدر كبير للمواضيع بعدم تقديم خدمات للمواطنين، وتقديم الخدمات هو الّذي يساعدنا على الأرجح لأن يصبح للمواطن قدرة شرائية. فكيف بإمكاننا تحسينها؟

ج: طبعاً هناك النّمو أيضاً، فالنّمو اليوم هو 4% على ما أعتقد، وزيادة الأسعار هي 7%، أي مؤشّر الغلاء. هذا فرق 3% بين النّمو ومؤشّر الغلاء! إذا أردنا التّخطيط اقتصادياً، فيجب العودة إلى جميع القطاعات في الدّولة كي نعيد النّظر فيها وبتركيبها.

مثلاً إذا أخذنا التّربية، تصرف المدارس الرّسمية على التّلاميذ أكثر ممّا تصرف المدارس الخاصة، وهذا القطاع عندنا ليس سليماً، والمواطنون يهربون إلى المدارس الخاصة ويعانون من الأقساط المدرسية ولكنّهم يقولون إنّهم يؤمّنون أكثر للتّعليم هناك. ما السّبب؟ السّبب هو أيضاً الإنهيار الموجود في الدّولة، إذ لا يوجد دولة متماسكة فعلاً. فالقطاع التّربوي كما قلنا: إذا تطلّعنا في مدرسة فيها 400 تلميذ، نرى أنّ فيها 93 أستاذ! أي لكل أربعة تلاميذ أستاذ! لا يجوز عدم إمكانية إدارة الأساتذة وحركة المعلّمين في هذه المدارس! ونرى أنّ ذلك يخاف من الصّوت في الإنتخابات، ولا يتجرّأ على نقل أستاذ، أي لا ينقله بسبب مصلحة سياسية.

فاليوم بين الأربع درجات، والخمس درجات، والسّت درجات، لا أعرف أيها غير عادلة، لا أدرس الموضوع بالتّفصيل، ولكن هذا "التّسلق" لا يجوز. زادت الأجور فزاد التّضخم، ولكن أين زيادة الإنتاج؟! على كل هذه المواضيع أن يتم درسها مع أخصّائيين. المصاريف اليوم في وزارة التّربية غير محدودة تقريباً! لا نرى إلا آلاف وآلاف المعلّمين الّذين لا عمل لهم! ولا يستعان بهم لملء وظائف شاغرة من الفئة الثّالثة أو من الفئة الرّابعة! كل هذه الأمور نوعٌ من الهدر، هدر الأموال! حيث يجب أن يكون هناك موظّفين لا يوجد، وحيث لا جدوى لكثرة الموظّفين، نرى أكثر من اللّزوم! هذا الأمر يتطلّب أيضاً الدّرس. يجب إعادة النّظر من الأساس بالتّركيب الخاص بالدّولة وقطاعات الإنتاج كلّها، لأنّها تضخمت بشكلٍ وحشي!

س: نحن من قطاع الصّناعة الغذائية، وهو من أكثر القطاعات الّتي تؤمّن فرص العمل لليد العاملة. لكن في الوقت الحاضر، أصبح قطاعنا على شفير الهاوية. وسأعطي مثالاً ويعرفه الرّئيس والوزير عبّود عندما كان رئيس جمعية الصّناعيين: إذ هناك عدّة قطاعات زالت من عالم الصّناعة مثل قطاع السّيراميك، قطاع الدّباغة.. قطاعنا اليوم أصبح أيضاً قطاعاً دون دعم، نحن في قطاع الصّناعة الغذائية قد قمنا باتّفاقياتٍ دَولية مع بعض الدّول العربية، لكن منتوجاتهم تصل إلى لبنان بأسعار أدنى من منتوجاتنا! لا يوجد تكافؤ في ما يتعلق بالأكلاف من المحروقات إلى الطّاقة كما وأنّ بعض المنتجات مدعومة عندهم دون ضرائب ولكن نحن يوجد عندنا ضرائب!

تقريباً 80% من إنتاجنا في الصناعة الغذائية يتّجه إلى فلسطين، واليوم أتحمّل الوضع منذ عام، لكن إذا ظلّ على حاله، سأبدأ بطرد العمال وإقفال المعمل! السّبب أنّ التّكلفة للإنتاج كبيرة وأدفع ضرائب 10%، بينما إنتاج الدّول العربية يدخل لبنان معفياً من الجمارك! وهذا مثل من عدّة أمثال. والكثير من المواد الأولية نستوردها كي نعيد تصنيعها في لبنان في الوقت الّذي يوجد لدينا الكثير من الأراضي الشّاسعة في لبنان لا يمكننا تقييمها لنزيد الزّراعة.

 

س: أود شكر الوزير عبّود لهذا الحوار الإقتصادي معك. سؤالي هو هل ممكن أن نتحدّث اقتصاد دون التّطرق إلى السّياسة؟ في بلدٍ مثل لبنان فيه تجادل سياسي حاد يؤدّي إلى فقدان الثّقة ببلدنا الحديث، كيف يمكن إعادة الثّقة بالإقتصاد اللّبناني عندما نسمع السّياسيين ومواقفهم الحادّة من بعضهم البعض؟ هل ممكن أن نفصل الإقتصاد عن السّياسة؟ أو هل ممكن أن ندعو لجلسة حوار اقتصادي؟

ج: أنا لا أعتقد أنّ بإمكاننا أن نفصل السّياسة عن الإقتصاد، أو عن أي موضوع آخر، لأنّه أوّلاً وآخراً القرار سيكون سياسياً. لكن هنا درجت العادة أنّ الفئة الّتي تحكم، تستغل، وإذا أرادت أن تعمل بصراحة، لا تبقى الظّروف متاحة لها إذا حصلت خلافات، فاليوم نعيش معركة "طويلة عريضة"! نتحدّث عن الفساد المستشري في الحكم، نحضر المستندات ونضعها أمامنا على الطّاولة، فيأتي أيٌّ كان ويشتم أيّاً كان ويتّهمه أنّه هو سارق! حسناً ولكن أين مستنداتك!؟ يسخّرون الجريمة حتى يعطوا فكرة أنّ كل السّياسيين متشابهون! أنّ كلّ السّياسيين "زعران"، كلّهم يسرقون، وكلّهم غير أمناء! والشّعب يسايرهم! فعلى الأرجح، في هذه القاعة من لا يؤمن بوجود سياسيين "أوادم"! كلا! عندما نعتقد أنّ هناك "أوادم" ونراقبهم وندعمهم، يقدرون أن يعملوا للإصلاح. ولكن عندما نسمع في بعض التّصاريح ما يُقال، على المواطنين أن تكون لديهم قدرة التّمييز! يعتبر المواطنون أنّ كلّ السّياسيين "زعران"، وأنّهم كلّهم طائفيون.. وهذا غير صحيح.

فأنا تعرّضت لهذه الإتهامات عندما هاجمت بعض الموظّفين، وكانوا مسلمين، لكنّي هاجمتهم لأنّهم مرتكبين للأخطاء، وليس لأنّهم مسلمون! قام رئيس الحكومة ليقول إنّهم سنّة وإنّه يريد أن يدافع عنهم! هذا التّوظيف غير سليم ولا يجوز! لو كان افتراءً منّي للكان محقاً في ما قاله ولكنني لم أفتر على أحد بل تحدثت عن وقائع وعن قانون. من ناحية ثانية، أنا لا أميّز بين مسيحيٍّ فاسد ومسلمٍ فاسد، لا تهمني طائفة الشخص. فهل لم يعُد لي الحق أن أتعرّض للفاسد إذا كان من طائفة معينة؟! هذا وضع غير سليم على الاطلاق ومؤذٍ.

 وما يؤذينا أيضاً هو أنّنا نستلهم دولاً هي ضد وجودنا. أنا تلميذ مدرسة ال"فرير" (College Des Frères) وتعلّمت في المدرسة الحربية، ثمّ درست في فرنسا، ثمّ في الولايات المتحدة الأميركية. إذاً خلقت في الثّقافة الغربية، وتعلّمت فيها، لكنّي اليوم أتطلّع إلى الغرب بتحفّظ، لأنّ استراتيجية الغرب اليوم هي إسرائيل والنّفط! أنا مع من أختلف؟! مع إسرائيل! أي سأختلف معهم. وإذا تخالفت مع دولة نفطية، سآكل الضّربة منهم، لأنّ مصلحتهم ليست عندي أنا. عندما قلنا لهم: إنتبهوا، يجب أن نكون متناغمين مع مكوّنات مجتمعنا أوّلاً، وأن نكون متناغمين مع المحيط الأوسع ثانياً، "قامت القيامة" علينا! وقالوا: "من يكون في واشنطن يتوجه إلى طهران؟!" و"من يكون في باريس يأتي إلى الشّام؟!"..

لكن كلا، ليس هذا هو الموضوع. الواقع هو أنّ الجغرافيا تتحكم بالعلاقات، إذ لدينا محيط علينا أن نتعايش معه، لم يعد بإمكاننا أن نعيش تحت رحمة أميركا الّتي تريد أن توطّن الفلسطينيين هنا، ولبنان أصلاً فيه 400 ساكن في الكيلومتر المربّع الواحد! كيف سيعيش هؤلاء؟! واللّبناني يقابله أربع لبنانيين في الخارج. عندما لا نختار الإنسجام مع محيطنا نقوم بخنق نفسنا إذاً وينقلون مشكلاتهم إلينا! فيلتمان مثلاً يسيّر سياستنا أكثر مما نسيّر نحن مصلحتنا. قد لا يعرف كثيرون هذا الوضع ولكن نحن بالنّسبة إلى الغرب Quantité negligable ! ,أنا أقولها اليوم لكم.

 ثقافتي غربية وفكري غربي، ولكن ليس ضد وجودي! لهم الحق أن يفكّروا بمصالحهم، ونحن نحترمها، ولكن إذا أرادت مصالحهم هذه أن تقتلنا وتنهي وجودنا، فكلا! نحن مهما كنّا ضعفاء لن نسير بهذه السّياسة. وهذه من المشكلات الموجودة في لبنان! لأنّه تقليداً ومنذ 900 عاماً، كان الموارنة يقولون إنّ فرنسا هي أمنا الحنون! لكنها لم تعُد أمّنا الحنون! ولا الأميركيون! من هنا يجب فهم الأمور لنبني علاقاتنا مع الآخرين هنا، وهذا ما يعرقلنا اليوم، وتسمعون النّقاشات، فأصبح لبنان يريد تحرير سوريا! من يريد تحريرها؟ من كانوا يسألون الضّباط السّوريين عن أرقام أحذيتهم كي يجلبوا لهم الهدايا! أصبحوا يريدون مهاجمتنا نحن في الموضوع السوري..

  • شارك الخبر