hit counter script

ماسح الأحذية وأحذية الماسحين

الأربعاء ١٥ شباط ٢٠١١ - 07:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
مطران ماسح الاحذية !ليست شتيمة وليست بقدحٍ أم ذمٍّ بأحد المطارنة، بل هو عنوان لمقالة نشرتها وكالة "رويترز" منذ أيّام، وقد تصدرت عناوين الصحيفة في إحدى صفحاتها وهي تروي قصّة ذاك المطران النمساويّ ويدعى فرانتس شارل الذي افترش الارض في وسط الطريق في مدينة فيينا، وراح يمسح أحذية المارّة...مهمّة المطران كانت جمع التبرّعات الخاصة "بيوم أولاد الشوارع" في فيينا ...هذا الرجل المقدام والمتواضع أراد أن يترجم بساطته وخلقيّته بلفتة نظر حيال تشرّد الاطفال، هو ليس كالكثير من الساسة والعظماء "والمستوزرين" الذين افتعلوا الأزمات وأشعلوا الفتن من أجل الوجاهة والتربّع على العروش المخمليّة وامتصاص دماء الشعوب والاثراء غير المشروع...هو ليس متربّعاً في قصرٍ عاجيّ، وهو لم يكن متخفياً وراء زجاجٍ داكن، كما لم يكن متعجرفاً وصوليّاً يعمل على إشباع ملذّاته وشهوات السلطة.هو رجل دين شعر مع الفقراء وأحسّ بمصائب المقهورين والمشرّدين، فارتأى أن ينزل الى الشارع ليثبت بلفتة خجولة بأنّه على قدر ما هو إنسان فأحرى به أن يشارك بالمسؤوليّة الحقّة ويعلن على الملأ أنّ العيب ليس في مسح الاحذية، بل بالسرقة وجني الارباح الطائلة على حساب الشعوب الفقيرة، والعبرة بالعمل بتفانٍ وتواضع وشفافيّة على قاعدة أنّ الانسان هو خادم لأخيه الانسان، فلا يعلو انسان على انسان إلا بسخائه ونبله وعفّته وخلقيّته، بل أنّ ماسح أحذية نبيل ومتواضع أشرف من صاحب منصبٍ رفيع سارق وإن حكم الملايين من المواطنين.هل يتجرّأ أحدهم ممّن تولّوا مناصب دينيّة أم دنيويّة في لبنان أن يفعل ما فعله هذا المطران الشريف؟وهل يحذو أحدٌ حذوه في إعطاء مثل يحتذى في المروءة والتضحية والشجاعة في الامتثال لمشيئة الله فيجعل من الخادم والمخدوم توائم لا يفصلهما إلا الشيطان والفتنة؟مشهد يذكّرني بمناسبة يوم الغطاس، حيث جرت التقاليد الدينيّة على أن يغسل الكهنة أرجل المؤمنين في إشارة الى أنّ السيد المسيح تجسّد لخدمة وفداء البشر فلا رئيس ومرؤوس ولا تابع ومتبوع؟أمّا بعد، فأين نحن من هذه القيم والمعتقدات في زمنٍ يعمد مرشّحو آخر زمن على تهشيم بعضهم البعض وكيل الشتائم لبعضهم البعض وحجز المناصب الوزاريّة طمعاً بمواردها وغنائمها !أين نحن من خدمة الشعب وقد حوّلوا الوزارات الى بقرات حلوب يعملون كالمزارعين على تقاسمها طمعاً بحليبها ومنتجاتها.أين نحن من المسؤولين عندنا، وقد أنزلوا المؤسسات المحليّة والدوليّة الى مستويات أحذيتهم، وكما المؤسسات، هكذا عاملوا شعبهم بعدما جعلوه قطعاناً من الغنم يباع في أسواق الانتخابات، لتصير وعودهم بعدها أوراقاً بالية تحت أحذيتهم تداس وتسحق.يا لها من مفارقة بين مثلٍ عليا أجمعت عليها الاديان السماويّة تحت سقف مبادئها وشرائعها، وتصرّفات لا تنمّ إلا عن حقدٍ ونهبٍ لمقدارت المواطنين، في تجارة توفّر لهم المجد البالي والثروات الطائلة لذريّتهم من بعدهم.


  • شارك الخبر