hit counter script
شريط الأحداث

قصّة "القصّة كلها"...

الأربعاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١١ - 07:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
أعرفه منذ سنوات، كامل جارنا في المبنى المقابل، أشهر من نار على علم في الحيّ، أو كما يحلو له القول "أنا القصّة كلها بالمنطقة". كامل مواطن وربّ عائلة مثالي يعمل في ثلاثة أماكن: سائق باص مدرسة من السادسة والنصف  حتى السابعة والنصف، ومن الواحدة والنصف حتى الثالثة، موظف دولة من الثامنة وحتى الثامنة والربع (يوقّع ويمشي)، وفي الوقت المتبقّي يعمل كسائق تاكسي.يقضي كامل إذاً معظم وقته في سيّارته من نوع "مرسيدس"، كاملة التجهيزات: فرش نايلون شفّاف (أكل ابنه عليه وشرب)، "تابلو" ملبّس جلد خروف وفي وسطه مروحة مثبّتة بمرهمين "ألتيكو". من المرآة الداخليّة تدلّت أربعة مسابح متنوّعة الألوان "تطقطق طوال الدوام".ولأنّ كامل يملك أذناً موسيقيّة لم يقض عليها "السمخ" نهائيّاً، جهّز سيّارته براديو حديث ومجموعة كاسيتات على ذوقه، تمزج بين القديم والجديد: هوّارة، جيب المجوز يا عبّود، يا بو عقال وكفيّة، جمهوريّة قلبي...أمّا الزجاج الخلفي فدرزه كامل بشعارات غير وطنيّة: يسلملي عالعيون، لا تسرع الفيراري أسرع، جمالك شتّت أفكاري...وفي المساء يتفرّغ كامل لعائلته، والعائلة الكريمة مؤلفة من بديعة زوجته المصون وكيكي (كاملة)، سوسو (سلوى)، فيفي (فريدة)، و"زوزو" وليّ العهد.في المساء يلقي كامل وراءه تعب النهار وصراخ الأولاد "يا شوفير دعاس بنزين" وتحرّشاته براكبات التاكسي، ليجلس على شرفة المنزل "بالبروتيل" البيضاء الأصل وأماه الأركيلة.في هذا الوقت تكون بديعة في المطبخ، تحرّك الطبخة، تفرم، تقشّر، تعصر تطحن. كيكي، البكر، معبودة الأفلام المصريّة في مواجهة التلفزيون. سوسو، التي تكره الأفلام المصريّة ولا تحبّذ أن "شرف البنت زيّ عود الكبريت ما يولعش إلا لمرة واحدة"، تهوى سماع فارس كرم "لأنّو قبضاي". فيفي أمام المرآة في لقاءٍ يومي يدوم ثلاث ساعات. تجرّب محتويات خزانتها تمهيداً للخروج سرّاً، بالتواطؤ مع أمها، وبعد رابع كأس يشربه والدها. أمّا زوزو فيحرقص الكلب، يدعس على أذنه، يضربه بمشاية  "أبو إصبع" ، يقرّب قطعة اللحم من فمه ثمّ يلتهمها هو، بديعة تصرخ من داخل البراد: "تروك الكلب يا دبّ". كامل الجالس على كرسي بلاستيك تتحمّل ثقل شحمه بدأ يفتك بالسفرة. ميكانيكيّاً تتوجّه يده الفالتة الى صحن الحمص بالقورما وظفر إصبعه يدقّ لقمة الحمص بالمكدوس وينقّط زيتاً باب ثالث على البنطلون الليلكي. وتتابع يداه مسيرها نحو بصلة سلمون وقلب خسّة قبل أن تغطّ على صحن السناسل. يطلب من بديعة المحتجزة بين الغاز والبرّاد رأس بندورة كبير مع رشّة سمّاق. وقبل أن يأتي البندورة سنسل لابنته سوسو تاريخ الملفوف وكيفّ هرّب فيه "أيّام الشباب الطيبة" الحشيشية الى البرازيل. علك الخبريّة في خلال نصف ساعة، كلّ كلمة مجبولة بكأس عرق وحازوقة. سوسو تدير أذنيها لفارس كرم وتسمع "ريتني تنبك معسّل". كانت الساعة تجاوزت العاشرة بقليل. زوزو، فرخ البط، يجبر الكلب على قرن الفليفلة بالقوّة، وكامل يطقطق على الأركيلة بوجبته ثم يقول وهو يحركش بأسنانه محدثاً بديعة نصف النائمة "كنّا يا مرا نعبّي البيت بـ 100 ليرة خضار ولحمة ومقانق. تفو على هالعيشة".الكلب ينعوص. كامل يرفع صوته "أيّام المرفأ كنّا قاطعين الليرات، شغل متل الكشك، عا فوقا عا بالي ترويقة كشك بكرا".يأخذ استراحة ليتأمل جهاز النوكيا. يسأل بديعة "شو قولك جايتني بيعتو؟". بديعة تشخر وتفوح منها رائحة القورما. زوزو يرشّ البهار في أذن الكلب.كامل يعقّ ويلقّ ثم يبطش بصحارة الأفندي التي اشتراها من الغبيري مع موتور مستعمل للمرسيدس، يسأل كيكي "إذا في شي تمثيليّة بتعبّي الراس؟"، ثمّ يقرقش فرخ سمك مشوي اشتراه وهو يبلعط من انطلياس ومات فقعاً فوق منقل بديعة. فجأة، توقف كامل عن البطش. خرجت من فمه أصوات غطّت على فارس كرم. صرخ بسوسو "يا بنت حطيلي الهوارة عال cd". ثمّ سأل بديعة "شو عاملي بكرا؟".


  • شارك الخبر