hit counter script

كلمة الرئيس نجيب ميقاتي خلال المؤتمر الاقليمي الثاني لمركز البحوث في الجيش اللبناني

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٢ - 10:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السادة المحاضرون
السيدات والسادة الحضور الكرام :أود بداية أن أرحب بكم في لبنان وأن أشكر مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني, الذي أتاح لي فرصة اللقاء بكم, هذا المركز الذي يتولى رصد الظواهر والتحولات المهمة في منطقتنا وتحليلها لترقب مدى تأثيرها على وطننا, تمهيدا لدرء الانعكاسات السلبية المتأتية عنها, وهو بذلك يثبت أن جيشنا الوطني,الذي يحافظ على الدولة والكيان اللبناني والنظام الديموقراطي البرلماني ويدافع عن تراب الوطن ويصون حدوده، إلى جانب رعايته للسلم الأهلي وحماية الحريات العامة والخاصة، بتوجيه من السلطة السياسية , يولي الجانب البحثي الأهمية اللازمة لاستشراف المستقبل تمهيدا لاتخاذ القرارات المناسبة .
أيها السادة: إن لانعقاد هذا المؤتمر أهمية خاصة لأنه يتزامن مع ما تشهده منطقتنا العربية من تحولات ترجمت تبدلات في عدد من البلدان العربية ، جاء بعضها مكلفا على الصعيدين الانساني والاقتصادي ، فيما كان الوضع مختلفا نسبيا في بلدان اخرى . كنا نتمنى لو حصلت التحولات دونما إراقة للدماء ودونما إستهداف للقدرات التنموية والاقتصادية لهذه البلدان. ولو شئنا ايها الاعزاء تحديد اسباب التحركات الشعبية التي افرزت وقائع مغايرة عما كانت عليه سابقا، لأدركنا انه اضافة الى المعطيات الداخلية والعلاقة الملتبسة بين بعض هذه الانظمة وشعوبها ، فان تجربة الانظمة الديموقراطية وما يفترض ان تحققه من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية ، شكلت حاجة لتلك الشعوب المتطلعة الى العيش الحر الكريم .وليس سرا ان ما ساهم في الاضاءة على الخيارات الديموقراطية المتنوعة ، هو التقدم الهائل في ميادين الاتصالات والاعلام ما اتاح لشعوب منطقتنا ليس فقط الاطلاع والمعرفة ، بل كذلك اجراء مقارنات بين انماط الحياة في عدد من البلدان العربية وتلك التي يعيش في ظلها العالم المتقدم . ونتج عن ذلك تنامي ظاهرة بدت في بلدان عربية تعويضا عما فات ، فيما اوجدت في بلدان اخرى حالات قد تأخذ عملية معالجة نتائجها وقتا اضافيا ، ولكنها لن تستكمل فصولها الاساسية الا بالتمسك بحرية الانسان وكرامته وحقوقه في التعليم والاستشفاء والعدالة الاجتماعية .
ايها السادة :ان مسؤولية كبرى تقع على القيمين على الانظمة الجديدة التي تكونت ، تتمثل في التركيز على ابراز التأثيرات الايجابية للتغيير الذي حصل ، بالتزامن مع ضرورة تبديد القلق الذي نشأ بفعل تحريك عصبيات قبلية او اتنية او دينية ، سرعان ما عزف البعد الطائفي على اوتارها ما احدث فتنة في هذه الدولة او تلك ، ومشاريع حرب اهلية في دول اخرى . لقد كان في الامكان تفادي النتائج السلبية عن تحرك شعوب بعض دول المنطقة لو تم ادراك الابعاد الحقيقية لانتفاضة هذه الشعوب ، والشروع في حوار هادىء ومسؤول يفضي الى اجراءات توافقية. نعم ايها السادة لو امكن البدء في الاصلاحات المطلوبة في تواقيت ملائمة والتجاوب الممرحل مع مطالب الشعوب من خلال تغليب الارادة الوطنية الصادقة الناتجة عن طموحات هذه الشعوب ، لكانت اخذت مسيرات التغيير طرقاً مختلفة مبنية على التوافق ومفاعيل الشراكة الوطنية التي لا بديل لها ، ولا حياة للاوطان من دونها . من هنا فان الايام والاشهر التي تمر من دون اعتماد الحوار البناء والمتكافىء ، هي مضيعة للوقت ولمزيد من هدر الطاقات والقدرات التي اذا ما تراجعت ، تضاءلت معها فرص النجاة ، ذلك ان اية حلول نابعة من ارادة ذاتية وخيارات توافقية ، تبقى افضل واضمن من اي حلول مفروضة لا تراعي المصلحة الوطنية.

أيها السادة ،
ان التجربة اللبنانية في الحوار والاتفاق ، والتي طوت من خلال اتفاق الطائف ، سنوات من الاقتتال والتباعد والحدود المصطنعة التي رُسمت احيانا كثيرة بالدم ، تشكل نموذجا يُحتذى ، ذلك ان العنف مهما اشتد وتنوّع ، لن يقدم حلولا مستدامة، بل يؤسس لمزيد من التباعد والتقاتل وتدمير الذات ، ويفسح في المجال امام تنامي ظواهر لا تأتلف مع توق الشعوب الى الحرية والتعددية والتنوع . واذا كنا نشهد في بعض الدول التي حصل تغيير في انظمتها او تركيبتها السياسية، صعودا لتيارات دينية ما احدث قلقا لدى مكونات اخرى في مجتمعات هذه الدول ، فان ممارسة الديموقراطية بكل مفاعيلها في الحكم والتشريع ومسار الحياة السياسية ، كفيلة بتصحيح اي خلل يمكن ان ينشأ ، كما انها تحد من الجنوح نحو التطرف وتحمي الدولة المدنية التي يبقى دعاة قيامها اكبر بكثير من اولئك الساعين الى تقويضها ، جماعات كانوا ام احزابا او تيارات.
نعم ،أيها السادة، أن لبنان الذي شكل عبر التاريخ ،مساحة للالتقاء وواحة للحرية و الديمقراطية وأرضا للتفاعل الثقافي والحضاري ومنبرا للتخاطب الراقي وتبادل الآراء واحترام التعاليم السماوية والتشريعات المدنية, يصلح لأن يكون النموذج الأمثل للاقتداء به. فهو النموذج الذي اختصر فسيفساء الشرق وجسدها أفضل تمثيل واحتضن العدد الأكبر من الطوائف, مثمنا قيم الإنسانية, عابرا للحدود الفكرية, وجامعا بين التيارات كافة على إختلافها وحتى على تناقضها.
وإذا كنا نقدم للعالم العربي نظامنا السياسي على أنه النموذج الأمثل للاقتداء به, فان ذلك لا يعفينا من أن نستلهم بدورنا طموحات شعبنا ،وان نعمل على إستكمال تطبيق هذا النظام الذي توافقنا عليه في الطائف ومن ثم تحديثه في ضوء الممارسة لتصحيح ما يلزم تصحيحه، وتعزيز دور الجيش اللبناني والقوى الامنية كافة . وفي كل اللقاءات والزيارات الخارجية التي اقوم بها يكون موضوع دعم الجيش اللبناني وتقويته من أبرز البنود التي أناقشها.
إستطرادا أقول إن النظام السياسي اللبناني, الذي استطاع، منذ ما يزيد على السبعين عاما, أن يؤسس لدولة مدنية قوية قائمة على الحريات وحقوق الانسان والمؤسسات الدستورية والعدالة والديموقراطية التوافقية والتبادل السلمي للسلطة، هذا النظام هو الحاضن الأول لفكر التغيير الديموقراطي في العالم العربي .
وانطلاقا من هذه المبادىء ، كان موقف لبنان مما يجري من حولنا ، واضحا وثابتا ، في احترام توق الشعوب الشقيقة الى الحرية والى اعتماد النظام الذي يحقق امانيها ، من دون التدخل مطلقا في الشؤون الداخلية لهذه الدول والشعوب لاننا نتمنى لها ما نتمناه لوطننا من استقرار وازدهار وهناء ، ولن ينجح احد في استدراجنا الى تبديل موقفنا بالنأي عن النفس ، كما لن تؤثر الضغوط التي يمكن ان تمارس علينا ، سياسيا وامنيا واقتصاديا ، سواء اتت من داخل او من خارج ، في دفعنا الى مواقف وخطوات تعرض للخطر وحدة اللبنانيين والثوابت التي ارستها مواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية التي يعتز لبنان انه كان من المشاركين في وضعها ، والملتزمين الدائمين لشرعة حقوق الانسان ومبادىء القانون الدولي.
ان التوجهات التي نعمل في هديها ، هي التي وضعت اطار تعاطينا مع الوضع في سوريا وجعلت قرارنا – نعم قرارنا- النأي بالنفس عما يجري في سوريا التي نتمنى لها كل الخير والاستقرار والخروج من محنتها موحدة بارضها وشعبها ، وقادرة على استعادة دورها الى جانب شقيقاتها الدول العربية ، لاسيما في مواجهة العدو الاسرائيلي الذي لا يزال يحتل اراض عربية غالية ويشرد الشعب الفلسطيني الشقيق ويمارس في حقه شتى انواع التعذيب والقتل والتهجير . نعم ، ايها الاخوة ، لا يجوز ان يغيب عن بالنا في غمرة ما يجري من احداث ، ان الهدف الاسمى الذي يجب ان تسعى اليه الدول العربية الشقيقة هو نصرة قضايانا العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ولمبادرة السلام العربية التي لا نزال نتمسك بها اطاراً للسلام العادل والشامل والدائم .

أيها السادة
أنني على يقين بان الأمة العربية التي شهدت عبر تاريخها الطويل تحولات جذرية كبرى, واستطاعت النهوض على مر تاريخها القديم والحديث، قادرة أن تتأقلم مع الواقع الجديد وان تتفاعل مع المتغيرات وان تنتصر على الذات وتستمر بحجز مكانها تحت الشمس ، شرط ان تقرأ جيدا مسار التطورات المتسارعة ، واني على ثقة ان مؤتمركم هذا سيلقي الضوء على هذه التحولات وستكون له مساهمة فاعلة في تحليل هذه الظاهرة وتلمس التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية التي تنتج عنها.
ختاما أقول
أنه زمن المتغيرات وزمن الخيارات الصعبة, و علينا أن نحسن القراءة وتجنيب أوطاننا الخيارات الصعبة. وفقكم الله وسدد خطاكم ...
  

  • شارك الخبر