hit counter script

- جهاد الملاح

"إخوان" في بيت الحريري

الجمعة ١٥ آذار ٢٠١٢ - 08:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم تتمكن الموجة التي أحدثها "الربيع العربي" من الوصول إلى لبنان، إذ عجزت عن تحديد هدف معيّن في هذا البلد، في ظل غياب ديكتاتورية الحزب الوحيد أو الشخص الواحد، فضلاً عن طغيان جدار فيدرالية الطوائف، في وقت نجحت سياسة النأي الحكومي والاتفاق الضمني بين القوى الفاعلة على عدم تحريك الشارع، في الابتعاد نسبياً عن الظروف المحيطة. إلا أنه إذا كانت موجة التغييرات العربية عجزت عن التأثير المباشر في لبنان، فهل ستستطيع التأثير فيه بشكل غير مباشر؟
بعيداً عن سعي قوى "14 آذار" إلى حصر تأثير التغييرات في اعتقاد واحد، وهو أن "حزب الله" سيتقهقر وأن "8 آذار" ستندثر، يبدو أن للتطورات العربية تأثيرات جدية على لبنان، قد تنضج وتتكشف مع مرور الوقت. ولعلّ أبرز هذه التأثيرات يتمثل في إعادة "الإخوان المسلمين" الزخم إلى نشاطهم في لبنان، والذي كان بدأ في الخمسينيات مع لجوء مراقبهم العام في سوريا مصطفى السباعي إليه، ثم زيارة المرشد العام في مصر حسن الهضيبي عام 1953، حيث انعقد في بحمدون اجتماع المكتب التنفيذي لقادة "الإخوان".

فعلى الرغم من انطلاق العمل الإسلامي القريب من "الإخوان" في لبنان، عبر "جماعة عباد الرحمن" في الخمسينيات، ثم تصاعده مع تأسيس "الجماعة الإسلامية" عام 1964، بقيادة فتحي يكن، فإن الظروف السياسية حالت على مدى أكثر من نصف قرن، دون تلقي الجماعة اللبنانية دعماً كبيراً من جماعة "الإخوان" الإقليمية، التي تمّ حظرها وضربها في عهد جمال عبدالناصر، ثم ما لبثت أن التقطت أنفاسها في عهد أنور السادات في السبعينيات، حتى عاد الخناق ليشتدّ عليها بعد اغتيال الأخير، وذلك بالتزامن مع ضربها في سورية.
ولبنانياً، فإن الحرب الأهلية التي لم تكن للسنة فيها جبهة قوية أو حزب رئيسي، بخلاف طوائف أخرى، مَنعت الحركة "الإخوانية" من التوسع، لتنتهي الحرب بصعود وسيطرة قوة سنية بزعامة رفيق الحريري الذي رعته السعودية، المختلفة بالفكر والنهج، حتى الصدام، مع "الإخوان".

وطوال هذه الفترة، نأت "الجماعة الإسلامية" اللبنانية بنفسها، عن التيارات المتشددة والتكفيرية، مؤكدة أنها من "الدعاة" وليس "القضاة". كما اعتمدت على أفكار حسن البنا ومصطفى السباعي وسيد قطب، مشددة على رفضها التكفير واعتبار أن بعضه يستند إلى "الفهم الخاطئ" لأفكار الأخير.
في موازاة ذلك، مارست "الجماعة الإسلامية" السياسة بطريقة "مُلبننة"، حيث ظلت على علاقة جيدة مع السوريين ومع "حزب الله" ومع تيار "المستقبل" في آن، حتى بعد أزمة 2005. وقد التزمت العمل الدعوي والمدني بنسبة كبيرة، خاصة عبر "رابطة الطلاب المسلمين"، علماً أن علاقات "حزب الله" وقوى "8 آذار" بالجماعة وبـ"إخوان مصر" ظلت جيدة، حتى حدوث الأزمة السورية.
والآن، وبعد مرور 2011 على الرزنامة العربية، حيث وصل "الإخوان" إلى الحكم في مصر وليبيا وتونس والمغرب، ويستعدون لدور في سوريا يبدو أنه سيكون مؤمّناً لهم مهما كانت نتيجة الأزمة، وصولاً إلى إسلاميي "العدالة والتنمية" الأقوياء في تركيا، فهل سيبقى "إخوان لبنان" يرضون بالحصة الصغيرة في الساحة السياسية؟

لقد أظهر الصعود "الإخواني" في مصر وبلدان أخرى، أن الجماعة تعمل بتخطيط ودقة، وتبقى في انتظار الفرصة السانحة. وهذا الواقع ينطبق على عملها الوطني، كما على شبكتها القومية أو عبر الوطنية، وحتى الدولية. وبالتالي، من المتوقع أن يصل هذا العمل إلى لبنان، مستفيداً من السيطرة على مفاصل الحكم في بعض الدول العربية، علماً أنه بدأ يظهر سعيٌ لتعزيز العمل "الإخواني" في الخليج أيضاً.
لكن إذا كانت الخريطة السياسية السنية في لبنان معروفة التقسيم، فعلى حساب أي "حصة" سيتوسّع "الإخوان المسلمون"؟
قد يأخذ "الإخوان" في لبنان من السلفيين، لكن هؤلاء قلة ولا يؤمّنون جسراً للسياسة، وبالتالي، فإن المنطق يفرض توسعهم على حساب تيار "المستقبل"، خصوصاً أن لا إمكانية حالية لتعزيز الحلف مع هذا التيار، وذلك لسبب أن "الإخوان" مختلفون فقهياً وربما سياسياً مع السعودية، الأب الروحي للحريرية في لبنان.

في اختصار، مع الصعود المدوّي لـ"الإخوان" داخل الأنظمة العربية، من الطبيعي أن يكون لبنان في حسابهم، وإن كان هذا الحساب مؤجلاً قليلاً، كما انه من الصعب الاعتقاد أن "الجماعة الإسلامية" اللبنانية ليست منتشية بانتصار أبناء البنا ولا تبحث عن التمدّد السياسي.
 

  • شارك الخبر