hit counter script

ليس دفاعاً عن كرم وعيد إنما دفاعاً عن كل اللبنانيين

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٠ - 22:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
لم يكن قد مرّ على توقيف العميد فايز كرم بتهمة "التعامل" مع اسرائيل اكثر من ساعات عندما كنت ضيفاً على احدى شاشات التلفزة وسئلت عن هذا الموضوع الحساس فآثرت عدم التعليق بانتظار نتائج التحقيق وكلمة القضاء. لا أخفي أن الامر شكّل صدمة كبيرة لي اولاً واحراجاً شديداً ثانياً كون العميد فايز كرم صديق عزيز وتربطنا به وبعائلته صداقة قديمة. إضافة إلى ذلك كنت ما ازال تحت تأثير الصدمة بسبب الكمّ الهائل من المعلومات والتسريبات التي سمعناها وقرأناها في خلال ساعات قليلة تلت توقيفه عن تعامله مع الاسرائيليين...
 
وبالمناسبة، لا بدّ لي، وقبل اكمال هذا العرض، من الاشارة إلى أنه سيأتيني احدهم من هنا أو هناك بعد نشر هذا المقال ليقول لي، وكما العادة، لماذا كتبت هذا المقال؟ وما هي مصلحتك في ذلك؟ ولماذا تريد أن تعطي هدايا مجانية لهذا السياسي أو ذاك؟ إن جوابي، بكل بساطة وموضوعية واختصاراً للوقت هو: يقول بعض السياسيين وبعد كل توقيف لأحد المتهمين بالعمالة إن العميل ليس له طائفة أو حزب أو دين وأنا أضيف والبريء أيضاً ليس له طائفة أو حزب أو دين ومن هنا تأتي اثارتي لهذا الموضوع من منطلق انساني وقانوني بحت. فأنا مستقل وحر الضمير ولا أنتمي إلى أي حزب أو تيار سياسي ولكنني لبناني حتى الصميم وسريعاً ما أُستفز عندما يتعلق الامر بظلم أو قهر أو انتهاك لحقوق وكرامات الناس إلى أية جهة سياسية انتموا، ونقطة على السطر.
 
كان تسريب المعلومات التي وزعت وسمعناها مستندة إلى التحقيق الاولي مع العميد كرم "كما قيل" وبغض النظر عمّا اذا ما قيل كان صحيحاً أم لا. فإن ما أعلن هو بمثابة خرق فاضح لسرية التحقيق وحرمته، وهذا ما عزز التساؤلات والشكوك من أن يكون كل ما قيل مندرجاً في سياق الصراع السياسي الدائر بين فريقين سياسيين وتُستخدم فيه كل الاسلحة السياسية والاعلامية وهذا أمر مرفوض وغير مقبول على الاطلاق ولا يدخل ضمن تقاليدنا اللبنانية.
 
وهنا كان من الممكن أن يظل موضوع توقيف العميد كرم في دائرة الشك والتساؤل وأن يظل الانتظار سيّد الموقف، انتظاراً لنتائج التحقيق وكلمة القضاء لولا المعلومات الاخيرة التي صدرت وهذه المرة ليس عن مصدر أمني او سياسي وإنما عن مصدر قانوني وتحديداً من وكيل دفاع العميد كرم المحامي رشاد سلامة الذي قال صراحة ومن دون مواربة إن موكله تعرض لتعذيب جسدي ومعنوي، وقال ايضاً إنه اضطرّ إلى إفشاء سرية التحقيق بعدما جرى انتهاك هذه السرية ولحق الضرر الفادح بسمعة موكله وكرامته الانسانية. وهذا غيض من فيض ما قيل ويقال في السرّ والعلن حول هذا الموضوع وهذا ليس خافياً على أحد.
 
إنه لمن المؤسف والمستغرب والمستهجن أن يمر كلام خطير كهذا مرور الكرام من دون أن يرف جفن لأي مسؤول في الدولة ومن دون أن يصدر أي تعليق نفياً أو تأكيداً على كلام سلامة لتلفزيون "الجديد" وتلفزيون أو تي في والذي سمعه وشاهده الآف المشاهدين في لبنان والعالم. ومن الطبيعي ان تكون المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هي الجهة الرسمية المخوّلة توضيح ما جرى كونها المعنية بهذا الملف حفاظاً على سمعتها و صدقيتها وانسجاماً مع مسؤوليتها الوطنية والمهنية، وهذا يحتم على اللواء أشرف ريفي الذي نكّن له كل محبة واحترام وتقدير إلى جلاء هذه القضية وما احاط بها من اشكالات وملابسات وتأويلات واتهامات تتحدث عن إساءة استعمال السلطة أو تسخيرها للانتقام السياسي. وبالتالي يكون من الواجب والضروري الرد على تصريحات المحامي رشاد سلامة وقطع الشك باليقين. فإذا كان ما قاله ليس صحيحاً عليه أن يتحمّل مسؤولية كلامه ويكون هناك رد رسمي عليه يوضح كل ما احتواه كلامه بحق بعض الاجهزة الامنية والقضاء. واذا كان ما قاله سلامة صحيحاً فان الامر يرتقي في هذه الحال إلى مرتبة الفضيحة اذ ليس مقبولاً ولا معقولاً ان يساء إلى الاشخاص بهذا الشكل وان تنتهك حقوقهم وكراماتهم بهذه الطريقة الفظة من قبل بعض الاجهزة الأمنية، فكيف إذا كان الشخص المجني عليه عمل لسنوات في كنف المؤسسة العسكرية واعطاها من كل قلبه وتبوأ فيها أعلى المناصب من دون الحديث عن تاريخ والده العميد وجيه كرم في المؤسسة العسكرية والمراكز الكبيرة التي تبوأها في الدولة اللبنانية... أما أن يستمر الصمت المطبق بهذا الشكل المريب فإن في ذلك اقراراً ضمنياً بما قيل عن ممارسات وانتهاكات في شأن هذه القضية وهذا أمر غير مقبول على الاطلاق ويضع العديد من نقاط الاستفهام حول توقيفه.
 
واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد لنا من القول إنه اذا كان العميد فايز كرم يجد من يسأل ويدافع عنه كونه ينتمي إلى تيار سياسي معيّن ونجد من يرد له الاعتبار لكن وبطبيعة الحال من دون التوصل إلى ازالة الاصابة المعنوية الخطيرة والكبيرة التي اصابته ومحو آثارها عنه وعن عائلته، فكيف الحال بأشخاص ومواطنين تعرضوا للظلم والاساءة، وليس من يسأل عنهم ويُحصّل حقوقهم ويرد لهم اعتبارهم. ولنا في واقعة تبرئة الموظف في وزارة الاتصالات ميلاد عيد بعد توقيف دام ثلاثة أشهر خير دليل على ما نشكو منه من ظلم غير مبرر يتخطى كل الحدود والاعتبارات القانونية والانسانية.
 
نحن نفهم أن يتم توقيف شخص مشتبه به على ذمّة التحقيق لمهلة محددة ينص عليها القانون وان يظل المتهم بريئاً إلى ان يثبت العكس وتتم ادانته. ولكن لا يمكن ان نفهم كيف تتم ادانة وتجريم شخص بتهمة خطيرة هي التعامل مع العدو، ويصنف عميلاً خطيراً وصيداً ثميناً، وكيف تدمّر حياته ويُهدر دمه وتعلو اصوات سياسية وغيرها تطالب باعدامه وبعد قرابة المئة يوم على توقيفه المرفق بتحقيقات وتسريبات خطيرة، يتمّ الاعلان عن براءته وعدم كفاية الادلة وحتى عدم وجود ما يدينه بتهمة التعامل مع العدو.
 
والادهى والاخطر من ذلك كلّه أنه بعد ثبوت براءة ميلاد عيد ينتهي الموضوع عند هذا الحد، فلا جهة تحاسب وتحدد المسؤوليات ولا جهة تُحاسَب وتتحمل المسؤولية. ولا من يعتذر إلى هذا الموظف المسكين الذي يشغل مركزاً مرموقاً في وزارة الاتصالات وجهد كل حياته وكافح للوصول إليه ليجد ان كل ما بناه في سنوات ضاع ودمّر في ايام، ولا من يسأل ولا من يعتذر ولا من يعوّض عليه معنوياً أويرد له الاعتبار والمكانة.
 
واذا حدث شيء من هذا القبيل في أي بلد متحضر ومتقدم من بلدان العالم يقيم للانسان وزناً وقيمة، لا يمكن أن يمرّ الامر وكأن شيئاً لم يكن ولا بد من ان تُحدد المسؤوليات ومن أن يتم التعويض على الشخص المصاب في صميم كرامته وكذلك عن الاذى المعنوي والنفسي الذي لحق بعائلته، فينال على سبيل المثال تعويضاً مالياً كبيراً وتعويضاً معنوياً أكبر ويعاد إلى وظيفته مرفوع الرأس موفور الكرامة ويرقى إلى منصب أعلى. اما في لبنان فإن شيئاً من ذلك لا يحصل، ويُدفع اللبنانيون دفعاًَ إلى التشكيك بمؤسساتهم والطعن بصدقيتها وإلى الشعور بأنهم لا يتمتعون بحماية القانون وان الدولة لا توفر لهم مظلة امان وأمن اجتماعي وهم بحاجة دائماً إلى الاحتماء بطوائفهم أو احزابهم أو زعمائهم ليضمنوا حقوقهم الطبيعية.
 
وبعد كل الذي جرى ويجري وسيجري، ويشير إلى أننا لم نصبح بعد في دولة حقيقية، فإننا نرفع الصوت عالياً ونطلقها صرخة مدّوية لوقف مسار الاخطاء والهفوات في عمل واداء بعض الاجهزة الامنية المسؤولة عن أمن وحماية الناس، ولمراعاة واحترام حقوق الانسان ومشاعره وكرامته، ولإبعاد الامن والقضاء عن التجاذبات والمناكفات والصراعات السياسية، ولابقاء مسألة التعامل مع اسرائيل بمنأى عن اي مزايدات رخيصة، وعدم استعمال التعامل من اجل تصفية حسابات مع الخصوم السياسيين وابعاد روح الانتقام والتشفي عن الناس لمجرد اننا لا نتفق معهم سياسياً وعدم التعاطي مع قضايا مثل قضايا العميد فايز كرم والموظف في وزارة الاتصالات ميلاد عيد وغيرهم وغيرهم باستخفاف وعدم الشعور بالمسؤولية وان ينحرف الصراع السياسي عن مساره الاساسي وعن مبادىء الحق والحقيقة والصواب، وان تكون الوطنية حكراً على فريق ويكون فريق آخر مطالب باجراء فحوصات دم دورية بالوطنية...
 
فليكن معلوماً ان هذا النهج اذا تمادى، وهذا الاداء اذا استمر، لا يوصل إلا إلى مجتمع ضعيف وانسان خائف ولا يؤدي إلا إلى تزعزع وتضعضع ثقة اللبنانيين بدولتهم التي يفترض انها دولة القانون والمؤسسات وانها مصدر الحماية والضمانة لحقوقهم وأمنهم ووجودهم ومستقبلهم وهذا ما يشجعهم على الهجرة من وطنهم إلى أماكن وبلدان اخرى تحترم حقوق المواطنين.
 
وفي هذه المناسبة، لا بد لي إلا ان اتوجه إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كونه القاضي الاول وحامي الدستور ليضع حداً لهذه المهزلة ويرفع سيف التخوين عن رقاب العباد لأن الاختلاف السياسي هو حق مشروع وهو من صلب الحياة الديمقراطية ولا يجوز تحت أي شعار أن نوجه تهم الخيانة والتعامل مع العدو لمن نختلف معه سياسياً.
 
وكذلك فإن القضاء مطالب اليوم وقبل الغد باطلاع اللبنانيين على سير التحقيقات بكل شفافية واعطاء كل ذي حق حقه بحيث يحاكم العميل وينال عقابه العادل ويخرج البريء إلى الحرية ويعود إلى عائلته واهله واصدقائه من دون تسريبات من هنا ومعلومات من هناك تكون كاذبة ومضللة وتنتهك حقوق المواطنين وكرامات الناس وتدمر حياتهم وحياة عائلاتهم إلى الأبد.
(خاص لموقع ليبانون فايلز)
  • شارك الخبر