hit counter script

أخبار محليّة

الراعي: علينا المحافظة على لبنان في هويته وميثاقه الوطني وديمقراطيته

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٢ - 21:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

توجه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي صباحاليوم الى الاسكندرية حيث كان في استقباله امام كنيسة القديسة ريتا حشد من ابناء الجالية اللبنانية هناك يتقدمهم قنصل لبنان نضال يحيا وخادم الرعية الخوري نادر جورج.

وفي الكنيسة رفع الراعي صلاة الشكر ثم القى المطران فرنسوا عيد كلمة ترحيب اعتبر فيها أن ابوة البطريرك الراعي لا تقتصر فقط على الموارنة، انما هي ابوة كنسية تطال كل مؤمن. وحضوره بيننا هو بركة مكثفة توجهنا وتقوي وجودنا لنستمر ولو بأعداد قليلة، انما نحن كالخمير نخمر عجنة هذا المجتمع بقدر امكاناتنا، وهذه الشهادة هي شهادة حضارة الانجيل، حضارة المحبة والحوار واللقاء التي يركز عليها صاحب الغبطة في رسائله وتعاليمه وزياراته في كل العالم، وهي تصب كلها في اصراره على التلاقي والحوار لأن ابناء الله هم واحد.

من جهته شكر غبطته راعي الابرشية معربا عن "سروره العميق بزيارة مصر والتعرف أكثر الى الموارنة والاستماع اليكم ومشاركتكم همومكم وتطلعاتكم، ولكي نقول لكم انكم في قلبنا وفي صلاتنا. واننا نحبكم ونتكل عليكم في مواصلة حضورنا في المجتمع المصري مع كل المسيحيين من الكنائس الاخرى ومع المسلمين، فرسالتنا كموارنة هي ان نشهد لقيمنا المسيحية ولتقاليدنا ولروحانيتنا المارونية ونكون قيمة في مجتمعاتنا، لا نتطلع الى الكمية انما الى معنى وجودنا ككنيسة والى دورنا، نحن هنا كنيسة المسيح بروحانية مار مارون".

بعد ذلك التقى غبطته المؤمنين في صالون الرعية ثم اقيم استقبال على شرفه في اوتيل فور سيزنس - الاسكندرية، حيث القيت كلمات لكل من كاهن الرعية الاب نادر جورج، ورئيس النادي الماروني الدكتور انيس عواد وممثل الجمعية الخيرية المارونية فادي كريدي، وقد اشادت كلها بالمناسبة التاريخية لزيارة غبطته الى مصر.

كذلك القى القنصل اللبناني العام نضال يحيا كلمة هنأ فيها غبطته بالذكرى السنوية الاولى لانتخابه بطريركا، معتبرا "ان زيارته هي الاعز على قلوب ابناء الجالية اللبنانية وعلى الوجود الرسمي اللبناني في مصر عموما وفي الاسكندرية خصوصا، في هذه الظروف التي يشعر بها الجميع بأنهم بأمس الحاجة الى كم هائل من المعنويات والروحانيات، لا يستطيع الا الرجل الكنسي القدير والكبير ان يمنحها لرعيته. فهنيئا للبنانيين وللمصريين بحضور غبطة البطريرك الراعي الذي راكم التاريخ ليكون بطريرك الالف عام، الذي تفوق وتغلب على كل الظروف بمواقفه الجبارة وبحديثه مع كل الناس وبديناميكيته الهائلة والكاريزما التي يتمتع بها، وبانتخابكم كان الله نصير لبنان واللبنانيين ونتمنى ان يكون نصيركم ونصير كل المسؤولين كي يتحدوا بالمحبة دائما".

بدوره القى راعي الابرشية المطران فرنسوا عيد كلمة قال فيها: "بفرح كبير نستقبلكم يا أبانا ورأس كنيستنا المارونية مار بشارة بطرس الراعي في هذه الرعية الصغيرة "في الاسكندرية". هذه المدينة الرائعة ، جوهرة البحر المتوسط - التي أسسها الاسكندر الكبير سنة332 قبل المسيح، أعتبرت، في الازمنة الحديثة كقطعة في أوروبا وسميت "باريس الصغرى" كونها شهدت حركة ثقافية ناشطة قام بها، إذ فاق نفوذهم نفوذ الاوروبيين وكونوا لأنفسهم مكانة مرموقة جدا من خلال نشاطهم التجاري والثقافي والمالي.فأدوار كرم كان يدعى "ملك الخشب بمصر". وآخرون احتكروا تجارة القطن والبورصة والمقاولات وانتاج التبغ وصناعة السجائر وامتلك بعضهم اراضي شاسعة.
فهم اسسوا دار الاوبرا وقدموها للدولة، والبورصة التي افتتحوها كانت الاولى في الشرق، والمجلس البلدي الاول أسسه ورأسه شكور باشا الماروني. وانتعشت الحياة الثقافية، فنبغ منهم:
- في الصحافة : آل الشميل، وألفرد نقاش مؤسس جريدة Orient L' في بيروت لاحقا،
- وفي الادب : جورج انطونيوس.
- وفي الشعر الفرنسي : هكتور خلاط وجورج قرم.
وسميت شوارع باسمهم : شارع خليل خياط، شارع د. جورج قنواتي، شارع سابا باشا وشارع الكومندور زغبي وغيرهم. لكن المجالس البلدية (المحافظة) اللاحقة ما بعد الثورة عملت على طمسها وإلغائها.
فهؤلاء الرجال بنوا، أينما حلوا قصورا ونوادي ومدارس وكنائس، بعضها لا يزال قائما حتى اليوم.
أما بشأن الكنيسة المارونية، فاننا نجهل بداية أول هجرة إلى الاسكندرية. لكن نجد، كما في القاهرة تسجيلا للولادات والعمادات والزواجات والدفن لموارنة في سجلات دير القديسة كاترينا للآباء الفرنسيسكان الذي تأسس عام 1520. فأول عمادة مسجلة (ماريا يوسف كرتي المارونية تعود لسنة 1749).
إن أول مركز ماروني ديني كان في بيت أستؤجر في ناحية المسلة الجديدة. ولاحقا قدم ورثة الخديوي سعيد باشا، بناء على طلب الامبراطورة الفرنسية أوجيني، زوجة نابليون الثالث قطعة ارض للموارنة مساحتها 4 آلاف ذراع، استبدلوها لاحقا بأرض اخرى أفضل منها وبنوا عليها كنيسة العذراء، في وسط المدينة التي بيعت سنة 1998 للاقباط الارثوذكس.
في إحصاء عام 1927 الذي طلبه المطران عبد الله خوري بتفويض من البطريرك الياس الحويك كان تعداد الموارنة بمصر 8404 انفس، منهم 3000 في الاسكندرية.
واليوم يكمل هذا " القطيع الصغير" المكون من 84 عائلة حياته البسيطة، يخدمهم الاب نادر جورج بغيرة ومحبة ويدير روضة للاطفال استجدت منذ عدة سنوات، إلى جانب رعاية الشباب والتنشئة الدينية وخدمة المحبة، وقبل كل شيء، خدمة الاسرار.
صاحب الغبطة، حضورك اليوم هو بركة لهذه "العائلة الصغيرة" في الاسكندرية، نلتمسها من غبطتك لكل فرد منا ومنهم. ونحن نبادلك المحبة والصلاة.

من جهته رد البطريرك الراعي بكلمة شكر فيها الجميع على حسن الاستقبال، وقال: "ان تاريخ الانسان لا يبدأ يوم ميلاده انما يأتي الانسان يوم ميلاده حاملا تراثا عريقا وتاريخا كبيرا. فنحن كلبنانيين في مصر مثلا نحمل تراثا يعود الى 4600 سنة مع وصول خشب الارز من لبنان الى هذه الارض، وكمسيحيين عمرنا 2012 سنة، ولدنا من خاطر يسوع المسيح ومن صدره الذي طعن بحربة وجرى منه دم، علامة الفداء الذي نغتذي منه، وماء، علامة مياه المعمودية التي نولد بها من جديد. وكلما تقدمنا في التاريخ كلما كبرت مسؤوليتنا، لأن كل الماضي الذي نحمله يقتضي منا ان نكون على مستوى تحديات اليوم.

أضاف "نفتخر بالثناء الكبير الذي نسمعه عن جاليتنا في كل العالم من قبل المسؤولين في كل بلد. ولبنان هو كالشجرة التي تنتشر اغصانها في كل مكان وتبقى القوة باتحاد الجذع مع الاغصان وبالعكس. وكموارنة فان لبنان يشكل وطننا الروحي الذي فيه كتبنا تاريخنا وحققنا ذواتنا وفيه بنينا مع اخوتنا المسلمين، صيغة حياتنا الاجتماعية والوطنية والسياسية، بنينا معا دولة مدنية تختلف عن كل دول الشرق الاوسط حيث لا دين للدولة ولا مصدر للتشريع من اي كتاب ديني، ولا سلطة محتكرة من قبل أي فئة معينة دون سوها. ما جعل لبنان ينفتح على الغير المختلف على كل الثقافات والديانات وعلى النظام الديمقراطي والحريات العامة وحقوق الانسان. ولو كنا متعثرين بعض الشيء حاليا لأن لبنان ليس بجزيرة معزولة انما مرتبط عضويا بالعالم العربي وهو يتفاعل معه سلبيا وايجابيا، فان هذا لا يعني ان ميثاقنا وتاريخنا انتهيا بل بالعكس نحن نحتاج اليوم في هذه الظروف الاستثنائية الى أشخاص استثنائيين مدركين وواعين ومتجردين، يتحملون مسؤولية الشأن العام، فلا يمكن ان نقبل بحكام médiocre. نحن بحاجة فعلا الى حكام من غير نوع، لأننا امام تحديات داخلية وخارجية كبيرة جدا اليوم، فالعالم يبحث كيف يمكن للثقافات والحضارات والديانات ان تتعايش، الغرب لم يعرف بعد طريقه السليم امام التنوع الذي دخل اليه، والبلدان العربية تفتش عن صيغة تعايش تريح الجميع. نحن كلبنانيين نحمل رسالة الى هذا الشرق، مدعوين لأن نحافظ على لبنان في هويته الرائعة، على ميثاقه الوطني وديمقراطيته والحريات العامة واحترام الآخر المختلف، وعلى التزامه شؤون السلام ومحاربة الارهاب، وعلى بقائه واحة للقاء الجميع. ولذلك لا يمكننا ابدا الدخول في احلاف أو محاور اقليمية أو دولية، وما نعاني منه اليوم هو ان هناك نوعا من دخول في محاور وأحلاف لا يناسبنا الدخول فيها كلبنانيين. ومنذ اليوم الذي دخل فيه لبنان بالميثاق الوطني: لا للغرب ولا للشرق، كان يقصد به لبنان الحيادي غير التابع لأي بلد انما الصديق لكل البلدان. وهذا ما اعطى قيمة كبيرة لحياتنا اللبنانية الوطنية ولتاريخنا المجيد.
بعد ذلك قدمت الى غبطته هدايا رمزية تخلد تاريخ زيارته الراعوية الى مصر.

ومساء ترأس البطريرك الراعي الذبيحة الإلهية في كنيسة القديسة ريتا عاونه فيه راعي الأبرشية المطران فرنسوا عيد والنائب البطريركي العام المطران بولس صياح وعدد من الكهنة بحضور قنصل لبنان العام طلال يحيا وحشد من الاباء الذين مثلوا الكنائس في الاسكندرية، والرهبان ابناء الرهبانيات: المريمية، اللعازارية، الساليزيان اليسوعية القبطية الكاثوليكية، والراهبات بنات الرهبانيات: سان فانسان دي بول، البيزنسون، الفرنسيسكان، الصليب، أم الاله، سيدة الآلام، سان شارل بوروميه والنيغريسيا.

بعد الانجيل المقدس القى الراعي عظة تحت عنوان: "يا يوسف لا تخف" (بيان الملاك ليوسف) توقف فيها عند تاريخ الله الخلاصي مع البشر وفيه كل الضمانة للكنيسة التي تتقاذفها الرياح والعواصف، مجددا التعازي بوفاة البابا شنوده الثالث الذي فقدت فيه الكنيسة القبطية الاورثوذكسية راعيا كبيرا شجاعا مقداما، والذي سمع بدوره كلام الله امام كل الصعوبات: لا تخف يا شنوده" وكان هو يجيب عاليا: "الله موجود، لا تخافوا الله موجود".

وقال غبطته:"نحن في هذا المشرق منذ عهد المسيح والرسل، وفي مصر انطلقت اول كنيسة مع لجوء العائلة المقدسة اليها. وزيارتنا الراعوية اليكم هي لنجدد معا عهد مواصلة رسالة عمرها الفا سنة في هذا الشرق مواجهين كل التحديات وحاملين لكل الناس، مهما تنوعوا في دينهم وثقافتهم، الخبر المفرح الذي هو الانجيل. انجيل السلام بوجه الحرب والعنف، انجيل المحبة بوجه البغض والحقد، انجيل الاخوة بوجه العداوات. نحن مؤتمنون على ان نحمل هذا الانجيل الخبر المفرح مع اخواننا المسلمين في اغلبيتهم الساحقة في هذا المشرق، نحمل رسالتنا وهم يحملون رسالتهم، لكنها كلها تدور حول قيمة الشخص البشري. وعلينا ايضا ان نواصل الحوار مع المسلمين ومع الديانات الاخرى لأننا نتقاسم بلداننا بحكم المواطنة. كلنا بحاجة الواحد الى الآخر، وهويتنا انطبعت من حيث لا ندري واغتنت من هوية بعضنا بعضا. نحن نريد ان نعيش مع اخواننا المسلمين في اوطاننا باحترام متبادل بتعارف صحيح، بحيث اعرف اخي المسلم كما يريد هو ان أعرفه، وان يعرفني اخي المسلم كما أود انا ان يعرفني، لكي نواصل رسالة حضارية كبيرة في هذا الشرق، ولكي نتجاوز كل المصاعب ونواجه كل التحديات معا فنبني مجتمعا غنيا بهذه التراثات المسيحية والاسلامية مع كافة طوائفها ومذاهبها فكلها غنى، يشكل نسيجا اجتماعيا واحدا. ولنا ان نؤدي رسالة الى العالم الغربي الذي عنده اختبارنا في الشرق". 

  • شارك الخبر