hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

عن أي تاريخ تتحدثون؟

الجمعة ١٥ آذار ٢٠١٢ - 08:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

انتقل ساسة لبنان إلى الحديث عن كتاب التاريخ، في ملهاة جديدة تنضمّ إلى النهج الذي اعتاد التنقل بين كل أشكال العبث، ليضرب حاضر اللبنانيين، ويجعل مستقبلهم باهتاً لا تُنقذه الكتب ولا يُفيده التاريخ.
وإذا كان من غير المستغرب في ظل الانقسام السياسي، أن يختلف هؤلاء على مفهوم المقاومة وتفاصيلها، فإن المصيبة أن تركيزهم على موضوع المقاومة يوحي بأنهم متفقون على ما عداه، أي على قول الصراحة حول عشرات السنين التي أعقبت الاستقلال.
فهل ستتحدث صفحات الكتاب الموعود عن نحو 70 عاماً من الحكم الذي فشل في صياغة العقد الاجتماعي السليم والمواطنية الصحيحة، وعزّز الطائفية السياسية والاجتماعية وزرع الخوف والحذر، وأوجد كل مسببات الاقتتال حتى أصبحت الملاجئ والقصف العشوائي والرصاص الطائش سمات لبنانية تكاد تضاهي الأرز؟
وماذا عن التحريض السياسي الذي أدمى الشوارع، وادعى الحقيقة المطلقة وألغى الحوار واحتقر الآخر، ثم ترك الشُذاذ يدوسون الدين باسم الطوائف ويرقصون بين فوارق المذاهب وفوق حطام البشر؟
وهل سيحكي التاريخ قصة سياسة غاصت في المحاور الإقليمية والدولية بدءاً من "حلف بغداد" وصولاً إلى "النأي بالنفس" المثقل بأحمال التورط؟ ويُخبر عن نظام هادن الاحتلال وتخلى عن الأرض حتى دفع إلى قيام المقاومة المسلّحة. أم هل سيصارح هذا التاريخ الجغرافيا، معلناً أن مساحة لبنان ليست 10452 كلم2؟
وماذا عن السرقة والنهب والفساد، وعن أحلام الماء والكهرباء في القرن الحادي والعشرين، وعن دَين عام هائل تاه أصله وضاع فصله، واختبأت جريمته خلف أسوار السلم الأهلي؟
فهل سيجد اللبنانيون في الكتاب المزعوم تفسيراً بشأن وضعهم الاقتصادي، الذي ينتظر في كل صباح، تحويلاً من مغترب أو فرصة من القدر، وسبباً لفقدان العدالة الاجتماعية والأمن الإنساني والتنمية المستدامة والمتوازنة، وجواباً عن المؤسسات التي كادت تغيب لولا بضعة قرارات اتخذت عام 1959 ولولا المؤسسات العلمية التي نشأت منذ أكثر من قرن، خارج عهد الدولة الحالية؟
كيف سيخاطب هذا الكتاب المناطق التي ما زالت تعاني الفقر والحرمان في البقاع والشمال، والتي تعيش على أمجاد الفينيقيين والرومان والصليبيين، فيما اكتفت الجمهورية اللبنانية بجعل آثارها مسرحاً لمهرجانات صيفية استوطن على ضفافها الموت والجمود؟
وأخيراً وليس آخراً، هل سيمحو الكتاب الجديد تضليل كتب التاريخ السابقة التي ما فتئت تتحدث عن اللبناني الذي ينتشر بين أصقاع العالم سعياً وراء الثقافة والتجارة؟ ويُعلن بالتالي أن الشعب اللبناني، مثل الشعب الفلسطيني، سافر وتغرّب وملأ الشتات ولا يزال، هرباً من نظام أسود، إذا نجا من فقره فقد يموت في رصاصه.
بالطبع، ما تقدّم لا يهمّ الساسة، الذين يعتبرون أنفسهم أهلاً لكتابة التاريخ، وقد يتفقون، باسم النظام التوافقي، على صيغة لمضمونه تحظى بـ"الإجماع"، مع أن التاريخ في كل الأمم، يَفرض نفسه، ولا يُتفق عليه. لكن حبذا لو أنهم يختمون صفحات هذا الكتاب بملحق من 100 صفحة يتضمن اعترافاتهم حول ما ارتكب في حق لبنان، لتكون عبرة للمستقبل وتنزع الظلام عن حياة الأجيال المقبلة.
وإن أرادوا اسماً للكتاب، فلّعله يكون "صبر أيوب"، إكراماً للطرف الأعظم في هذا الوطن، وهو المواطن اللبناني المتفوّق رغم الصعاب، والذي لا يزال صابراً، في انتظار حكم يفقه منطق الدولة ويعرف معنى الإنسان.

  • شارك الخبر