hit counter script

- جهاد الملاح

موسكو...بين نشيد السوفيات وربيع العرب

الجمعة ١٥ آذار ٢٠١٢ - 08:04

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تنهي روسيا أربع سنوات من الوقت الضائع، إذ يستعيد فلاديمير بوتين أمانة أبقاها في يد ديمتري ميدفيديف، بحكم الدستور، ليباشر استكمال مهمته في لملمة حطام السوفييت، حيث كان قد بدأها في العام 2000 وأوصلها إلى أوجها في العام 2007.
ويعود بوتين إلى الرئاسة هذه المرة في غياب الإدارة الأميركية المشاكسة بزعامة جورج بوش، الأمر الذي من المفترض أن يسهّل عليه الطريق لمتابعة الخطط الاستراتيجية، التي يبدو أنها شهدت خفوتاً في عهد ميدفيديف.
إلا أنّ القيصر الروسي يدخل الكرملين تحت أصداء التبدلات الجذرية التي خلطت الأوراق في الشرق الأوسط وأصبحت تهدّد سوريا، آخر معاقل موسكو في المنطقة وعلى البحر المتوسط، ووسط حملة غربية وعربية ضد الموقف الروسي الداعم للنظام السوري في مجلس الأمن.

وفي خضمّ هذه الحملة، يحاول بعض العرب أن يرهن العلاقة المستقبلية مع روسيا بالأزمة السورية، وبالتالي يسعى إلى الضغط عليها، معتبراً أن بوتين يُفضِّل أن يبدأ ولايته الجديدة، بانتهاج الدبلوماسية اللينة أملاً بتعزيز مصالح بلاده.
في المقابل، إن المطلّع على المسار الروسي في السنوات الأخيرة، يميل إلى الاعتقاد أنه على العكس، فإن بوتين سيستفيد من الأزمة السورية لإثبات أن روسيا قوية وتصرّ على إحياء الماضي السوفياتي.
فالرئيس الذي يحمل أملاً بعودة الماضي، لا يبدو أنه سيقبل أن تخضَع الدولة الأكبر في العالم، والتي تملك أكبر نسبة من الموارد الطبيعية الموجودة على الأرض، بسهولة، وبالتالي سيطلب ثمناً باهظاً حتى يتخلى عن النظام السوري أو يرفع دعمه عن إيران، ربما أكثر بكثير مما قد يستفيد منه الغرب.

من ناحية أخرى، إن لغة المصالح بين موسكو والعرب، كانت دائمة معقدة ومستندة إلى مسار جدلي، حيث إن أكثرية الأنظمة العربية اعتادت اللحاق بالأميركيين، مهما استخدموا من "فيتو" ضد القضايا العربية، بينما لا تتقرّب كثيراً من الكرملين الذي طالما استخدم قوته في مجلس الأمن لمصلحة العرب وأحدث توازناً في القضايا الدولية.
وإذا كانت السياسات العربية تعشق عيش الحاضر بين صفحات التاريخ، فهل يعرف أرباب الأنظمة العربية، ممن يستطيع القراءة، أن بعض المؤرخين يرجع سبب اعتراف موسكو السريع بإسرائيل عام 1948، إلى استيائها من العرب الذين كانوا يفضّلون جلاديهم عليها ويهاجمونها ولا يهتمون إلى مصالحها، وينظرون إليها فقط على أنها رمز الشيوعية، وأنه بعد سنوات، عادت هي ذاتها، لتهدّد بقصف إسرائيل وباريس ولندن، وتدفع بالتالي إلى إنهاء عدوان 1956؟
إن قوة الولايات المتحدة والاقتصاد الأميركي، تبرِّر للعرب الإبقاء على علاقة جيدة بالأميركيين، لكن المصلحة السياسية والخلل البنيوي في مجلس الأمن يحتّمان عليهم الإبقاء على علاقات جيدة مع كافة الدول الكبرى، مع العلم أن الميل لجعل العلاقات متينة مع طرف دون غيره يستهدف جلب الدعم لنظام الحكم وليس للدولة أو الشعب.

وبالتالي، لا تستقيم أي دعوة إلى رهن العلاقات بين العرب وروسيا بالأزمة السورية، إذ إن هذه الأزمة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وبشكل أو بآخر، بينما من المفترض أن تبقى العلاقات مع موسكو وتتعزز، لمصلحة الشعوب العربية وقضاياها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي وإن باعتها أنظمة المنطقة منذ منتصف القرن الماضي، فلا بد أن تبقى حية، حتى إشعار آخر في السياسة العربية.
ولا شك أن تذرّع الأنظمة العربية بأولوية المواقف الإنسانية المبدئية على المصالح السياسية، غير ذي مصداقية، أولاً لأن هذه الأنظمة لا يُقبل منها الحديث عن مبادئ حقوق الإنسان، وثانياً لأن الدبلوماسية الجيدة يمكن أن تجمع بين المواقف الإنسانية والمصالح السياسية في آن.

فهل يلجأ العرب إلى التحرك الدبلوماسي المنظم والذاتي، للاستفادة من الصعود الروسي المتوقع مع عودة بوتين، أم أن مآثر التخبط والتبعية ستبقى تتحكم بأنظمتهم، في انتظار أن يستكمل الربيع العربي مهمته؟

  • شارك الخبر