hit counter script

- جهاد الملاح

برنامج طال انتظاره

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٢ - 07:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في ظلّ التنصل المنتشر بين أزلام السياسة في لبنان، والذي ينزع عنهم أيّ ارتباط بمشاكل الحكم، تتشتّت المسؤوليّة تجاه المواطن، وتضيع الواجبات في متاهة التخلي، حيث يتوهم كلّ سياسي ممن يعتبرون المنصب ترفاً، أنّه لا يتحمّل أي مسؤولية وأن كل السهام الموجهة ضد الحكم تقصد الآخرين.
وأمام هذا الواقع المظلم، الذي يجعل الدولة يتيمة ولا تقوى على الإشارة إلى أزلامها الملوّنين، قرّر أخيراً عدد من الإعلاميين إنتاج برنامج تلفزيوني فريد من نوعه، انتظره الشعب طويلاً.
هذا البرنامج ليس فناً، فبرامج الفن كثيرة وتكاد تُرقص الشاشات. وليس من برامج الحوار السياسي، فهي انتشرت كالنار في الهشيم، حتى كادت الشاشات تلفظ دماً. كما انه ليس برنامجاً يلقي الضوء على الفساد، فهكذا برنامج قد لا يتحدث إلا عمن يظهر فساداً خلال عمله.
في الحقيقة، هو برنامج ينطلق من قاعدة مفادها أن أكبر السياسيين والمسؤولين فساداً هم الذين لا يعملون، ويتركون مسؤولياتهم في إجازة مفتوحة قد يقطعها فقط شغب كلامي، من هنا أو هناك.
فبعد سبعين سنة من انتشار الفساد السياسي والاقتصادي في لبنان، تفهم عدد من الإعلاميين إن نموذج المسؤول في لبنان هو الشخص غير المنتج في حق المواطن، والذي يحيل مسؤوليّاته فقط على الكلام والتصريحات، طالما لا من يسأله: ماذا أنتجتَ؟
وبالتالي، قرّر هؤلاء أن يسألوا، فانتفضوا متذكرين مسؤولياتهم الأخلاقية والمهنية في دعم الشعب في مواجهة السلطة، ليخرجوا ببرنامج مهمته أن يجرُد أفعال المسؤولين، ومنهم الوزراء والنواب والعاملون الأساسيون في الوزارات والمؤسسات العامة.
يعمل طاقم البرنامج كل أسبوع على مراقبة عيّنة من المسؤولين، فيسجِّل ما قاموا به وما امتنعوا عن فعله، وبماذا وعدوا وبماذا أوفوا. ثم يضع جَردَته في حلقة برسم الرأي العام، الذي يرجع إليه أن يقارن بين عدد أفعال القول المنتشرة على الألسنة وبين كمية الفعل الحقيقية.
فإذا كان الوزراء من المفترض أن يشكلوا، وفق ألف باء الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، خلية عمل تحرص على إتمام الواجبات واكتشاف المشاكل واستشراف الحلول، فإن مراقبتهم تقتضي على سبيل المثال لا الحصر، معرفة ماذا فعل وزراء الصناعة والزراعة والطاقة والاقتصاد والمالية لدعم التنمية المستدامة واكتشاف مكامن الخلل ومحاولة إصلاحه، وماذا قدّم وزيرا التربية والثقافة، من حلقات إنتاج تتقاطع فيها الطوائف والمذاهب وتعزز المواطنة.
ويؤكد البرنامج على ضرورة التحري عن وزير الداخلية لمعرفة ما إذا كان يسهر على الواجبات، بالمعنى الحقيقي للسهر وليس المجازي، فيعمل على مراقبة الثغرات وضبط المفاصل الأمنية في البلاد، ويجتهد لتحسين أوضاع السجون، أو ربما يقوم بزيارة المخافر على حين غرة، ليتأكد أن لا أحداً يتجرأ على إهانة مواطن.
أما النواب، وما أدراك ما النواب، فهم المرادف المباشر للديمقراطية التي تعني تمثيل الشعب في مصالحه وحاضره ومستقبله، على خط المناطق أو في عموم الوطن، فهل يشك أحد في لبنان إن جردة معظمهم ستكون مادة دسمة أساسها التنصل وملؤها السقوط؟
ويشدّد معدو البرنامج في مقدمته، وبشكل واضح، على أنهم لا يسقطون في حجج الخلافات، التي يتسلّح بها السياسيون لتبرير إهمالهم وتخليهم عن الواجب، فهذه الخلافات قد تتحكم بقضايا معينة لكنها تبتعد عن كثير من الأمور، حيث الإنتاج ممكن إذا ما توفرت ذرة نية.
لكن على الرغم من أن هؤلاء الإعلاميين عرفوا الجرح في وطنهم، وتمعنوا جيداً في سكاكين السياسيين، فقد اصطدموا بالشاشات التي لا تسمح لها الارتباطات السياسية والمالية، بإنتاج برامج إنسانية إلى هذا الحد، وعرض محتوى يرفع المواطن درجات ويضع الساسة تحت المقصلة. فالإعلام المستقل غائب في لبنان، وحتى وإن استقلّ بعضه في موضوع ما، فإنه سرعان ما يسقط منحازاً في موضوع آخر.
اقترح أصحاب البرنامج، مخرجاً لفكرتهم، لعلهم يضيئون شمعة على الأقلّ، إذ طلبوا أن تَجرُد كل محطة تلفزيونية، وبموضوعية، أعمال خصومها السياسيين، وذلك في انتظار أن يأتي زمن قريب قد يستقيم فيه الإعلام المستقلّ، أو ربما يسقط النظام اللبناني الذي رفعته الشياطين وقاده النفاق.
 

  • شارك الخبر