hit counter script
شريط الأحداث

حديث العماد ميشال عون الى برنامج "الاسبوع في ساعة"

الإثنين ١٥ شباط ٢٠١٢ - 17:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في ظلّ أزمة حكوميّة وخلافات سياسيّة في لبنان، وأزمة مصيرية في سوريا والمنطقة، أطلّ رئيس تكتّل التّغيير والإصلاح العماد ميشال عون عبر "الأسبوع في ساعة" ليحدّد مواقفه من الواقع الرّاهن وليتحدّث عن المرحلة المقبلة. بين بقائه في الحكومة ومعارضته لها، بين مرسوم النّقل وملفّ التّعيينات، بين الخلاف مع رئيس الحكومة والموقف من رئيس الجمهوريّة، بين عدم الانسجام مع كلّ الحلفاء والخصام مع المعارضين، بين وثيقة التّفاهم مع حزب الله والاختلاف في الأولويّات... وإلى سوريا، لماذا تأخّر ثلاثاء الحلّ الموعود كما اعتبر الجنرال؟ وهل يدعم بقاء الرئيس الأسد خوفاً من البديل؟ وماذا عن وجه المنطقة الجديد؟ وإلى أيّ مدى يخشى من الأصوليّة وهو الذي توقّع وصولها إلى السّلطة منذ ثمانية عشر عاماً؟ هل سيكون الجنرال اللّيلة مهادناً أم حاسماً؟ هل سيصعّد أم سيخفّف؟ وهل يرى حلاً أم أفقاً مسدوداً؟

س: مباشرةً من دارته في الرّابية يطلّ رئيس تكتّل التّغيير والإصلاح العماد ميشال عون. جنرال، أهلا وسهلاً بك.

ج: أهلاً بك.

 

س: ينتظر النّاس إطلالتك اليوم، ويتساءلون عن المواقف التي من الممكن أن تطلقها، وإن كنت ستصعّد في خطابك السّياسيّ أو تخفّفه. الجميع يترقّب ماذا ستقول اليوم.

ج: ما سأقوله ليس سوى تعبير عن واقعٍ معيّن لا أكثر ولا أقلّ. قد يعتبره النّاس في بعض الأحيان تصعيداً وفي أحيانٍ أخرى يعتبرونه تخفيفاً، ولكن في الواقع نحن نعيش حقيقة معيّنة، ونعبّر عنها كي يطّلع عليها اللّبنانيّون، بحيث يستطيعون أن يكوّنوا آراءهم من خلال ما يسمعون ويرون.

 

س: إسمح لي أن أبدأ معك في المحور الأوّل من المشهد السّياسي الحالي. ماذا حصل مؤخّراً في الحكومة، إيقاف أم تعليق للجلسات، وأنتم كتكتّل في الحكومة تملكون عشرة وزراء، وهذه المرّة الأولى التي يحصل فيها تكتّل نيابيّ في لبنان على عشرة وزراء في حكومة معيّنة. أنتم في حكومة قيل عنها يوم شُكّلت إنّها حكومتكم وحكومة حزب الله وحكومة اللّون الواحد، وأنتم جزء كبير ومهمّ في السّلطة اليوم، وبالرّغم من كلّ ذلك، لستم راضين عن الوضع، فلديكم اعتراضاتكم ولديكم انتقاداتكم على مكوّنات الحكومة وعلى رئيسها وعلى سياستها وعلى مسار عملها... نشعر وكأنّكم لا تزالون في صفوف المعارضة. إن لم تكونون راضين من الحكومة مع كلّ هذه الأمور، لمَ لا تستقيلون وتعودون إلى صفوف المعارضة وعندها نفهم الواقع على حقيقته؟

ج: نحن لا نهرب من مسؤوليّاتنا، دخلنا إلى الحكومة ووجدنا أنّ طريقة العمل داخلها شاذّة، ويستوجب علينا، من ضمن أهدافنا التي تسعى للتّغيير والإصلاح، التّصدّي لكلّ الشّواذات التي تحصل. في بعض الأحيان ننجح ونصحّح الشّواذات، وأحياناً أخرى، عندما "نزرك" صاحب العلاقة، يقفل "الدّكّانة"، أي مجلس الوزراء، ويرحل.

 

س: هل بات مجلس الوزراء "دكّان"؟

ج: تقريباً. طريقة عمله هذه تشير إلى أنّه أقلّ من "دكّان" لأنّها تتضمّن الكثير من المفاصلة. إجمالاً، مجلس الوزراء يعمل إنطلاقاً من نصوص قانونيّة تحدّد مهامه، وهذه النّصوص هي أوّلاً الدّستور وثانياً القوانين. عندما يتمّ الخروج عن الدّستور والقوانين، لا يمكن أن يبقى مجلساً للوزراء إذ أنّه يخسر هيبته وسلطته المعنويّة، كما أنّه يفقد الانسجام ما بين أعضائه، ومن هنا يأتي الصّراع القائم حاليّاً، فلا أحد يريد أن يتحمّل مسؤوليّاته وكلّ منهم يريد أن يسطو على مسؤوليّات جاره. قد تكون هذه عادة لبنانيّة قديمة.

 

س: لمَ أنتم الوحيدون المعترضون؟ لا نسمع سوى أنّ تكتّل التّغيير والإصلاح غير راضٍ، وتكونون أنتم دائماً المعارضين وغير موافقين على الأمور، فيما جميع الأفرقاء المتبقّون موافقون وراضون عن كيفيّة سير الأمور؟

ج: لا تسمع صوتهم نهائيّاً. جيّد.

 

س: هم يستطيعون تسيير أمورهم، كما أنّ هناك تضامن وزاريّ فيما بينهم.. جميعهم متّفقون إلاّ وزراؤكم.

ج: معك حقّ. وزراؤنا يعملون بطريقة صحيحة، فتراهم دائماً حاضرين، وما إن يغيب وزراؤنا، تغيب معهم الحياة المنتعشة من المجلس.

 

س: يغيب الـ"action".

ج: نعم يغيب الـ"action".

في الحكومة مدرستان. الأولى هي المدرسة التّقليديّة التي تعتبر أنّ الدّولة هي شركة مساهمة ولديها زبائن، أيّ أنّنا زبائن عند هذه الشّركة، ونحن المدرسة الثّانية التي تعتبر أنّ هناك وطناً ومواطنين، وعلى الدّولة أن تقوم بخدمة المواطن وتساعده ليكون سعيداً في وطنه بالقدر الذي تستطيعه. هناك اختلاف كبير بين مفهوم الدّولة ومفهوم الشّركة. هناك فرق شاسع بين الزّبون والمواطن، والصّدام ينبع من هاتين النّظرتين المختلفتين للدّولة والمواطن. زد على ذلك أنّنا نكتشف في الدّولة الكثير من الأمور الشّاذّة بدءاً من الممارسة...

 

س: أعطنا مثالاً عن هذه الأمور الشّاذّة.

ج: أوّلاً، من يمارس السّلطة الإجرائيّة في مجلس الوزراء؟ رئيس الجمهوريّة أم الوزراء؟ يأتي رئيس الجمهوريّة ويأخذ دور الوزراء بمساندةٍ من رئيس الحكومة. حصل حلفٌ جهنّميّ بين هذين الرّجلين لكي يقفا في وجهنا، وتألّفت الحكومة بطريقة تضمّنت ثلثاً معطّلاً لكي يقف بوجه قراراتنا. إنّ كنّا نملك عشرة وزراء في الحكومة أو حتّى خمسة عشر وزيراً، هناك إثنا عشر وزيراً يعطّلون القرارات المهمّة التي نتّخذها، وإنطلاقاً من هنا وصلنا إلى المشكل اليوم، لأنّ من يتّخذون القرارات ليسوا أصحاب الحقّ المشروع في إتّخاذ هذه القرارات.

 

س: لماذا تطلق عليه تسمية "الحلف الجهنّمي" بدلاً من تسميته حلف تعاون وتناغم وتنسيق في سبيل إنتاجيّة العمل الحكومي؟

ج: كلّ ما هو مخالف للدّستور والقانون يصبح غير شرعيّ ويتضمّن جريمة.

 

س: هل التّعاون بين رئيسي الجمهوريّة والحكومة يعتبر مخالفاً؟

ج: يستطيعان أن يتشاركا في ثرواتهما وليس في ثروات غيرهما. أنا لا أمدّ يدي إلى جيب أحدٍ لآخذ منه مئة دولار، فيما جميعهم يمدّون يدهم إلى جيبي، بما معناه أنّهم يتعدّون على صلاحيّاتي وهذا بالطّبع أمر غير شرعيّ وحلف جهنّميّ. كلّ ما تقوم به ويكون معاكساً للمعايير الأخلاقيّة أو معاكساً للمعايير القانونيّة بشكّل جريمة، تكون الجريمة معنويّة في معاكسة المعايير الأخلاقيّة، فيما تكون جريمةً بكلّ ما للكلمة من معنىً عند معاكسة المعايير القانونيّة. القوانين هي التي تحدّد الحقوق، والمعايير الأخلاقيّة هي التي تحدّد طبيعة العلاقات، وهذه مفقودة حاليّاً، فعندما يكذب أحدهم عليك، وعندما يعتدي على حقوقك، يعني ذلك أنّه فقد هذين المعيارين، ولا يبقى لك أيّ أسس للتّعامل معه، لا في القانون ولا في السّلطة ولا في العلاقات الاجتماعية.

 

س: إزاء الوضع القائم، أنتم غير راضين عن التركيبة الحكوميّة من أساسها، فلمَ لا تستقيلون؟ أنت تقول إنّك لا تريد أن تستقيل حفاظاً على الإستقرار، ولكن في النّهاية عندما يعترض المرء على كلّ هذه الأمور ويرفض الإستقالة، يكون لديه ازدواجية أو تناقض في الموقف.

ج: لسنا عبارة عن خيالات في مجلس الوزراء. رئيس الحكومة هو الذي غادر وليس نحن. ليرحل الآخرون، ولكن نحن لن نرحل. نحن الأكثر ثباتاً في الحكومة. لا يعتقد أحد أنّ الاستقرار هو بالأمر السّهل، فقد كلّفنا الكثير، لأنّه منذ وصولنا إلى لبنان في العام 2005 ونحن نعمل على تأمين الاستقرار. لسنا من الصّنف الذي يرحل عند أوّل صعوبة يواجهها. من واجباتنا البقاء لكي نصحّح الإعوجاج القائم، وإن كان أحدهم يريد أن يشلّ الحكومة، يكون هو من يقوم بشلّها تماماً كما فعل الآن رئيس الحكومة.

 

س: تقول في تصريحٍ لك: "لا استقالة من دون أن يعني ذلك أنّني لن أنسف الحكومة في الوقت الذي أختاره متى وجدت ذلك ضروريّاً". متى سيكون الوقت الضّروري برأيك لنسف الحكومة؟

ج: لن أحدّد الظّروف قبل أن يحين وقتها، وعندما يصبح الموضوع جاهزاً ستعرفونه جميعكم. في المرّة السّابقة تكلّمنا عن الاستقالة لمدّة طويلة، وجاء يوم اجتمعنا وقرّرنا أنّ على الحكومة أن تسقط، وأسقطناها. والآن نستطيع أن نقوم بنفس الأمر ساعة نشاء، ولكن نحن نفسح لهم المجال ليقوموا بجولاتهم السّياحيّة في أوروبّا وأميركا. لا يزال هناك متّسعٌ من الوقت.

 

س: إنّهم يقومون بزيارات رسميّة.

ج: نعم، فليقوموا بجولاتهم السّياحيّة بقدر ما يشاؤون.

 

س: هل كلام السّيّد نصرالله عن أنّ "الحكومة ستستمرّ وهي أساس استقرار البلد وأنّ الوقت ليس وقت إسقاط حكومات ولا وقت توتير سياسي في لبنان". هل هذا الكلام يجعلك باقياً في الحكومة؟

ج: منذ ثلاثة أسابيع تكلّمت وفصلت النّوّاب عن الوزارة، ونحن لدينا عملنا على الأرض ولدينا عملنا أيضاً في المعارضة. فليعتبروا أنّ وزراءنا موالون ونحن النّواب معارضون. (ضاحكاً).

 

س: إذاً أنت تعتبر أنّ وزراء تكتّل التّغيير والإصلاح موالون فيما نوّابه معارضون؟ هل هذه هي المعادلة الجديدة؟ (ضاحكاً).

ج: نعم. فليضحك الشّعب قليلاً اليوم. إذا أخذت كلّ الأمور على محمل الجدّ يكون مصيرك "العصفوريّة". (ضاحكاً). الجديّة غير موجودة في الدّولة. جميع الرّجال الدستوريّون في لبنان وجميع الذين يفهمون بالقوانين يقولون إنّ السّلطة الإجرائيّة تكون في مجلس الوزراء بحسب الدّستور والنّصوص القانونيّة، فيأتيك أحدهم ويقول إنّ لرئيس الجمهوريّة الحقّ في أن يقوم بكذا وكذا. نطالبه أن يطلعنا على القانون الذي يستند إليه ليقول ذلك، فلا نجد أيّ قانون لأنّ القانون هو عكس ما يقول.

 

س: ولكن رئيس الجمهوريّة هو حامي الدّستور وهو من وقّع مرسوم تشكيل هذه الحكومة وهو رأس السّلطة وأكبر منصب في لبنان.. ألا يحقّ له التدخّل في أمورٍ لها علاقة بالحكومة؟ أتريدونه أن يجلس ويدير الجلسات فقط؟ أهذه هي مهمّته؟

ج: أنت تقول إنّه يسهر على تنفيذ القوانين، لذلك فليعترض على كلّ ما هو غير قانوني. هو في سدّة الرّئاسة منذ حوالي الأربع سنوات، وقد تمّ خرق الدّستور في كثير من المرّات، هل سمعنا صوته يطالب بتطبيق الدّستور؟ كلاّ. لم نسمعه يقول إنّ الدّستور غير محترم. من ناحية صلاحيّاته، المادّة 52 من الدّستور غير محترمة. من ناحية الماليّة، المواد القانونيّة في الدّستور غير محترمة. من ناحية القضاء بما يقومون به الآن من رفع الحصانة عن اللّبنانيّين، نرى أنّ المادّة 20 التي توجب أن يقوم اللّبنانيّون هم بإدارة قضائهم غير محترمة. من ناحية السّلطة الإجرائيّة بحيث أنّ السّلطة الإجرائيّة هي مجلس الوزراء مجتمعاً، نرى أنّها غير محترمة أيضاً. لقد أقسم رئيس الجمهوريّة اليمين وهذه هي واجباته، وليس هو من يعيّن الوزير ويعيّن المدير ويعيّن رئيس المصلحة. توقيعه هو لضبط قانونيّة العمل وليس الخيارات، فالوزراء هم من يقترحون وهذه مسؤوليّتهم.

 

س: ولكن ألا يعرض الاقتراح على مجلس الوزراء، ورئيس الجمهوريّة هو من يترأّس مجلس الوزراء؟

ج: يترأّس ولكن ليس له الحقّ في التّصويت، وإن لم يترأّس، يستمرّ العمل في مجلس الوزراء. إذاً، إن حضر الجلسات، العمل يستمرّ، وإن لم يحضرها، يستمرّ العمل أيضاً. وإن كان العمل يستمرّ في الحالتين، هذا يعني أنّه لا يملك أيّ صلاحيّة.

 

س: ولكن هنا نسأل عن كيفيّة الجمع بين منطقين، بين دفاعكم ومطالبتكم باستعادة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، وبين المنطق الذي تقولونه عن أنّه ما من دور أو من صلاحيّات لرئيس الجمهوريّة؟ كيف تريدون استعادة صلاحيّاته وأنتم من يحرمه من أبسط الأدوار التي من الممكن أن يقوم بها؟

ج: هذا هو الموضوع. كونه لا يملك دوراً نريد استعادة صلاحيّاته، لأنّه لو كان له دورٌ لما كنّا نطالب بإصلاح الدّستور. من الآن وحتّى استعادة دوره الأساسي، لا دور له. المعادلة بسيطة جدّاً.

 

س: ولكن في هذا الوقت، نسمع هذا الخطاب ونرى هذا الموقف السّياسي. ألا تعتقد أنّ هذا الموقف يضعف موقع رئاسة الجمهوريّة؟

ج: رئاسة الجمهوريّة تأخذ موقعها الأساسي عندما يمارس الرّئيس صلاحيّاته وفقاً للكتب، وليس عندما "يطفطف" قليلاً من هنا وقليلاً من هناك!! أي عندما يقوم بدوره، وعندها يكون حكماً في الدّولة، وهذا ما أرادوه. لمَ رفض بعض السياسيّين الذين يملكون الأكثريّة النيابيّة وصول العماد عون إلى سدّة رئاسة الجمهوريّة؟ قالوا يومها إنّهم لا يريدون انتخاب العماد عون لأنّه يملك كتلةً نيابيّة ويستطيع أن يحكم من خلالها. إنطلاقاً من هنا، من لا يملك كتلةً نيابيّة لا يستطيع أن يحكم. المعادلة بسيطة جدّاً. أرادوه حكماً. لمَ بعد أن تمّ انتخابه رئيساً لم يعد يريد أن يكون حكماً وبات يريد أن يحكم؟ بأيّ صفة؟ تركت ثلاث مراكز في الحكومة من حصّتي لرئيس الجمهوريّة، فنقلهم من ضفّة سياسيّة لأخرى. انتخبنا الشّعب وفقاً لسياسةٍ معيّنة، فأخذ الوزراء في سياسةٍ أخرى. كيف من الممكن أن يحصل ذلك؟ كيف من الممكن أن يأخذ مواقع سياسيّة منتخبة على أساس برنامج معيّن؟ نقلهم ليصوّتوا بعكس توجّهات النّاس الذين انتخبوهم. هذا لا يجوز.

 

س: ولكن منطق أنّكم تركتم له ثلاث وزراء من حصّتكم ليس مقنعاً، فلطالما كان لرئيس الجمهوريّة وزراء داخل الحكومة.

ج: كانت السّلطة الإجرائيّة بيده، وكان بالأساس هو من يقوم بالاستشارات وهو من يؤلّف الحكومة ويختار من يشاء لرئاستها.

 

س: ولكن بعد الطّائف تغيّرت الأمور.

ج: نحن نتجادل على موضوع واضح جدّاً في الدّستور. هذا الجدل هو مضيعة للوقت. لا علاقة لرئيس الجمهوريّة بالسّلطة الإجرائيّة وانتهى الموضوع.

 

س: ولكن أنا أجادلك بموضوع...

ج: لا معنى لهذا الجدل، لأنّ أيّ جدلٍ لا يرتكز على النّصوص القانونيّة في هذا الموضوع هو كمن يتكلّم لتضييع الوقت. لذلك أقول لك إنّ رئيس الحكومة رحل لأنّه لا يستطيع أن يقوم بما يشاء داخل الحكومة، فكما يستطيع هو أن يعطّلنا، نحن بدورنا نستطيع أن نعطّله، ونبقى في الحكومة.

 

س: أريد أن أعود إلى نقطة محدّدة لها علاقة بمرحلة ما بعد الطّائف. رؤساء ما بعد الطّائف كانوا يحصلون على حصصهم الوزاريّة داخل الحكومات. هذا عرفٌ سائد حتّى ولو لم يكن موجوداً في الدّساتير والقوانين.

ج: طالما أنّ جميع الطّوائف تنتخبه، يجب أن يأخذ من كلّ الطّوائف. إن كان يريد ثلاثة وزراء، يستطيع أن يأخذهم من الطّوائف الثلاث الكبيرة. فليأخذ وزيراً مسيحيّاً ووزيراً سنيّاً ووزيراً شيعيّاً. لمَ يجب أن يأخذ وزيرين مارونيّين ووزير روم أو كاثوليك؟ من هنا نرى أنّه ينتقص من التّمثيل المسيحيّ. الإقرار بوجوب حصول الرئيس على وزراء ليس أمراً ثابتاً في الأصل، وفي حال حصل، يجب أن يكون توزيعه على كافّة الطّوائف، لأنّه بغير ذلك يكون بصدد تمثيل المسيحيّين من دون أن يكون ممثّلاً لهم، وهذه "تشليحة".

 

س: أنتم كأكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة انتخبتموه رئيساً في العام 2008.

ج: ما تقوله ليس منطقيّاً، فعندما ينتخب المرء رئيساً للجمهوريّة فلكي يمارس صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، ولا يعني ذلك أنّه بانتخابي له رئيساً للجمهوريّة يجب أن يتعدّى على حقوقي. هذا الأمر ليس مسموحاً لا له ولا لغيره. انتخبناه رئيساً للجمهوريّة وفقاً لصلاحيّاته. عندما تعيّن أحداً مديراً عامّاً، يكون لديه صلاحيّات معيّنة، وعندما تعيّن أحداً في رئاسة مجلس الإدارة تكون له صلاحيّات أخرى. للوزير صلاحيّات معيّنة، ولرئيس الجمهوريّة صلاحيّات معيّنة أيضاً. لا يستطيع أن يحذف سلطة أخرى موجودة في مكانها الطّبيعيّ.

 

س: ألا تعتقد أنّ هذه الخلافات الحكوميّة هي خدمة مجّانيّة لفريق 14 آذار؟ هذا الفريق يقول منذ تشكيل الحكومة إنّه يهدف لإسقاطها وحتّى ولو كان ذلك من خلال النّزول إلى الشّارع. خلافاتكم الدّاخليّة قدّمت خدمةً لفريق 14 آذار، وبدلاً من أن ينزل جمهوره إلى الشّارع نرى أنّكم أنتم لوّحتم منذ أسبوعين بالنّزول إلى الشّارع.

ج: اختلفنا معهم منذ الرّابع عشر من آذار. هم أطلقوا عليها تسمية حكومة حزب الله ولكنّها ليست حكومة حزب الله. من أين يأتي وليد جنبلاط؟ أليس من 14 آذار؟ من أين يأتي رئيس الحكومة؟ أليس من 14 آذار؟ ومَن جاء بفخامة الرئيس رئيساً للجمهوريّة؟ أليس فريق 14 آذار؟ هناك إثنا عشر وزيراً في هذه الحكومة يصوّتون ضمن نهج 14 آذار، والبرهان على ذلك هو أنّ رئيس الحكومة حافظ على كلّ "establishment" الموجود من دون أن يغيّر فيه أيّ شيء. قطع على نفسه نذراً، إن وصل إلى رئاسة الحكومة فلن يغيّر شيئاً. (ضاحكاً).

 

س: هو يعتبر أنّه لا يريد أن يتعامل بكيديّة مع وضعٍ قائمٍ أو مع أناس معيّنين. هذه هي الفكرة.

ج: كلاّ ليست هذه الفكرة. لا أحد يشجّع الكيديّة، ولكن عندما تكون المخالفات صريحة وكبيرة وضخمة على مستوى رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهوريّة، لا يجب السّكوت عنها. لست أتكلّم هنا عن موظّف "معتّر" وأريد ابعاده عن وظيفته لأنّه ينتمي إلى حزبٍ معيّن. جميع الذين نتكلّم عنهم ارتكبوا جرائم موصوفة وهناك دعاوى أُقيمت بحقّهم. كلّ شيء يُشلّ في الدّولة لئلاّ يقوم أحد ضدّ هؤلاء، وهذا الموضوع قديم جديد ولا يزال مستمرّاً. هناك استمرارية وهناك تمادٍ في الأخطاء المُحافَظ عليها رسميّاً من قبل الحكومة.

 

س: تقول إنّ هناك مكوّنات من 14 آذار في الحكومة. لمَ قبلتم من الأساس بأن يكونوا في هذه الحكومة؟ ألم تكونوا على علم بما سيكون موقف وليد جنبلاط ووزرائه وموقف ميقاتي ووزرائه؟

ج: كلاّ لم نكن نعلم. نحن نعلم أنّ من ينتقل من مكانٍ إلى آخر، يكون قد انتقل. ولكنهم انتقلوا كلاميّاً ولم ينتقلوا فعليّاً.

 

س: هل أنتم نادمون اليوم لأنّكم تعاونتم معهم أو لأنّكم دخلتم معهم في نفس الحكومة؟

ج: كلاّ، ليس هناك أيّ ندم. هناك أمر واقع معيّن، وجميعكم تعلمون أنّ البلد يمرّ بأزمةٍ كغيره في المنطقة، وبالرّغم من كلّ الجوّ المتأزّم في منطقة الشّرق الأوسط، لبنان حافظ على استقراره. أريد أن أذكّر اللّبنانيّين بما قلته سابقاً: كانوا يقولون "تحبل أينما كان وتلد في لبنان، ولكن هذه المرّة حبلت في العام 2006 في لبنان وهي تلد الآن في كلّ مكان". كان لهذا الاستقرار ثمن، ونحن من ندفع ثمنه. الأقوياء في لبنان يدفعون ثمن الاستقرار، لأنّه لو كان الحكم للضّعفاء لكنّا وصلنا إلى الشّارع.

 

س: الرئيس السّنيورة يعتبر في حديثٍ لصحيفة النّهار اليوم أنّ تجربتكم في الحكم لم تحصد إلاّ الفشل تلو الفشل، وأنّ هناك فضائح وارتكابات في وزارة الطّاقة وفي وزارة الاتصالات، كما يتكلّم عن المازوت الأحمر وتصحيح الأجور، ويقول إنّ هذه الحكومة نجحت في تعميم التّعاسة والبؤس على النّاس.

ج: "ما صار إلنا بالقصر، إلاّ من مبارح العصر"، كما يقولون. هذا الإنسان فاقد لحسّ القياس ولا يجوز له أن يتكلّم. منذ العام 1993 وحتّى تشكيل الحكومة في العام 2011، كانت السّياسة الحريريّة مسيطرة على كلّ الحكومات، ولم تُحترم قواعد الحسابات العامّة، كما أنّ المواد الدّستوريّة في إدارة المال لم تكن مُحترمة. نسأل هذا الرّجل الذي يتكلّم عن الفضائح أين ذهبت الهبات؟ أين ذهبت سلفات الخزينة غير المسدّدة؟ أين ذهب قطع الحساب؟ هذا الرّجل لا يملك أيّ صفة من صفات رجل الدّولة كما أنّ ملفّاته كبيرة جدّاً. نحن ندعوه لأن نذهب معاً إلى المحكمة. لا يجوز أن يتّهم النّاس بصفاته. فليتفضّل وليقدّم وثيقةً واحدة تتضمّن إدانة لنا. كلّ ملفّ وزارة المال يدينه. أقول ذلك أمام كلّ الشّعب اللّبناني، والملفّ موجود، والتّقرير صادر عن البنك الدّولي، وهناك تقرير آخر صادر عن شركة "oracle" التي اهتمّت بقطاع الـ"IT" في وزارة المال. كلّ ذلك موثّق وموجود وهو يأتي الآن ليقول إنّ هناك فضائح؟!! الفضائح موجودة لديه، في ورأسه ودماغه وقلبه.. إنّه ممتلئ بالفضائح، حتّى أنّ وجوده بات أكبر فضيحة. كلّ هذه الفضائح موجودة وموثّقة. فليتفضّل فؤاد السّنيورة ومن يلفّ لفيفه ويظهر لنا إدانة موثّقة واحدة بحقّنا. كلّ الوثائق التي بحوزتنا تدينه. هناك خمسة عشر حكمٍ بحقّه من ديوان المحاسبة.

 

س: تقولون دائماً إنّ لديكم ملفّات. لمَ لا تفعّلون هذه الملفّات؟

ج: ج: لمَ برأيك نطالب بالقضاء؟ فليتحرّك القضاء. ما أقوله هو إنّ هناك أناساً تعمل ضدّنا. هناك أناس في الحكومة ليسوا معنا ويمنعوننا من أن نحرّك المؤسّسات لتقوم بوظائفها. ما الذي يقوم به التّفتيش المركزي مع كلّ ما نسمعه من مشاكل وفضائح في البلد؟ هم يقومون بالتّحقيق الآن بقضيّة المازوت، وستصدر نتيجة التّحقيق ونرى أين تكمن الفضيحة!! نسمع لجنة الطّاقة النيابيّة تتكلّم عن الكثير من الفضائح!! التّحدّي الكبير لا يكمن في الكلام عن الفضائح إنّما يكمن في المستمسكات التي تحملها بين يديك، وتكون جاهزاً للذّهاب إلى المحكمة. ولكن من الذي يوقف عمل المحكمة؟ نحن لا نشكّل السّلطة كاملة، كما أنّنا نقاتل لكي نمارس صلاحيّاتنا، وهنا يشلّوننا.

 

س: طالما أنّكم تملكون المستمسكات والملفّات، تستطيعون أن تعرضوها على الرّأي العام ليعرف الشّعب أين تكمن الأخطاء وأين حصلت الأمور الخاطئة. أنت تقول إنّهم يمنعونكم من أن تصلوا إلى خواتيم الأمور ولكن هناك أبواب مفتوحة تستطيعون بواسطتها وضع كلّ هذه الأمور أمام الرّأي العام، وليحكم هو بها.

ج: نُشر قسمٌ من تقرير البنك الدّولي في الجريدة. كما أنّ هناك ملفّ مقدّم من وزارة الطّاقة في العام 2009، وجدنا أنّ هذا الملف مُحال للحفظ. هل من الممكن أن تُحال قضايا ماليّة للحفظ؟؟!! هذه أوّل مخالفة يمكن تسجيلها على القضاء. أريد أن أسالك عن ذلك كونك صحافيّ ومطّلع على الأجواء أكثر منّي.

 

س: من المؤكّد أنّكم سألتم وراجعتم.

ج: جاءنا جوابٌ من المدّعي العام بأنّ الملفّ مُحال للحفظ. بدلاً من أن يقوم المدّعي العام الجديد بفتح هذا الملفّ مشيراً إلى أنّ ما حصل هو مخالفة كبيرة ولا يمكن إحالته للحفظ، وبدلاً من أن يقول إنّه من الواجب إعادة فتح هذا الملفّ لأنّه ملفّ مالي كبير يتضمّن هدراً لأموال الدّولة، بات علينا التّجادل معه لإعادة فتحه، وردّ علينا نوّاب يومها. إمّا أنّ هناك تجاهل أو أنّ هناك جهل للقوانين. كيف من الممكن أن تُمارس السّلطة من قبل أشخاصٍ يجهلون القوانين؟ ألا يعتبر ذلك كارثة؟ بات علينا المجيء بأميّين إلى الحكم لكي يتمكّنوا من التّفاهم معهم.

 

س: تتكلّم الآن عن الرئيس السّنيورة بردّ حادٍّ على كلامه..

ج: حادّ؟؟!!

 

س: نعم.

ج: لأنّه وقح.

 

س: ولكنّه كان جارك في الكنيسة، فقد جلستم جنباً إلى جنب في قدّاس مار مارون.

ج: كفى مزاحاً.

 

س: ألم تتحدّثا؟

ج: كلاّ لم نتحدّث.

 

س: فقط سلام؟

ج: سلام يأتي من ضمن اللّياقة الاجتماعية.

 

س: هل أزعجك الجلوس إلى جانبه؟

ج: يجب أن تسأله هو إن كان منزعجاً. وإن كان منزعجاً، فمن المؤكّد أنّ الشّعور سيكون متبادلاً.

 

س: بما أنّنا فتحنا موضوع قدّاس مار مارون، حصلت إشكاليّة كبيرة. حصل كلام على مدى يومين عن أنّك تأخّرت وخرقت البروتوكول الذي يفرض دخول جميع الشّخصيّات السياسيّة إلى الكنيسة قبل دخول رئيس الجمهوريّة ورئيسي مجلسي النّواب والحكومة. هل فعلاً تعمّدت الوصول متأخّراً؟

ج: أطلب من الذين بنوا على هذه القصّة وتكلّموا كثيراً ومن كانوا وراء التسريبات الصحفية، أن يتفضّلوا ويسألوا الذين كانوا مولجين بتأمين السّير على الطّرقات المؤدية الى الكنيسة بدل أن يطرحوا عليّ السّؤال، لكي يعرفوا أين قصّروا في ترتيب الوصول وكيف كانت العرقلة، ولولا ذلك التقصير لما كانت لتصدر كلّ هذه الأقاويل عن الموضوع.

 

س: لم حصلت المشكلة فقط معك من قبل المسؤولين عن التّرتيبات؟

ج: معي أنا فقط؟؟!! هناك حوالي السّتين نائباً وشخصيّةً لم يصلوا في الوقت المحدّد. ولكن النّاس صفّقوا عندما دخلت، فكان دخولي ملفتاً للأنظار، وبما أنّ مقعدي كان في الأمام، استطاع الذين يجلسون في الصّفوف الأماميّة أن يرونني وصلت، ولكنّهم لم يروا السّفيرة الأميركيّة تأتي سيراً على الأقدام، وغيرها أيضاً من الذين تأخّروا.

 

س: إذاً لم تكن أنت الوحيد الذي تأخّر؟

ج: بالطبع لم أكن الوحيد.

 

س: ماذا عن موضوع الغداء؟ فقد قيل إنّه ما إن انتهى القدّاس، غادرت من دون البقاء على مائدة الغداء. لماذا؟

ج: منذ تمّت دعوتي، أبلغت سيادة المطران مطر أنّني لن أكون حاضراً على مائدة الغداء.

 

س: خلال الغداء، قال البطريرك الرّاعي للرّئيس سليمان "قلبك كبير وتستوعب الجميع، وفي كلّ مرّة تصل إساءة لشخصك هي بمثابة الإساءة لكلّ اللّبنانيّين". هل هي رسالة للعماد عون؟

ج: لا تعطي نوايا لغبطة البطريرك، وأنا لن أُجيب على استنتاجاتك الشّخصيّة. نحن تصلنا أيضاً الكثير من الإساءات، وكلّ هذه الإساءات هي بحقّ جميع الذين نمثّلهم. لنرَ الحجم التّمثيلي لكلّ منّا، ولنحدّد مقدار تحمّل كلّ منا للإساءات.

 

س: أريد أن أدخلَ الآن في تفاصيل ما حدث في جلسة مجلس الوزراء، في ما يخصّ بدايةً تعليق الجلسات. هل برأيك تعليق الجلسات من قِبَل رئيس الحكومة مرتبطٌ بقضية تعيين رئيس الهيئة العليا للتّأديب أم هناك قطبة مخفية؟ أم هناك كما ذهبَت بعضُ التّحليلات لتقولَ إنّه تهرّبٌ من استحقاقاتٍ معينة أم ماذا برأيك؟

ج: عندما يريدُ أحدُهم أن يخلقَ عذراً كي يتهرّب، يجب أن يكون على الأقل عذرُه مقبولاً. ولكن عذرَ الرّئيس ميقاتي غيرُ مقبول، والمادة 65 من الدّستور توجبُ عليه أن يتابعَ كلّ جلسات مجلس الوزراء دَوريّاً، أي لا يجب أن يتوقف المجلس عن العمل. وإذا أردنا أن نأخذَ جوّ الجلسة، يحاولُ رئيسُ الحكومة أن يفرضَ سلطتَه فرضاً في مجلس الوزراء، بينما المادة 64 على ما أعتقد، تقول "بالتّوافق"، أو بالتّصويت في حال لم يحصل توافق. هو لم يتوافق ولم يصوّت. عندما يفرضُ سلطتَه، وبمعاونة رئيس الجمهورية الّذي قالَ إنّ مركزَ رئيس الوزراء بعد الطّائف هو أهم من مركز رئيس الجمهورية وإنّه يجب أن تتم إطاعته، رأى الوزراء أنفسَهم وكأنّهم عادوا إلى الصّف الأول ابتدائي ولديهم أستاذ!

 

س: هذا الكلام قيلَ في مجلس الوزراء؟

ج: نعم، قيلَ في مجلس الوزراء. إذاً، لقد تجاوزَ الرّئيس ميقاتي صلاحيتَه من ناحية إدارة الجلسة وتعدّى على صلاحيات غيره ، كان يتوجّب عليه أن يطرح الموضوع بالتّوافق. وعندما يدعو الوزراء للتّوافق على أسماء، يفترض أن يكونوا على علم مسبق بالأشخاص، لا أن تعلَن الأسماء مباشرةً خلال الجلسة! أن أتوافق معك على شخصٍ ليشغر وظيفةً معينة، فيتوجب عليّ أن أعرفَه مسبقاً. لم يقم الرّئيس ميقاتي بالإجراء الطّبيعي ويسأل الآخرين. من ناحية ثانية، هو تجاوز في تعليقه جلسات مجلس الوزراء مادّةً دستورية. هذه هي الفوضى، ولهذا نحن نتجادل معهم دائماً.. هناك معالم للحكم ويجب أن تُحتَرَم، فالمواد القانونية تفرض أسلوباً معيّناً في الحكم.

 

س: يُقال إنّ وزيرَ العدل كان مطّلعاً على الاسم. فالرّئيس ميقاتي كان قد طلبَ أسماءً معيّنة، ومن بينها إسم القاضي بخعازي الّذي طرحَه، وكان لوزير العدل علم به.

ج: لقد أجابَ وزيرُ العدل خلال جلسة مجلس الوزراء أنّه لم يكُن يعلم لماذا سئل، لم يُسأل عن الوظائف إنما عن الأشخاص. إذا قلتَ لي مثلاً "ما رأيك بالقاضي فلان؟"، وأجبتك إنّه "إدامي"، فهذا لا يعني أنّي وافَقتُ عليه ليُعيَّن في وظيفة ما. إذا سألوني "ما هو رأيك بالأستاذ جورج صليبي؟"، سأجيب بأنّه "إعلامي كفوء"، ولكن هذا لا يعني إنّي وافقت على تعيينك في ال OTV مديراً للأخبار! هذا هو سبب المشكلة بالأساس، ولقد تعوّدوا أينما كان أن يتجاوزونا في هذا الموضوع.

 

س: ولكن لماذا لم يحصل تصويت؟

ج: رئيس الحكومة هو من يطرح التّصويت.

 

س: ولكن أليس بإمكان الوزراء أن يدعوا للتّصويت على هذا الموضوع أو أن يطلبوا التّصويت؟

ج: رفعَ الرّئيس الجلسة.

 

س: يُقال إنّه رفعَ الجلسة لأنّ وزراءَ التّكتل قد بدأوا بالخروج.

ج: كلا لقد خرجَ أحدُهم وتحدّثَ معي. هم لم يغادروا، بل خرجوا ثمّ عادوا.

 

س: حسب المعلومات الّتي سمعناها والّتي سرّبَت عن كواليس الجلسة، غادرَ الوزير نحّاس، غادرَ الوزير باسيل، عندها رفعَ رئيسُ الجمهورية الجلسة.

ج: بقي هناك نصاب. النّصاب من 20 شخصاً، وهو كافٍ للتصويت .

 

س: ولكن عندما بدأوا بالخروج، الواحد تلوَ الآخر.. ارتأى عندها رئيسُ الجمهورية أنّه من المفروض أن تُرفَعَ هذه الجلسة.

ج: فَليطرح التّصويت! هم 30 وزير، حتى لو غادرَ 10 منهم، يبقى هناك 20، ويطرح التّصويت عليهم، يربح إذا أخذَ الثّلثَين.

 

س: بالنّسبة لمرسوم النّقل، لماذا لا يريدُ وزيرٌ أن يُوَقّعَ مرسوماً قد تمّ أخذُ قرارٍ به داخل مجلس الوزراء بأغلبية 19 وزير؟

ج: "بسيطة" جدّاً. قبل جلستَين سابقتَين، أخذَت الحكومة قراراً بقانونٍ لزيادة الأجور، وعندما عُرِضَ على مجلس الشّورى، "طار" لأنّه غير قانوني. عادَ الوزير شربل نحّاس وتقدّم بمشروع قانون: أيضاً "طار" لأنّ المجلس الدستوري اعتبرَ كلّ المراسيم الّتي أعطَت الحق في تعويض نقل غيرَ قانونية وغيرَ شرعية. واليوم، يأتون ليقولوا للوزير شربل نحّاس إنّهم أتخذوا قراراً ويدعونه لأن ينجز قانوناً غيرَ شرعي!! أي أن يوقّع على مرسوم يعطي تعويض النقل الّذي سبق ورفضَه مجلس شورى الدّولة.

من ناحية أخرى، عندما حصلَ الاجتماع بين أرباب العمل والعمّال معي أنا شخصياً. قلنا لهم إنّ هناك حلَّين: هناك حلٌّ أنجزَه الوزير نحّاس وهو قانونيّ مئة بالمئة، وهناك الاتفاق الرّضائي الّذي يحتوي على بندٍ لا يمكننا أن نقَوننَه وهو تعويض الانتقال. قلنا لهم: إذا أرَدتُم أن تختاروا، عليكم أن تختاروا بين الإثنَين. إذا اخترتُم الاتفاق الرّضائي تأخذون الحد الأدنى للأجور وتأخذون الشّطور السّارية معه، أما تعويض الانتقال فيبقى اتّفاقاً رضائياً، أو يتوجب عليكم أن تأخذوا فتوى قانونية من مجلس الشّورى تقول إنّه شرعي. وأعتقد أنّه كان من المستحيل أن يأخذوها لأنّ مجلس شورى الدّولة ألغى كل هذه المراسيم.. وحتى لو وافقَ مجلسُ الشّورى على المرسوم، يمكن لأي أحد، لأي نائب أن يتقدم بطعن ويسقطه. ما هذا اللّعب؟! هل نحن أولاد نلعب أم مسؤولون في حُكم؟!

 

س: ولكن رأي مجلس الشّورى ليس ملزماً للحكومة حسبما نعرف.

ج: كلا، لقد أتخذَ قرارات، الأمر ليس مجرّد استشارة. لقد أخذَ قراراتٍ بإلغاء كلّ المراسيم، وهذا غير الاستشارات. من جهةٍ أخرى، لماذا نستشيرُه نحن؟ إذا كنا لا نريد أن نحترمَ ما يصدر عنه، فلماذا نستشيرُه؟! وما الغاية الموجبة؟

 

س: ولكن هناك مرسوم قائمٌ منذ 16 عاماً، أي أنّ بدلَ النّقل موجودٌ منذ 16 عاماً، ويُدفَع. الآن يُنجَز قانونٌ مُشرّع، أي على مدى 16 عاماً هذا عُرفٌ يتحوّل إلى قانون، الآن تريد الدّولة أن تُشَرّعَه كي لا يكونَ منّةً من أصحاب وأرباب العمل للعمّال، بل يصبحُ قانوناً مُشَرّعاً، أين الخطأ في ذلك؟ من جهةٍ أخرى، يبدو وزيرُ العمل وكأنّه يتمرّد على قرارات مجلس الوزراء مجتمعاً.

ج: هذه كلمة كبيرة. إذا خالفَ وزيرٌ واحدٌ أو خالفَ عشرةُ وزراء، أتتغيرُ طبيعةُ المخالفة؟! هناك مخالفة إجمالية يرتكبونها. من جهةٍ أخرى، إذا كانوا يعتبرون أنّ لهم الحق فيها، فَليضمّوها للرّاتب! هل يأخذُ أحدُهم مالاً لمدّة 16 عاماً ويبقى بمعزل عن الرّاتب؟ كلا يجب أن يكونَ ذلك جزءاً من الرّاتب.

 

س: ولكن هذه سابقة الآن. ماذا لو قامَ وزراء آخرون بالأمرِ نفسِه؟ مثلاً إذا قالَ لك وزيرُ المال محمد الصّفدي إنّه ليس هناك من موازنة الآن، وإنّ ال8900 مليار الّتي طلبَها من مجلس النّواب لم يقرّوها له، ماذا لو قالَ لك إنّ هذه أيضاً مخالفة بأنّه يوقّع سلفات خزينة كل شهر؟ إذ قد يمتنع عن توقيعها..

ج: تتحدّث وتطرح الوضع بشكلٍ غير صحيح. على الوضع أن يكونَ قانونياً، وعندها يصبح ملزِماً للوزير ولرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة أيضاً. حتى لو صوّت هذا الأخير ضد وكان القرار قانونياً، فهو ملزِم. أما إذا كان القرارُ غيرَ قانوني، لا يمكنك أن تُلزِمَه. عندما انخرَطت في الجيش، كان الانضباط يُلزمُ الجنود: نفّذ ثمّ اعترض! بعدها، تطوّرَ القانون، وصار بإمكان العسكري أن يرفض تنفيذ الأمر إذا كانَ الأمرُ غيرَ شرعي، نعم صار للعسكري الحق أن يرفضَ تنفيذ أمر غير شرعي. فإذا كانت هذه هي الحالة عند العسكر، فكيف إذا في مجلسِ وزراء، على كلّ شخصٍ فيه مسؤولية وزارته وهو مجبَرٌ أن يحافظ على القوانين ويطبّقَها؟ هذه هي المهمة الأساسية للوزير.

 

س: ماذا لو صدر قرارٌ اليوم بتغيير حقيبة الوزير شربل نحّاس؟ إذ كان هناك موقف من رئيس الجمهورية يقولُ فيه إنّه إن لم يحصل توقيع لهذا المرسوم، هناك حلَّان: إما طرح الثّقة أو إقالة الوزير ما يتطلّب أكثرية الثّلثَين داخل مجلس الوزراء. تغيير حقيبتِه يتطلّبُ مرسوماً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ممّا هو أسهل من الاحتمال الأول.

ج: فقط مرسوم؟!

 

س: ما هي الطّريقة؟

ج: عندما يأخذُ الوزيرُ الثّقة، لا يعود لأحدٍ القدرة على تغييرِه. لا أحد يقدر أن يبدّل له حقيبته.

 

س: لا يمكن لأحدٍ أن يبدّلَ حقيبتَه؟

ج: كلا، يمكنهم أن يُسقِطوه في المجلس النيابي، ولكن لا يمكنهم أن يبدّلوا حقيبتَه.

 

س: حتى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لا يمكنهما أن يبدّلا حقيبتَه؟

ج: كلا لا يمكنهما! ما هي حصانة الوزير إذاً؟! هل يريدون أن يكون الوزير حاجباً لديهم؟؟ العَوَض بسلامتك! ماذا سيطبّق عندها؟ يدقون له على الجرس فيأتي!! كلا، ليس هذا واجب الوزير، واجبه المحافظة على القوانين. أخذَ الثّقة على أساس أنّه وزيرُ العمل. يمكنك أن تطرحَ الثّقة به في مجلس النّواب، وعندها لا أحد بإمكانه أن يعرف من يبقى، ومن "يفل". هذه التّهديدات أشبه بشخصٍ يهدّدُ نفسَه. يقولُ لك إنّه إن لم تقبل بكذا، سيستقيل. فَليستقل من يريد الاستقالة، ولا يقول إنّه سيقيل أو لا يقيل. من يقدر أن يقيل، فَليقل. من يقدر أن يغيّر، فَليغيّر. ستصبح الجريمة مزدوجة، الجريمة الأولى هي أنّهم يريدون أن يفرضوا على الوزير نحّاس قانوناً غيرَ شرعي، والجريمة الثّانية هي أنّهم يتجاوزون الصّلاحية عليه ويرتكبون بحقِه تغييراً لا يحقُ لهم أن يقوموا به.

 

س: وماذا عن أكثرية الثّلثَين الّتي يحتاجُها مجلسُ الوزراء لطرح الثّقة به وإقالته؟

ج: ولكن هل المسألة سهلة هكذا؟

 

س: ماذا لو توفّرَت أكثرية الثّلثَين؟

ج: لا بأس، عندها "تطير" الوزارة كلّها.

 

س: أي أنّ هذه هي المعادلة؟

ج: وهل الوزير نحّاس "مقطوع" من شجرة؟! هو جزءٌ من تكتلٍ فيه عشرة وزراء داخل الحكومة!

 

س: أي أنّه إذا تمّ المس بشربل نحّاس، "تطير" الحكومة كلّها؟ هل هذه هي المعادلة؟

ج: طبعاً، هذه هي المعادلة. لو ارتكبَ الوزير شربل نحّاس أخطاء، نحن لا نقبل به. لو ارتكبَ أيُّ وزير أخطاء وتجاوزَ صلاحيتَه تكراراً ولم يصلح، نحن لا نعود نقبله. نحن تكتل التّغيير والإصلاح، أي تغيير وإصلاح! نلتزمُ بالقوانين. إنّما هذا افتراء، هذا استعداء، هكذا نفهمه نحن! نحن لا ندافع عن أنفسِنا، نحن الحق إلى جانبِنا، وهم يعتدون علينا! 

  • شارك الخبر