hit counter script
شريط الأحداث

دستور 2009

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠٠٩ - 10:01

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
في الظاهر، دستور يحكم قواعد اللعبة الديمقراطية في لبنان، انما وراء الكواليس ثمة توازنات معقدة تبدأ في الطائفية والاقطاعية والاعتبارات الحزبية ولا تنتهي في توازنات اقليمية وحتى دولية الى ما وراء المحيطات... والاكثر غرابة من كل هذا دخولها جميعاً في تفاصيل كل شاردة وواردة بدءاً من تعيين الحاجب حتى انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا حاجة في شرح دقائقها ومجرياتها.آخر ما رشح على صعيد تشكيل الحكومة العتيدة، باكورة توازن من الطراز الحديث ترتكز على تسوية قوامها توزير راسبين بالتعادل بين فريقي الموالاة والمعارضة وبذلك يكون قد تم كسر جدار الجليد بين الفريقين وعاد الوزير جبران باسيل لتولي حقيبة وزارية وان كان قد رسب في الانتخابات الاخيرة لكن مقابل توزير أحد أقطاب قوى 14 آذار وهذا ما رشح من مجمل ما تم تسريبه في الايام الماضية من أكثر من طرف.
لكن معنى ذلك أن سجل تأسيس "الجمهورية الثالثة" بات يعبق بالسوابق والمواثيق الشفهية بين القوى الاساسية في لبنان،  فمن تكريس " الحصة المحفوظة" لرئيس الجمهورية الى فرض مبدأ ترك الكتل النيابية التي يتألف منها المجلس النيابي تسمي وزراءها (وهو مكسب سياسي استطاعت قوى المعارضة فرضه وهو ما ينتقص  من قدرة رئيس الحكومة على فرض وزراء وانتقائهم  رغم اعطائه من قبل "الطائف" صلاحيات واسعة في هذا المجال) ، الى تمكن المعارضة من الضغط لتقليص قدرة رئيس الحكومة المكلف على اطالة أمد التكليف وهو ما تجلى باعتذاره عنه منذ اسابيع، وسواها من المعادلات التي باتت تظلل نمط الحكم في لبنان وقواعد ممارسة الديمقراطية التي أصبحت صورة تطبيقها مختلفة عن تلك التي عرفها لبنان بعد الاستقلال في العام 1943 وحتى مطلع الاحداث في العام 1975.
هذه المتغيرات والتطورات المهمة في آلية الممارسة السياسية اذا كانت تحمل ايجابيات ما، فانها لا شك تؤشر الى منحى يسير نحو تغيير اسس النظام في لبنان اذ لم يعد لمجرد تطبيقها حاضراً من صلاحيات واسعة لا بيد رئيس الجمهورية ولا بيد رئيس الحكومة ولا حتى بيد الوزراء، بل الغلبة اضحت للاحزاب والقوى السياسية التي باتت هي التي تفرض الرؤساء والوزراء، وهي التي تمسك بالمحرك التشريعي وبادارة النظم المالية والاقتصادية والسياسية وكذلك تتحكم بالسلطة التنفيذية في لبنان، وعليه لا يمكننا بعد اليوم كرجال قانون أن نقول أن نظامنا ما زال كما كان في العام 1943 ولا في العام 1989 بل نحن في ظل نظام العام 2009 حيث القرار بيد قوتين سياسيتين تتجاذبان حتى تتوافقان على تركيب قواعد النظام السياسي وتسمية مَن من المفترض أن يتولى شؤون البلاد والعباد من رأس الهرم الى أسفله.ليس من الضروري أن يكون هذا النظام الحديث سيئاً وغير قابل للتطبيق لكن فيه الايجابيات والسلبيات، وكم من البلدان المتقدمة تتحكم بها الاحزاب السياسية بدءاً من انكلترا الى اسرائيل الى الولايات المتحدة.
لكن علينا أن نذكر في هذا المجال أن الصوت المحايد في الانظمة تلك يذوب حيث تنشط المحادل السياسية ولنا تجربة غير بعيدة في هذا المجال، في حين أن المواطن مخيَر أن يقوم باصطفافات قد يكون غير متحمس لها لكنه يدرك أنه بدعمه مرشحاً حيادياً لن يؤتى له الثمار المرجوة كما أن احدى السيئات التي تشهدها هذه الانظمة دون شك هي وفر حظوظ الحزبيين في تولي المناصب السياسية على حساب التكنوقراط، وهو ما ينعش التوق الى  تسخير قدرات الوزارات والادارات الرسمية لحساب الاحزاب على حساب مصالح المواطنين عامة.
يبقى أن نشير الى أن القوى السياسية، ومن خلال تجربة الحكومة الماضية، قد خضعت لامتحان أدركت صعوبته عندما تولى نوابها ووزراؤها المسؤوليات فكان تسابق أحياناً على اساءة استعمال السلطة لممارسة النكايات السياسية والاخذ بالثأر السياسي من المعارضين لهم وهو ما أدى الى انتقادات لهم ممن كانوا تواقين الى استعمال السلطة وفقاً للاصول بعيداً عن المصالح الخاصة.عسى أن تكون الحكومة المقبلة تجربة اضافية فتكون ترجمة لحسن النوايا لان ليس الحكومة فقط على المحك بل النظام السياسي ككل ليبقى سؤال جوهري، هل ينجح تطبيق النظام الجديد أم يكون الفشل مقدمة لسقوط النظام الحزبي في لبنان بعدما أصبحت القوى السياسية وحدها اليوم تمتلك زمام الحكم والمبادرة والقرار السياسي وان كان لها دعم اقليمي أم دولي، لكن اليد لبنانية والصناعة السياسية محلية مئة في المئة.
بقلم المحامي لوسيان عون
  • شارك الخبر