hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

الكويت... لا ربيع من دون أحزاب

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٢ - 06:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تدخل الكويت فصلها التشريعي الرابع عشر، وسط آمال وطموحات شعبية وسياسية، زادها الربيع العربي ثقة واندفاعاً، فاجتمعت في التطلع إلى ربيع في البلاد، لكنها انقسمت إزاء ماهيته وشكله وحول الثمر الذي يجب أن يُزهر في حقول السياسة.
فالتنوع السياسي الذي تعيشه الإمارة الخليجية التي سبقت كثيراً من العرب في تأسيس دولة يحكمها دستور منذ العام 1962 وبرلمان حقيقي منتخب منذ 1963، أحدث تناقضات في الأفكار والأهداف السياسية، بين قوى ليبرالية تتطلع إلى إطلاق الحريات وتحنّ إلى الحراك الثقافي في الستينيات والسبعينيات، وقوى شيعية تفضّل الحفاظ على علاقة جيدة مع الأسرة الحاكمة، وقوى إسلامية "وسطية" تتبع نهج "الإخوان المسلمين" وترى ربيعها في الوصول إلى السلطة كما في مصر الحالية، وصولاً إلى قوى إسلامية متشددة تهدف إلى تطبيق الشريعة، وتملك أموالاً ولها ثقل حيث نجحت في لجم كثير من الحريات.
إلا أن هذا الواقع لا يعني وجود برامج سياسية واقتصادية واضحة ومفصّلة، إذ غابت هذه البرامج عن الحملات الانتخابية، حيث طغى الاستقطاب السياسي بشعارات عامة، وأحياناً الاستقطاب القبلي والمذهبي، خصوصاً مع عدم وجود أحزاب واقتصار الحراك على قوى سياسية واجتماعية تدور بشكل أو بآخر في فلك بعض النواب أو تتبع الحكومة.
الحراك السياسي وسط التناقضات جعل البلاد منذ سنوات، أسيرة لخلافات السلطتين التشريعية والتنفيذية، فتعطلت التنمية، على الرغم من وجود استقرار أمني وتوفر أموال طائلة من النفط، كان من الممكن أن تُوظف في التطوير، خصوصاً بعد التخلص من صداع صدام حسين في العام 2003.
المشكلة الأكبر أن الخلافات بين الحكومة والبرلمان تتشعّب إلى خلافات داخل الأسرة الحاكمة، وتمتد إلى نزاعات بين القوى السياسية وإلى تحالفات تتداخل وتتقاطع وفق القضايا المطروحة، التي قد تتمثل في طلب رئيس حكومة من خارج الأسرة الحاكمة، أو في محاربة الفساد وتعزيز الحريات، أو ربما في طلب إلغاء قروض المواطنين وزيادة الرواتب. الأهم أن هذه القضايا، التي تتجدّد وتتبدّل كل فترة شهر أو شهرين، ومنها ما هو ثانوي ومنها ما هو أساس ويتحوّل إلى أزمات، تبقي البلاد منشغلة بصخب يُبعدها عن السير نحو المستقبل.
ونجحت السلطة الحاكمة حتى الآن في منع وصول أي أزمة إلى نقطة اللاعودة، حيث كانت تحاول عند كل منها، إيجاد مخارج، من بينها استقالة الحكومة أو حلّ البرلمان، إلى درجة أنه منذ العام 2006، استقالت الحكومة سبع مرات وحُلّ البرلمان أربع مرات، آخرها في كانون الأول الماضي بعد احتجاجات ومواجهات غير مسبوقة.
ووسط مساعي السلطة الحاكمة لوضع حدّ للأزمات والاحتجاجات التي تقود تفاصيلها القوى السياسية، ترى بعض أجنحتها أن البلد غير جاهز بعد للحياة الحزبية، وهو أمر يعكس غياب الرغبة في تعزيز الديمقراطية، وفق بعض المعارضين.
في الحقيقة، إنّ وجود أحزاب من شأنه أن ينظم القوى السياسيّة ويسمح بإعطاء حراكها قوة مثمرة، بعكس ما هو قائم الآن، في الكويت وعند معظم العرب، حيث يسمع المواطن تصريحات لا تنتهي ويرى صخباً لا يهدأ، بينما المحصلة حاضر باهت ومستقبل مجهول.
فالأحزاب ترفع الحراك السياسي المقتصر في الكويت على الإعلام وتغريدات "تويتر" والندوات والديوانيّات وبعض الاعتصامات، إلى أجندات وبرامج وأهداف واضحة، تحول دون تشتّت الآراء المتقاربة والغرق في القضايا الثانويّة، وتساعد على وضع خطط وهيكليّات، بما يضمن استدامة الحراك ويعزز الإنتاجيّة.
وإذا كان البعض يعتبر أنّ مظاهر القبليّة تمنع نجاح الأحزاب، فعلى العكس، إنّ واقع القبليّة والحزبيّة كمظهرين متناقضين، يسمح للأحزاب بأن تساهم بشكل كبير في تخلّي الكثيرين عن التعصب القبلي لمصلحة الانتماء الحزبي، فضلاً عن كونها تساعد على تخفيف المذهبيّة.
من دون أحزاب، ستبقى القوى الفاعلة في الكويت تتناحر تارة وتجتمع طوراً، بينما تبقى المطالب المحقة تائهة في البازار السياسي، ويظل مسار كلّ ربيع يلوح في الأفق، خاضعاً لخريف مفاجئ.

  • شارك الخبر