hit counter script

- جهاد الملاح

"25 يناير": للثورة تتمة

الجمعة ١٥ كانون الثاني ٢٠١٢ - 07:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تفجرّت الثورات في العام 2011، في نسخة أكثر إنسانية من معظم ثورات وانقلابات العرب في القرن العشرين، فخلقت جدلاً واسعاً حول الظروف والأسباب التي جعلت تغييرات بهذا الحجم تتمّ من دون سابق إنذار من أرباب التحليلات والتوقعات السياسيّة، حتى من أعتى مراكز الغرب، التي تردّدت أولاً في ركوب الموجة الجديدة، قبل أن تتأكد أنّ ما يجري ليس فيلماً لميل غيبسون أو جيمس كاميرون.
فالإنذار الحقيقي كان يشعّ في قلوب الملايين التي امتلأت قهراً وجوعاً، وكان يتخفّى خلف عقول الأطفال، الذين ضجّوا بعقد نفسيّة تربّت على الخوف من زلّة لسان حول معنى الإنسان. وبالطبع، هذا الإنذار لا تراه المراكز العاتية، أو ربما لا يهمّها طالما أنّ شياطين البلاط تستهزئ به.
وإذا كانت التحليلات والإنذارات المسبقة قد غابت، فإنّ توقعات وتكهنات غير مسبوقة أعقبت الثورات العربيّة، فيما دفعت الفوضى والتناقضات البعض إلى التساؤل عن جدوى هذه الثورات، ومقارنتها بالاستقرار الأمني الذي كان موجوداً قبلها، أو مقارنتها بما أنجزته ثورات سابقة.
لا شك أنّ من حقّ كلّ الآراء والتحليلات أن تجد طريقها إلى التعبير، فحرية الرأي هي عماد الثورات وسببها الأصيل الذي تتفرّع من غيابه كلّ مصائب الشعوب العربيّة. كما من حقّ التشاؤم أن يقابل التفاؤل ويرافقه في كل حدث وخطوة بعدما جرى في أرض العرب. لكن هل يعني ذلك الترحّم على الماضي؟
أولاً، وبعيداً عن قواعد الديمقراطية وأصول العقد الاجتماعي السوي، إن أبسط تفسير لكرامة الإنسان والمواطن من شأنه أن يصدّ كل المترحمين على الماضي وعلى استقراره الأمني، إذ لا معنى لأيّ استقرار وسط قمع القلوب وضرب العقول ونشر الحذر واليأس والتفكك.
من ناحية أخرى، إنّ اتباع النهج العلمي المبسّط، في مراقبة الأحداث التاريخيّة، يدحض كل أفعال المقارنة الجارية من قبل البعض. فهل من المعقول، مع مرور سنة واحدة على بداية ثورة 25 يناير، المقارنة بين إنجازاتها وتلك التي حققتها ثورة 1952؟ أوليس من الإنصاف السؤال عما أنجزته ثورة 23 يوليو بحلول يوليو 1953؟
الشيء الأعظم الذي حقّقته ثورة جمال عبد الناصر، بغضّ النظر عن اختلاف الآراء بشأن مسارها، هو إنجازها المباشر، الذي تمثل بإحداث قطيعة مع ما قبلها ووضع حدّ لسبعة عقود من الاستعمار البريطاني. لكن خطوات التغيير بدأت بمرحلة انتقالية حكمها دستور موقت بين 1953 و1956. كما أنّ إنجازاتها الكبرى، مثل جلاء الجنود الأجانب وتأميم قناة السويس وبدء مشروع السد العالي، لم تتحقق إلا بعد أربع سنوات من تنفيذ انقلاب "الضباط الأحرار"، علماً بأن الحديث عن التطلع إلى تحقيق "أهداف الثورة" ظلّ يتكرر في خطابات عبد الناصر على مدى أعوام بعد 1952.
والحالة ذاتها تنطبق على معظم الثورات التي حصلت على جوانب ثورة عبد الناصر ورفاقه، حيث احتاجت أيضاً عدة سنوات لتحقيق بعض أهدافها، مع الاختلاف أن هذه الأهداف تمثلت بنشر الطغيان وتدمير الإنسان.
من هنا، فإن أول حكم على ثورة 25 يناير، التي تختلف طبيعتها عن طبيعة ثورة 23 يوليو، يفترض الحكم على إنجازها المباشر، وهو إسقاط نظام فاسد وظالم سرق ثلاثين سنة من أعمار شباب مصر، وضرب التعليم والاقتصاد ونشر الأمية والبطالة، وقتل الحراك الاجتماعي والحياة الحزبية ومنع التفاعل الوطني.
وقد أطلق إسقاط نظام حسني مبارك أملاً بمستقبل أفضل، ومن الظلم أن يُحكم على هذا الأمل بالفشل، خلال عام واحد. كذلك لا يفيد الغرق في لوم الثورة كونها أتت بإسلاميين إلى الحكم، فهؤلاء في الأصل مواطنون لهم الحق أن ينزعوا القيود عن أفكارهم وأن يتطلعوا إلى السلطة، بينما للآخرين حق مواجهتهم عبر الحراك السياسي والاجتماعي.
إن الثورة بحسب تعريفها الأنسب، ليست الانقلاب بحد ذاته أو تغيير النظام، بل هي المرحلة التي تعقب هذا الأمر وتمتدّ لسنوات. وبالتالي، فإن ثورة مصر لا تزال في بداياتها وفي أول المرحلة الانتقالية، وتحتاج وقتاً لتنال من الفساد المتراكم وتنهي عقلية ازدراء المواطن والإنسان.
الأهم وسط كل التطلعات والآمال المتداخلة والمتناقضة، أن يستمرّ شباب مصر في الحراك الثوري المنظم والمتأني الذي لا يستعجل النتائج، ولعلّه يؤسس أحزاباً وقوى شبابية، تقرأ التاريخ جيداً لتدفع نحو نجاح الثورة، وتمنع من تشجيع أي طرف على السير نحو الطغيان.

  • شارك الخبر