hit counter script

- جهاد الملاح

ليست دولة أبيه!

الجمعة ١٥ كانون الثاني ٢٠١٢ - 07:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تبتعد السياسات الصادقة عن الغرق في الكلام الرنان المغلّف بأشباه المنطق وتتجنب الخطابات الإعلامية التي تصبح على وعود وتمسي على آمال، فهي تتحرك بصمت من ذهب، في عمل جدي تُستوحى صناعته من التجارب المتراكمة لشرائع الإنسانية ومن قيم الوطن وفقه الدولة.
أما في نظام لبنان، القطعة من أنظمة العرب، فتجتاح الشاشات والصفحات أفعال التصريح على اختلافها، بين من يرى ويُعلن ومن يؤكد ويشدد، بينما تَندر أفعال القيم السياسية، فقليل من يُنفذ أو من يحاكِم ويحاسِب، حتى أضحى البلد أشبه ببرامجه الحوارية التي يملؤها الصخب وتقودها الجمل الاعتراضية المزينة بشتائم الاختلاف، ومحصلتها عند الوطن والمواطن صفر.
واللافت أن الاختلاف الذي يتحكم بلبنان، يُعطي السياسيين نعماً تتخطى حجة وجودهم، إذ أنهم يحملونه على أول ألسنتهم الطويلة، ليدلوا به عند سؤالهم عن المسؤولية. وبالطبع يلقون بالمسؤولية على عاتق الاختلافات والخلافات، لتضيع، كما ستضيع كارثة الأشرفية وغيرها، بين كثرة المسؤولين الذين يجهلون آداب الدولة، أو ربما يعرفونها ويهملونها لأن الشعب تعوّد الاقتناع بفلتات ألسنتهم.
ووسط هذا الواقع الذي تطغى عليه المبادرات الكلامية للمسؤولين، من سياسيين وغيرهم، من دون أفعال مجدية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف قفز النقاش الإعلامي والسياسي، بعد كارثة الأشرفية، مباشرة إلى الحديث عن السياسة الاستباقية، بينما البلد يفتقر أصلاً للمسؤولية اللاحقة للمشاكل والكوارث؟
فقد وقعت كارثة الأشرفية واستشرت المأساة من وراء الغبار الأحمر، وتبعها كلام ساعات وفتات أموال. أما بعدها، فإهمال أكيد ونسيان يُرمى في أسفل الذاكرة، في دولة لا يتذكر ساستها إلا خصوماتهم وقواعد بقائهم، وربما بعض ملفاتهم القديمة، التي يعرضونها على الشاشات، حتى أصبح أطفال المدارس في القرن الحادي والعشرين يتشاجرون حول "اتفاق القاهرة" و"حرب السنتين" و"اتفاق 17 أيار"، لتبقى أبجدية الحرب تعيش فيهم وتقود مستقبلهم.
وإذا كان النسيان والإهمال هما القدر اللاحق للمأساة والكوارث في لبنان، فلا ينتظرنّ أحد في زمن قريب أن يُنفذ الساسة واجب الاستباق الجدي، لتطبيقه في مفاصل الدولة ووزاراتها انطلاقاً من النهج الوقائي، فمعظمهم تعوّد حصر الاستباقية في جمع السلاح والعتاد من أجل فتنة مستقبلية أو في مهاجمة معارضيه خوفاً من ملف فساد قد يفكر أحد في فتحه.
إن الواقع السياسي اللبناني الذي يمنع تفاعل السلطتين التشريعية والتنفيذية في المساءلة والمحاسبة، يسمح بكثرة الكلام الفارغ ويحول دون تنفيذ الواجبات السياسية، بينما المجتمع المدني ضعيف وغير ناضج بعد، والإعلام المستقلّ غائب نسبياً. وبالتالي، ما الذي يجبر السياسي على العمل؟ فحقيقة لسان حاله لا تسمعها إلا الشياطين، حتى وإن تنصّل وتبرأ، وتمتم كثيراً بأن الدولة "ليست دولة أبيه".

  • شارك الخبر