hit counter script

- جهاد الملاح

سلاح... "أونلاين"

الجمعة ١٥ كانون الثاني ٢٠١٢ - 07:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ثار الإعلام في السنوات الأخيرة، فسيطر على الأحداث وقادها، حتى أصبح تصنيفه كسلطة رابعة مجحفاً، أو على الأقلّ باتت هناك حاجة لإعادة جدولة معايير هذا التصنيف. فقد تحول الإعلام إلى رافد ورافع لجميع السلطات داخل اللائحة التقليدية، التي تشكلت تاريخياً من ثلاث طبقات اجتماعية ثم تضمنت السلطات الدستورية الثلاث، حتى دخلتها سلطات جديدة أبرزها المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
والإعلام الذي ازدهر بشكل لا محدود، في ظاهرة أخذت من العولمة مسبباتها ومن التقدم قدراتها، تشعّب إلى وسائل وأساليب يصعب حصرها، من بينها المواقع الإلكترونية التي انتشرت كالنار في الهشيم في الدول العربية، وبشكل خاص في لبنان، حيث يُمثل بعضها القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات، أو المناطق والأحزاب، بينما أكثرها إخباري ويصف نفسه بـ"المستقل".
وإذا كانت المواقع التي تعود إلى القنوات والصحف اللبنانية، والتي تُعتبر بديلاً موازياً عن مشاهدة التلفاز وقراءة الصفحات، يسهل تقويمها طبقاً لمعايير معينة، فإن المواقع الإخبارية الأخرى تكاثرت وتنوعت في السنوات الخمس الأخيرة لدرجة صعبت عملية تقويمها.
والحديث عن المعايير ليس بالضرورة أن يرتبط بالحرية التي يجب منحها لهذه المواقع الإلكترونية، أو أن يتعلق بإخضاع الأخيرة لقواعد تنظيمية أو تحديد مرجعها القانوني وأطر المقاضاة بشأن مضمونها، فهذا موضوع آخر لا يزال الجدل قائماً حوله، وقد يحتاج عدة سنوات قبل التوصل إلى نتيجة واضحة ومقبولة. بل أن هذه المعايير ترتبط بتقويم شفافية المواقع ومدى قدرتها على تغطية الأخبار ومستوى المادة التي تقدمها، بما يسهّل عملية تصنيفها بين الأكثر والأقل أهمية.
وفي نظرة سريعة، يظهر في لبنان أن المواقع الحزبية تتشابه، في معظمها، في أنها قد تاهت عن ضرورة التركيز على تثقيف المحازبين والترويج لمبادئ الحزب وإطلاق وشرح المبادرات الوطنية والاجتماعية، وتحولت إلى صفحات إخبارية بامتياز، تحكمها الانتقائية وتملؤها أخبار الفنانين والفنانات على مستوياتهم المختلفة. وعلى كل حال، فإن معظم المحازبين في لبنان، لا ينتظرون التثقيف والتوجيه من حزبهم، بل يركبون أي موجة كلام يدلي به أحد سياسيي الحزب.
وبالنسبة للمواقع الإخبارية المناطقية، التي تمثل المناطق المختلفة، وتتحدث عن أنشطتها وأخبارها وأخبار أبنائها في لبنان والاغتراب، فهي مواقع مفيدة جداً، وتصبّ جميعها في هدف واحد يفيد لبنان واللبنانيين، طالما أنها لم تنجرّ إلى المنحى الإخباري السياسي.
أما المواقع الإخبارية الأخرى، التي تعتبر نفسها "مستقلة"، فإن عدداً قليلاً منها، يقلّ عن أصابع اليد، استطاع أن يثبت الاستقلالية، وتمكن من النمو والتطور بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.
وفيما يصعب الاستناد في لبنان، إلى إحصاءات علمية ومستقلة وذات مصداقية، فإن الإحصاء الاجتماعي العفوي يظهر أن المواقع التي برهنت استقلاليتها، أصبحت تحظى، بعد الانحسار النسبي للأزمة السياسية التي كانت على أشدها بين 2005 و2009، بعدد متنامٍ من القراء، بينما تبدو المواقع الإخبارية التي تتبع بشكل صريح رأياً سياسياً معيناً دون أن تكون حزبية، غير معروفة لكثير من المواطنين وعدد قرائها أقل.
وبالتالي، فإن الاستقطاب الشديد في لبنان لم يمنع المزاج الشعبي، بعد هدوء الأزمة السياسية، من التراجع عن المواقع الإخبارية غير المستقلة في الرأي، وإن حافظ على الالتزام بالمواقع الحزبية.
ولعل هذا الأمر يبث أملاً بتفعيل المنافسة المهنية المثمرة بين هذه المواقع الإخبارية، بديلاً عن الاستقطاب الإعلامي السياسي، بما يخدم الإعلام وصورته ويرفع مؤشر الاستدامة الإعلامية الخاص بلبنان، والذي يبدأ بفحص نسبة حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات، ويمتد إلى المهنية والمصداقية والموضوعية.
في المحصلة، قد لا يسهل تصنيف الإعلام، من حيث الانتشار والمهنية، في بلد يحكمه الاستقطاب ويقدِّم كثير من مواطنيه سلاح الاستفزاز وتحقير الرأي الآخر على قوة الحجة والدحض، كما تعوّد ألا يسمع إلا الإذاعة المناصرة ولا يشاهد إلا القناة المؤيدة، وربما لا يقبل البعض منه أن يقرأ إلا موقع حزبه والموقع الإخباري المناصر. ومع ذلك، فإن تكاثر المواقع الإخبارية، التي أصبحت سلاحاً ذو حدين، أحدهما يُجيش ويثير الغرائز والآخر ينقل الحقائق ويرفع مستوى الإعلام ومستوى المواطن، يجعل من الضروري طرح إشكالية التصنيف على النقاش الإعلامي والاجتماعي لمحاولة فهمها وحلّها.
 

  • شارك الخبر