hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

"قاعدة" لبنان: أفكّر... فأنا هنا

السبت ١٥ كانون الثاني ٢٠١٢ - 07:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

انشغلت الساحة السياسية في لبنان بجدل جديد محوره هذه المرة تنظيم "القاعدة"، بين من يجزم بوجوده على الأراضي اللبنانية ومن ينفي الأمر بشكل مطلق، وبينهما أشخاص مثل وزير الداخلية، يتحدثون عن إمكان وجود مناصرين لفكر "القاعدة" دون وجود تنظيم "قاعدة" في البلاد.
إن التقارير الصادرة عن بعض الأجهزة الاستخبارية والمؤسسات البحثية الأمنية خلال السنوات الأخيرة، تفيد بأن تنظيم "القاعدة" تلقى ضربات قاسية في أفغانستان وباكستان وفي الجبال الفاصلة بينهما، ما أدى إلى إضعافه كتنظيم مركزي، وضرب ما يملك من قوة اتصال وتنسيق، وقطع معظم منابعه المالية التي اتجه بعضها نحو حركة "طالبان"، حتى قبل سنوات من قتل زعيمه أسامة بن لادن في أيار الماضي.
وعلى الرغم من أن أذرعه الأساسية في اليمن والعراق وشمال غرب أفريقيا بقيت نشطة، فإن تنظيم "القاعدة" تحوّل إلى ماركة مسجلة لها وكلاء في الكثير من الدول، لكن بعيداً عن المفهوم الاقتصادي للماركة المسجلة، إذ ليس بالضرورة أن يكون الوكلاء مرتبطين بالتنظيم المركزي كما في حالة وكلاء الشركات العالمية.
وبالتالي، فإن الجماعات التي تحمل الفكر الإسلامي المتشدد في الدول العربية، قد تستلهم أفكار "القاعدة" وتعمل بموجبها، وربما تستقبل رسائل التنظيم المصورة والمسجلة التي كان يبثها بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهري، على أنها إرشادات وتعليمات، رغم أنه ليس بينها وبين منفذ التسجيل أي صلة فعلية أو معرفة سابقة. وقد أصبحت التسجيلات بمثابة السلاح الأساسي للتنظيم المركزي القديم، وعوّض بها عن قوته العسكرية التي ضربت وعن شبكاته التي تمّت السيطرة عليها.
وبناء على ذلك، فإن الفكر الإسلامي المتشدد، الذي انتشر في بعض المناطق اللبنانية في السنوات الأخيرة، ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بتنظيم "القاعدة"، بل قد يحمل فقط فكر الماركة المسجلة من دون أن يكون على تنسيق وصلة بالتنظيم المركزي، إلا كمتلقٍ لتسجيلات بن لادن والظواهري وربما أنور العولقي قبل مقتله في أيلول الماضي.
لكن هل يعني ذلك أن وزير الدفاع اللبناني فايز غصن بالغ في الحديث عن وجود "قاعدة" في البلاد وأن وزير الداخلية مروان شربل على حق في حصره الأمر بوجود فكر يناصر "القاعدة"؟
إن التصدي للجرائم المختلفة تفترض العلم بأن الكثير من الجرائم، ابتداءً من السطو وصولاً إلى الاعتداءات الإرهابية، تنطلق في الأصل من فكر إجرامي أو فكر متطرف، لكنها لا تكتمل إلا مع وجود السلاح والقدرة على التخطيط. لذا، فإن الجماعات، بل الأشخاص، الذين يحملون فكراً متشدداً وينتشرون في دول عربية وأجنبية، لا يشكلون خطراً أمنياً طالما أنهم لا يملكون السلاح وغير منظمين.
إلا أنه في لبنان، فإن انتشار الفكر الإسلامي المتشدّد قد تبعه في السنوات الخمس الأخيرة، انتشار للأسلحة الخفيفة والمتوسطة، إن لم يكن في أيدي المتشددين، الذين تحدث عنهم وزير الداخلية، فعلى أقله في أيدي المواطنين، الذين وزعت عليهم الأسلحة لأسباب ومبررات كثيرة. وبالتالي، من السهل أن تنتقل هذه الأسلحة إلى من يرغب من المتشددين، علماً أن كثيراً منهم هم مواطنون لبنانيون. أما التخطيط، فهو ممكن وكل الظروف مهيأة له، خصوصاً مع نموّ التشدّد الإسلامي وتحوّله إلى ظاهرة مقبولة في بعض المدن والقرى اللبنانيّة.
وممّا تقدم، فإنّ كلام وزير الداخليّة، الذي حصر الأمر بوجود فكر يناصر "القاعدة"، يكون صحيحاً في حالة واحدة، وهي إذا جزم بأنّ الأسلحة، وحتى القنابل ومكوّناتها، غير منتشرة في لبنان، وأنه من الصعب الحصول عليها.
على أيّ حال، لا يتحمّل وزير الداخليّة أو وزير الدفاع وزر سياسة حكومة لبنان المتشتّتة، والتي هي جزء من الحالة اللبنانيّة التي تنتج حكومات تنتهج التخبط والسياسات غير العلميّة، حيث كل وزير يقول ما يشاء، فيصدّقه المناصر ويكذّبه المعارض، من دون الحاجة إلى مقاربة مسؤولة ومدعومة بالأدلة والبراهين.
وقد دأبت هذه الحكومات على الجهل والفساد بلا حسيب أو رقيب، حتى غرق الشعب اللبناني في أوحال ساسته، لدرجة غاب عنه أنّ ما هو أخطر من تنظيم "القاعدة" وغيره على لبنان، هو نظامه السياسي الفاسد والمقيت، الذي يجعل كلّ طائفة، وباسم الأوهام والأضاليل، تتشدّد وتتسلّح، وتتأهب للدم عند كل شارع وكل صباح.
 

  • شارك الخبر