hit counter script

مؤتمر صحافي لتقديم رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2012

الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١١ - 14:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عقد رئيس اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام"، المطران سمير مظلوم، ظهر اليوم الخميس، في المركز الكاثوليكي للإعلام ، مؤتمراً صحافياً، قدّم خلاله رسالة البابا بندكتس السادس عشر لمناسبة اليوم العالمي الخامس والأربعين للسلام، المرتقب الاحتفال به في الأول من كانون الثاني 2012، حول موضوع "تربية الشباب على العدالة والسلام". وقد أضاء سيادته على أهم النقاط الواردة في رسالة الحبر الأعظم لهذا العام. شارك في المؤتمر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، وحضره أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الأب يوسف مونس، وعضوا اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام": الاب باسم الراعي والدكتور فادي جرجس، والأخت حنان حرب، وعدد كبير من الإعلاميين والمهتمين.

بداية رحب الخوري عبده أبو كسم بسيادته والحضور وقال:
توّجه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته ليوم السلام العالمي لهذه السنة إلى وسائل الإعلام داعياً إياها لتسهم في تربية الشباب مشدداً على الرابط بين التربية والتواصل الاجتماعي، خاصة وأن التربية تتمّ بواسطة التواصل الذي يؤثر ايجاباً أو سلباً على تنشئة الشخص.
تابع: "من واجبنا كأهل ومربين تلقين أبناءَنا القيم الإنسانيّة والمسيحيّة التي تحصّن العائلة والمجتمع وتخلق منه مجتمعاً مثالياً يهدف إلى ترسيخ ثقافة السلام والعدالة بين أبناء الوطن الواحد".
أضاف: "ما نشهده اليوم من تفلّت أخلاقي وإنحلال أدبي في مجتمعنا ينذر بخطر جسيم يهدّد شبابنا. فالمخدرات تتسلل إلى المدارس والجامعات والأحياء الفقيرة في مدننا، وتخلّف وراءَها دماراً إنسانياً واجتماعياً يتظّهر من خلال تفكّك العائلات وتشّرد الأولاد، وازدياد السرقات وارتفاع مستوى الجريمة".
ورأى ان "الأخطر من كل هذا هو ما تقوم به بعض وسائل الإعلام، عن قصد أو غير قصد من عرضٍ لبرامج تحت عنوان تثقيفي أو ترفيهي لا يراعي الحد الأنى من اللياقات وأخلاقيات مهنة الإعلام. فهناك بعض البرامج التي تمسّ بالعادات والتقاليد الخاصّة بالأعياد والمناسبات الدينية، وكان آخرها ما عرضته إحدى وسائل الإعلام المرئية لبرنامج له طابع فكاهي، في مناسبة عيد الميلاد، عن "بابا نويل"، وتخلل عرض الحلقة تفاهات وقلّة أدب وبعض المشاهد المقزّزة للنفس ناهيك عما ولدته لدى المشاهدين الذين اتصلوا بنا ليعربوا عن استيائهم وخيبة أملهم عمّا وصلت إليه من مثل هذه البرامج على بعض شاشات التلفزة اللبنانية".
ونحن اليوم على أبواب إعادة تنظيم قانون الإعلام اللبناني، وهناك من يدعو إلى إزالة الرقابة عن البرامج تحت ستار الحرية الإعلامية، فهل أصبحت الحرية تعني التفلّت واستباحة المحرمات؟ وتشريع الممنوعات على حساب مبادئنا وقيمنا التي نتغنى بها؟". داعياً المجلس الوطني للإعلام لتحمّل مسؤولياته تجاه ما يحصل. كما طالب مديرية الأمن العام اللبناني أن تقوم بما يجب عليها أن تقوم به من مراقبة مسبقة للبرامج بما يتناسب مع القوانين المرعيّة الإجراء. كما وناشد القيمين على المؤسسات الإعلامية كي يجهدوا لأن تقوم هذه المؤسسات برقابة ذاتية على برامجها، بما يخدم الأهداف المحدّدة لهذه البرامج".
وختم بالقول: "المطلوب اليوم وقفة جدّية أمام ما يحدث، لتصويب الأمور ليبقى الإعلام رسالة في وجه من أرادوه سلعةً، وانتهزها مناسبة لأتوجه إلى جميع المؤسسات الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة وإلى الزملاء الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام متمنياً لهم أعياداً مباركة وسنة مكلّلة بالنجاح".

ثم كان تقديم للرسالة من قبل سيادة المطران سمير مظلوم ودعوة للمشاركة بالقداس الذي يقام في بكركي، يوم الأحد أول كانون الثاني الجاري والذي سيحتفل به البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، الساعة الخامسة من بعد الظهر، وهذه السنة هذا الاحتفال له طابع خاص (مناسبة السلام ومناسبة قداس الشباب) ويشارك فيه منظمات شبابية.
أضاف: "تربية الشباب على العدالة والسلام" هو عنوان الرسالة التي وجهها البابا بنديكتوس السادس عشر للاحتفال بيوم السلام العالمي لسنة 2012، مشدّداً فيها على ضرورة القيام بتربية على العدالة والسلام، في وسط عالم يعيش أزمة جذرية تضرب المجتمع وعالم العمل والاقتصاد، وتولّد شعوراً بالاحباط وخيبة من المستقبل. ببساطة هناك أزمة رجاء (ف1). والأسباب الحقيقة لهذه الأزمة تعود في نظر البابا إلى مسألتين أساسيتين: - المشكلة الأولى هي مشكلة النسبية التي لا تبقي للإنسان غير "الأنا" التي تتستر بالحرية، والتي قد تصيّر الأنا سجناً ذاتياً. والنسبية التي تحصر كل حقيقة في مجال الأنا، تقف حاجزاً أمام التربية بمعناها الأصيل، لأنها تبعد التربية عن اتصالها بحقيقة الإنسان العميقة. (ف3)؛ - والمشكلة الثانية هي مشكلة حصر قيمة الشخص البشري وكرامته وحقوقه في حدود النفعية والمنفعة والاقتناء (ف4)، وفصلها عن كل مصدر قيمي متعالٍ. وهي بدورها تجعل من التربية تحصيلاً لمعارف تجعل من الإنسان مجرد مستَهلك ومستهلِك على السواء.
من هنا يرى البابا في رسالته أن الأزمة التي يعيشها العالم هي أزمة تربية في العمق، لأنها في جذورها العميقة، هي أزمة ثقافية وانتروبولوجية ترخي بغطاء مظلم على زمننا وتحجب النور عنه (ف1) فيضحي التاريخ مجرد حلبة صراع عبثية.
على رغم هذه الأزمة، يعوّل البابا على عالم الشباب الذي يعكس عمق حقيقة الإنسان الذي لا يستسلم للإحباط. فقلب الانسان لا يهوى الظلام بل يتوق إلى الحرية والعدالة والسلام، وهو مثلث متأصل في بحث الإنسان عن الحقيقة. والشباب يعكسون هذه الحقيقة من خلال عيش الحماسة والتوق إلى مثال في الحياة (ف1) وهم بذلك يشكّلون علامة رجاء بأن قلب الإنسان لا يستكين إلاّ في عثوره على الحقيقة.
لكن الشباب بحاجة إلى تربية تساعدهم على البحث عن مثال يكون جواباً شافياً عن هذا التوق. وهذه التربية لا تتوفر في ثقافة النسبية، التي تبقي الإنسانً بعيدا عن مصادر المعرفة الحقيقية، ولا في ثقافة الاستهلاك التي تبقي الإنسان أسير سيل النفيعة الجارف. لذلك فالتربية بمعناها الأصيل هي جواب على توق الإنسان الدفين إلى الحقيقة وبالأخص حقيقة ذاته. من هنا فالتربية لا تنحصر بمجال محدّد من المعرفة، بل تشمل كل تكوين الشخص البشري حتى في المجالين الأخلاقي والروحي (ف3). ما هو الإنسان؟ هذا هو السؤال التربوي الأساسي، والجواب على هذا السؤال يجد بذوره الأساسية في قلب الإنسان، الذي فيه عطش للامتناهي بما أنه مخلوق على صورة الله ومثاله (ف3). فالعمل التربوي الأول والأنجع يقوم على تلقّن الشخص الاعتراف بأن الإنسان هوعلى صورة الله، وبأن الكائن البشري يجب احترامه بشكل عميق بسبب خلقه على هذه الصورة، و مساعدة الإنسان على عيش حياة منسجمة مع هاتين الحقيقتين (ف3).
وبلوغ الحقيقة يكون بأن تقوم التربية على إخراج الإنسان من حدود ذاته الضيقة ووضعه أمام أفق "الكمال الذي ينمي" وجوده (ف2)ومساعدته "على رؤية العالم كما هو في الحقيقة، وعلى التحلّي بالشجاعة أمام الشدائد". وهي بذلك تزرع فيه موقفاً داخلياً واثقاً بأن ينتظر، أمام جزئية الحقائق الزمنية، انبلاج فجر الحقيقة. التربية تعطي الإنسان إذاً، من خلال ذلك كله، التطلع برجاء إلى المستقبل (ف1).
فالعملية التربوية لا تقف عند حدود توزيع معارف، بل هي تعطي نظرة إلى البعيد وتساعد على العيش بموجب هذه النظرة (ف2). وهي تحتاج إلى شهادة صادقة. ومن جهة ثانية إن التربية هي عملية تواصل، من خلالها يتعلم الانسان أن يقدّر "قيمة الحياة"، ويرغب بتقديم هذه القيمة على ما سواها من أجل خدمة الخير(ف1). ولضمان نجاح العملية التربوية، فالتربية تحتاج إلى الحرية والمسؤولية (ف2).
وهذا الفهم للتربية لا يفضّل مجالاً تربوياً على آخر، إذ كل مجالات الحياة تتحول آلية تربوية. بدءاً بالعائلة التي هي المدرسة الأولى التي يتربى فيها الإنسان على الحب واحترام القيم البشرية، والعيش مع الآخرينً في تفاعل بناء وسلمي . لذلك تحتاج العائلة إلى حماية خاصة، لتبقى المجتمع الأول الذي يخرج منه الإنسان إلى المجتمع الأوسع. وأهم ما يتربى عليه الولد في العائلة الحب الذي هو انعكاس لحب الله. ومن عرف أنه محبوب تنمو في ذاته العدالة والسلام.
والمؤسسات التربوية لها دور خاص في عملية التربية، لأنها الإطار الذي لا يتلقى فيه الإنسان معارف وحسب، بل يتمرس على العيش في جوّ، إذا ما توفرت فيه عناصر صون الكرامة البشرية، يصبح مجالاً لبناء مجتمعٍ من التآخي والاحترام المتبادل. وهكذا ينتقل الإنسان من المدرسة الصغرى إلى المدرسة الكبرى مزخراً بالقيم الضرورية، التي تجعل التربية مجالاً للانفتاح على الله وعلى الآخرين (ف2).
والإعلام له أيضاً دور تربوي بكونه مجالاً لتكوين الرأي. ومما لا شك فيه أن الإعلام صار اليوم ذا تأثير مباشر على المجتمع وطرق الحياة. لذلك فإلإعلام المنفتح على حقيقة الإنسان وكرامته، يساهم مساهمة حاسمة في نشر أسس العدالة والسلام (ف2 ك
ويركز قداسة البابا في رسالته على المجالات الأساسية التي تقوم عليها التربية:
أولاً التربية على الحرية. وهي أساس كل تربية. والحرية لديه تتخطى مطلقية الأنا والاستقلالية المفرطة، لتعود إلى الإنسان كائناً علائقياً لا يحيى من دون علاقات، وخصوصاً مع الله . والحرية مصدرها الأساسي انفتاح الإنسان على هذا البعد العمودي . ومن دون هذه المرجعية، يبقى الإنسان أسير النسبية والجزئية، وبعيداً عن حقيقة معرفة الخير والشر. على هذا الأساس، فالحرية في العمق لا تنفصل عن المسؤولية الصادرة من هذا البعد، لأن في عمق ضمير الإنسان قانونا لم يعطه لذاته، بل يخضع له وهو يدعوه إلى المحبة. وهذا القانون شامل بكونه صادراً عن الخالق، والشمولية تؤسس صون كرامة الشخص البشري، وتعتبر الأساس في العيش معاً بعدالة وسلام. لذا فالتربية على الحرية هي تربية على مسؤولية العيش معاً بعدالة وسلام (ف3).
ثانياً التربية على العدالة. إن العدالة بمعناها الأصيل لا تقف عند حدود الاتفاق البشري البسيط، وتحدّد في قوانين وضعية وحسب. العدالة الحقيقية تجد أساسها في الهوية العميقة للكائن البشري، المتأصلة في أصولها المتعالية. إن تربية على عدالة متأصلة في هذا العمق البشري هي "أفق للتضامن وللمحبة" ومجال لتحرير الإنسان من علاقات محصورة في حدود المنفعة والنفعية والاقتناء أو روابط الحقوق والواجبات. ذلك يعود إلى أن المدينة الأرضية تحتاج الى انسجام مع طبيعة الانسان وحقيقته، وإلى علائق المحبة المجانية والرحمة والشركة (ف4).
ثالثاً التربية على السلام. إن التربية على الحرية المسؤولة والعدالة هي في أساس بناء السلام، الذي لا يحصر في حدود غياب الحرب، أو توازن قوى. فالسلام الحقيقي يبنى على صخرة احترام كرامة الأشخاص والشعوب، وحماية خيرهم، والتواصل الحر بين البشر، وعلى العدالة لكل إنسان شرطاً للعدالة الشاملة. من هنا إن سلاماً له هذه الأبعاد هو أولاً هبة من الله، وهو ثانياً مهمة قيد الانجاز باستمرار، ويحتاج إلى تربية تعزّز قيم التعاطف، والتضامن والتعاون والأخوّة، والانخراط في معالجة القضايا التي تمت إلى المجتمع (ف5).
إن التربية التي تبلغ هذا العمق هي في الحقيقة منارة تفتح أفق المستقبل على الرجاء، من خلال فتح الطريق في قلب الإنسان إلى تقبل المطلق، والعيش بهدي نوره . لأن الإنسان يكتشف نور الحقيقة الذي لا ينفصل عن نور المحبة. ومن فيه المحبة لا يمكنه إلاّ تحقيق العدالة والسلام. فمن ينظر إلى العلاء يتخطى أفق التاريخ الضيق.
والشباب هم في طليعة من ينظرون إلى فوق، لأنهم ببحثهم عن مثال إنما يبحثون عن حقيقة الإنسان، وفي العمق عن حقيقة الله. هم في النهاية يبحثون عن المحبة في وسط عالم يقدّم لهم أشياء تتناقض ومشتهى قلوبهم. وهنا حقاً مسؤولية تربية الشباب على العدالة والسلام كي لا ييأس الشباب من هذا العالم. فالشباب إذا ما تربوا على هذه الأسس يغدون علامات رجاء لمستقبل أفضل لأن المستقبل الذي نطمح إليه بأن يكون أكثر عدالة وسلاماً لا يبنى إلا على الرجاء. والرجاء لا ينفصل عن الالتزام بصناعة غد أكثر إنسانية وأخوّة. وذلك يتطلب "توحيد قوانا، يقول البابا، الروحية والأخلاقية والمادية" حتى نستطيع تربية الشباب على العدالة والسلام (ف6).

  • شارك الخبر