hit counter script

- لوسيان عون

مرسوم زيادة الاجور نعمة أم نقمة؟

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١١ - 08:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مع كل تقديرنا لرأي الوزير شربل نحاس وخبراته في الميدان الاقتصادي، ومع احترامنا وتقديرنا لموقف الوزير فادي عبود من هذا المرسوم، ومع رغبتنا المنزهة عن كل شعور عاطفي أم حزبي أم طائفي أم سياسي، أردنا، وبالارقام والوثائق مقارعة الحجّة بالحجّة وتبيان مدى الثغرات، ومدى فشل القيّمين على من رغبوا في وضع هذا المشروع – مشروع الزيادة – قيد التنفيذ بالشكل الذي تمّ، وفي الظروف الحاضرة في تدارك تداعياته وعدم ضربه للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي سوف يتسبّب به في المجتمع اللبناني.
بدايةً، سجل هذه المرة زيادة الحدّ الادنى للاجور من خمسمائة ألف ليرة لبنانية الى 868000 ليرة لبنانيّة.
وهذا ما يفيد أنّ نسبة الزيادة على الحدّ الادنى تساوي هذه المرة 73.6 في المئة بعد أن اعتبر مجلس الوزراء أنّ هذا الراتب – وفي سابقة لم تحصل بعد – يتضمّن سلّة واحدة من ضمنها بدل النقل.


أزمة جديدة في تطبيق نسب المرسوم عملياً وحسابياً في ميادين عدّة
ولّد هذا المعطى أزمة جديدة في الشكل أولاً من ناحية احتساب الزيادات على بدلات الايجار الخاضعة للقانون 160/1992 والذي فرض زيادة نسبتها خمسين في المئة من نسبة الزيادة على الحدّ الادنى من الاجور بحيث أنّ الزيادة الواجب تطبيقها ابتداءً من 1/12/2011 هي 73.6 / 2 أي 36.8 في المئة على البدل الاخير وهذه مشكلة كبرى ستحصل لدى احتساب كلّ مستأجر أم مالك بدل ايجاره الجديد ما سيدخله في تعقيدات حسابيّة وكسور حسابيّة سوف تنتج نزاعات بين المالكين والمستأجرين وهو ما لم يدركه الوزير نحاس، ناهيك عن عدم لحظ المرسوم الجديد لهذه النسبة بعدما وقع المشترع بالخطأ السابق الذي وقع فيه في العام 2008 ممّا اضطرّه لاصدار مرسومين تصحيحيين لاحقين في مطلع العام 2009.

 

سهولة تذرع أرباب العمل بنص الفقرة واو من المادة 50 من قانون العمل

المعضلة الثانية التي لم يدركها مستشارو الوزير نحاس القانونيّين أو يلفتوا معاليه اليها هي القابليّة التي تتمتّع بها المؤسّسات والشركات الخاصّة في جواز تمكّنها من صرف مستخدميها والتي أعطتهم إيّاها الفقرة "واو" من المادة 50 من قانون العمل اللبناني بحال معاناتهم من الظروف الاقتصاديّة ولا سيّما مفاعيل تطبيق المرسوم الصادر مؤخراً والتي نصّت على ما يلي:
و- يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسّسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصاديّة أو فنيّة هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل.
وعلى صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدميّة العمّال في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم.
وهنا نستغرب التصاريح التي أدلى بها رئيس الاتحاد العمالي العام ومسؤولين آخرين لدى تحذيرهم واعلانهم ضرورة ابلاغهم أيّ حالة صرف تحصل بأنهم لم يسبق أن اطلعوا على المادة الآنفة الذكر من هذا القانون وهي واضحة وصريحة وهي معلق تطبيقها على شرط واحد وسهل هو اعلام وزارة العمل بضرورات هذا الصرف!


الفروقات الواجب تسديدها لأجراء المؤسّسات
على سبيل المثال والجدل، في الحالات التي يسدّد فيها للاجراء الثلاثين على سبيل المثال وما فوق رواتب تفوق المليون ليرة لبنانية، فرضت زيادة على الاجر تساوي نسبتها 18 بالمئة على الراتب ممّا يرتّب تسديد مبلغ 5400000 ليرة لبنانية (خمسة ملايين وأربعمائة ألف ليرة لبنانية) وهذا عبء إضافي جديد على ربّ العمل واجب عليه تسديده مع مفعول رجعيّ يعود الى مطلع شهر كانون الاول الحالي.


فروقات اشتراكات الضمان الاجتماعي
علاوة عن الزيادات المتوجبة، فإنّ نسبة اقتطاع اشتراكات مؤسسة الضمان الاجتماعي تبلغ 23.5 في المئة من أصل الراتب، وهي سوف تطال الزيادات المفروضة على الاجور، وهو عبء اضافي على أرباب العمل سوف يستحق عدا عن كون اخضاع الراتب للاقتطاع المذكور كان يطاول أصل الراتب، لكنّه منذ تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسميّة سيطال كامل الراتب الفعلي للحد الادنى شاملاً بذلك ما تضمنه من بدلات نقل وسواها لكونه بات جزءاً لا يتجزأ من الراتب، أي أنّ كامل الراتب بحال كان موازياً للحدّ الادنى سيتمّ اخضاعه للاقتطاع (أي لنسبة 23.5 في المئة) وبالتالي سيستحقّ لمؤسسة الضمان الاجتماعي رسماً مقطوعاً على الرواتب التي تسجّل كحدٍّ أدنى ومقدارها -204000 ل.ل. (مئتان وأربعة آلآف ليرة لبنانية) شهرياً عملاً بقانون الضمان الاجتماعي المطبق والمعمول به.


فشل تحكّم القطاعات الرقابيّة والاداريّة بأتعاب أصحاب المهن الحرة التي ستتأثر بالمرسوم
من الطبيعي أن ترتدّ الزيادات المقرّرة على الاجور والرواتب على مصروف وأعباء أصحاب المهن الحرّة الذين لم يقرّ حتى اليوم قانون يحدّد تعرفتهم وأتعابهم، نذكر من بينهم المهندسين والاطباء والمحامين والمقاولين وذوي الدخل الحرّ وهم أنفسهم مستهلكون في الاسواق اللبنانيّة، وهذا ما سيجبرهم على زيادة تعرفتهم أكانت تستوفى بشكلٍ مقطوع أم شهريّ أم سنويّ، وفق ما يرتأون أنّ الأعباء أثّرت على مصروفهم وتكلفتهم لإنجاز أعمالهم ومهمّاتهم، وبذلك سوف نشهد زيادات قد تكون عالية وغير مدروسة على هذه التعرفة التي لم تشهد يوماً مراقبة أم سلطة لضبطها وقوننتها، ممّا سيرتدّ على جيب الأجير الذي سيدفع هو من دون سواه ثمن هذا الانجاز الذي وصفه الوزير عبود بأنّه (سياسي) لكنّه سيؤثر سلباً بتداعياته على الحركة الاقتصاديّة في البلاد وعلى انتاجيتها.


زيادة الاقساط المدرسيّة
بات من المألوف أن كلّ زيادة على رواتب الاساتذة العاملين في المدارس والجامعات والمعاهد التربويّة سترتدّ زيادات على الاقساط المدرسيّة، وهي ستأتي زيادات على الاقساط بدءاً من الفصل الاول من العام 2012 إن لم تكن أيضاً مستحقة في حينها مع مفعولٍ رجعيّ تبعاً لكون المرسوم جاء تطبيقه ابتداءً من شهر كانون الاول من العام الحالي 2011.


الزيادة على بدلات الايجار الخاضعة للقانون 160/92
وفق ما سبق بيانه أعلاه، ومع كون الزيادة على هذه البدلات ستستحقّ بنسبة 36.8 في المئة على البدلات بدءاً من مطلع كانون الاول من العام الحالي 2011، فإنّ بدل إيجار سنويّ لمسكن قدره مليوني ليرة لبنانيّة سوف تترتّب عليه زيادة سنويّة مقدارها 736000ل.ل. (سبعمائة وستة وثلاثون الاف ليرة لبنانية) تستتبعها زيادة على مقدار الرسم البلدي وعلى ضريبة الاملاك المبنيّة.


عجز الاجهزة الرقابيّة عن ضبط الاسعار في بعض المناطق
أمّا الجزر والمربعات الامنيّة والمناطق التي تعجز فرق مصلحة حماية المستهلك عن ضبط الاسعار فيها، فإنّنا نترك للتاريخ ولشريط الاحداث اليومي الذي لم يعد خافياً على اللبنانيّين أن يعطي لهم صورة ساطعة عن قدرة هذه الاجهزة في ضبط المخالفات والزام مرتكبيها بثنيهم عن أعمال الفلتان فيها، وهو ما يؤثر سلباً على ضبط الاسعار خصوصاً في المناطق التي تزدهر بالانتاج الزراعي والصناعي وتصدّر الى الاسواق المحليّة.

لأنّه غيض من فيض ونموذج من الوقائع والاحداث والارتكابات التي سوف ينتجها ويستتبعها مرسوم الزيادة الحالي، وهي مقاربة شئنا أن نسجّلها بعيداً عن أيّ انحياز لأيّ من القوى السياسيّة، انطلاقاً من كوننا على السواء عناصر من عائلة تضمّ ربّ العمل والمستخدم والمستأجر والمالك في آنٍ معاً، لكنّنا في نهاية المطاف مستهلكين أسوة بشرائح الشعب اللبناني كافة لا يسعنا شراء المواد الغذائيّة والاستهلاكيّة إلا من هذا السوق التجاري الذي يقبع تحت هاجس فورة خطرة من زيادة الاسعار ربما جاءت طلائعها قبل إصدار المرسوم الحالي ونشره ودخوله حيّز التنفيذ، ولم يعد همّه لا أخطاء السياسيّين ولا النكايات في ما بينهم، ولا من يسجّل الانتصارات على الآخرين، ولا تسجيل النقاط بين هذا وذاك، ولا حتى سماع ورؤية كبار المسؤولين الذي يقعون في الاخطاء المميتة التي نراها ونترقّبها بتجرّد وبعينٍ صائبة وحسّ دقيق... لكنّ هؤلاء يتعامون عنها سواء عن قصد وهذه جريمة بحقّ المواطن، أم عن غير قصد وتلك الجريمة الاعظم، لأنّ بعضهم رأى في هذا المرسوم الحلّ المثالي والفريد في حين أنّ أبسط مواطن يجد فيه حبة "اسبيرين" لإنعاش بعض ما خسرته هذه الحكومة من مصداقيّة وشفافيّة، وبعدما لم يجد بعضهم أيّ إصلاح ملموس ولا مكافحة فساد. لكن المضحك المبكي أنّ من يفترض به أن يكون الطبيب الشافي وجد فيه دواءً فريداً لمكافحة الفساد... فليفسّر لنا كيف وأين، إن لم نقل أين وجد العلّة وما هي آليّة القضاء على الداء، هل في تناول حبة "الاسبرين"؟
من دون شك، إنّه تأسيس لمرحلة جديدة من معاناة الناس الذين سيشهدون بأمّ العين فلتاناً في الاسعار قلّ نظيره قد يدفع المواطنين الى خوض ثورة ضد الحكومة الحاليّة، لأنّ الازمة الاجتماعيّة ليس لها لا لون ولا طائفة ولا مذهب ولا يمين ولا يسار، رابطها وثيق مع الرغيف والدواء والطبابة والمأوى والحياة الكريمة في حدّها الادنى.
وإن كانت الحكومة الحاضرة لم تجد باباً لضبط الفوضى الاقتصاديّة سوى جرعة قوامها قصّاصة ورق وتوقيع الوزراء المختصّين لإرضاء الناس كشيك على بياض، فإنّ الاستحقاق الآتي سيكون صوتأً صارخاً من مختلف الاتجاهات لأنّ ثمّة كرة ثلج إن لم نقل كرة نار متفجرة قذفتها الحكومة وسيكون وقعها وتداعياتها أزمة اجتماعيّة خانقة لا تحمد عقباها، وقد تكون صرخة الوزير فادي عبود، وهو أحد كبار الصناعيّين في لبنان، ورغم انتمائه الى كتلة الاصلاح والتغيير قد جاءت لتقول: "اعذروني على ما فعلت محرجاً... اللهم قد بلّغت".

  • شارك الخبر