hit counter script
شريط الأحداث

رسالة الميلاد للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي

الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١١ - 19:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وجه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي رسالة الميلاد 2011 الى اللبنانيين عموما، والمسيحيين خصوصا، مقيمين ومنتشرين بعنوان "أبشركم بفرح عظيم، يكون للعالم كله: لقد ولد لكم اليوم المخلص الذي هو المسيح الرب" (لو2: 1-11)، وقال: "في قلب الليل، منذ 2011 سنة، أشرق على الرعاة البسطاء فوق مغارة بيت لحم، نور مجد الرب، وجاء ملاكه يعلن لهم البشرى، وهي من خلالهم للعالم كله: لقد ولد لكم اليوم المخلص الذي هو المسيح الرب". وفي الوقت عينه، في الفلك الذي يعلو بلاد فارس في المشرق، ظهر نجم فريد قرأ فيه العلماء الوثنيون ميلاد ملك الأزمنة الجديدة (متى2: 1-2). كلهم أتوا، الرعاة الفقراء البسطاء من قريب، والمجوس العلماء الأغنياء من بعيد، الى بيت لحم. سجدوا للطفل الإلهي، وقدموا له هدايا حبهم وإيمانهم ورجائهم، فبادلهم المشاركة في الطبيعة الإلهية. نحن في لبنان وبلدان هذا المشرق وعالم الإنتشار، نخشع مثلهم أمام مغارة الميلاد، لنستنير من نور الحقيقة التي اعتلنت للعالم، ونتقدس بنعمة الحياة الإلهية المعطاة لنا. وصدى كلمات البابا القديس لاون الكبير يتردد في أعماق قلوبنا: "أيها المسيحي، إعرف كرامتك. وإذ أصبحت شريكا في الطبيعة الإلهية، بواسطة الإله الذي أخذ طبيعتك البشرية، كن يقظا لئلا تعود فتسقط، بمسلك غير لائق، من هذه العظمة الى الأسافل الأولى" (عظة اولى في ميلاد الرب، 3)".

أضاف: "إنها مناسبة سعيدة أعرب فيها باسم أسرة الكرسي البطريركي، صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس والسادة المطارنة والآباء والرهبان والراهبات وسائر العاملين فيه عن أطيب التهاني لإخوتنا وأخواتنا في لبنان وفي بلدان الشرق الأوسط وأماكن الإنتشار، بل لجميع المواطنين هنا وفي الخارج، بميلاد الرب يسوع، فاديا ومخلصا لجميع الشعوب، وبحلول السنة الجديدة 2012. والتهنئة مقرونة بالصلاة لكي يفيض عليهم الطفل الإلهي غزير النعم والخير، ويبارك السنة الطالعة بالسلام والطمأنينة والعيش الكريم"

وتابع: "الميلاد مغارة ونجم وشجرة. المغارة تذكرنا بتجسد كلمة الله، كما روى لوقا في إنجيله. وفي آن تقدم لنا أمثلة نقتدي بها، كالتواضع والفقر، وهما نهجان سلكهما المسيح الرب بدافع من محبته للبشر. وتدعونا لنتحول من الداخل بنعمة الذي دخل إنسانيتنا. "فابن الله، يقول القديس لاون الكبير، اتحد بنا، ووحدنا معه، بحيث ان انحناءة الله الى حالتنا البشرية ترتفع بالإنسان إلى أعالي الله "(عظة الميلاد،27/2)".

وأردف: "ما أحوجنا إلى محبة الله تسكن قلوبنا مع الميلاد، كما سكنت قلب أمه العذراء مريم، وقلوب القديسين. ما أحوجنا الى محبة تغنينا بالمشاعر الإنسانية وبالأخلاقية في التعاطي والتخاطب، ولا سيما لدى المسؤولين وممثلي الأمة في البرلمان والحكومة، لكي نعيش جمال الشركة والمحبة في العائلة الدموية الصغيرة، وفي العائلة الإجتماعية، وفي العائلة الوطنية. الشركة هي أولا وفي الاساس إتحاد بالله، على المستوى الروحي الملتزم، ووحدة مع جميع الناس، على مستوى العلاقات حيث يقدم كل فرد وجماعة وكل مكون من مكونات المجتمع، قيمته المضافة، فينشأ مجتمع متنوع ومتكامل. أما المحبة فهي رباط هذه الشركة ومصدرها وغايتها".

وقال: "ما أحوجنا إلى التواضع أمام الله والناس، لكي نستطيع الخروج من ظلمة الكبرياء والعجب بالذات، من ظلمة الإدعاء والاكتفاء الذاتي، ومن ظلمة رفض الآخر المختلف في رأيه وتطلعاته، من ظلمة الاستقواء والاستعلاء وتخوين الغير. ما أحوجنا الى فضيلة الفقر من الذات والإغتناء بالله، الفقر الظاهر في التجرد من المصالح الذاتية والمكاسب المادية الشخصية والفئوية على حساب الصالح العام. هذه الفضيلة يحتاج إليها كل مسؤول، الذي بدونها يصبح أضعف الضعفاء".

أضاف: "الميلاد نجم هو "كلمة الله الذي صار بشرا" (يو1: 14)، والذي دخل في حوار دائم مع كل إنسان لينيره على دروب الحياة، ويكشف له تألق الحقيقة في ظلمات الضياع والكذب. هذا النجم قاد المجوس الى المسيح المولود. عندما غاب عنهم فوق اورشليم راحوا يبحثون منطقيا عن هذا الملك الجديد في القصر الملكي، حيث القدرة والثقافة والعلم. فلم يولد هناك. ذلك أن الله لا يظهر في قوة هذا العالم، قوة المال، وقوة السلاح، وقوة السلطة، لكن كلمة الكتب المقدسة أعلمتهم أنه يولد في بيت لحم، وظهرت هذه الكلمة من جديد في النجم الذي قادهم الى مكان ولادته بين الفقراء والمتواضعين. هناك ولد ملك العالم، للدلالة أن ملوكيته حرية ومحبة. فلا يولد هذا الملك إلا في قلوب الأحرار حقا، أي الأحرار من ذواتهم ونزواتهم وانحرافاتهم ومغريات الدنيا، وفي قلوب الذين يحبون الله حقا وكل إنسان. هؤلاء وحدهم يحترمون الحرية بكل أبعادها، ويشهدون للمحبة في أعمالهم وممارسة مسؤولياتهم. تعالوا، أيها الإخوة والأخوات، لنبحث عن النجم في كلمة الله التي نصبت خيمتها في الكنيسة وجعلتها "عمود الحق" على ما قال بولس الرسول (1تيم 3/15)".

وتابع: "الميلاد شجرة مزينة ومضيئة، هي الكنيسة المتلألئة بنور المسيح مؤسسها والحال فيها، بل هي سره. إنها المسيح الكلي. هكذا رآها يوحنا الرسول: "مدينة مقدسة، اورشليم الجديدة، النازلة من السماء من عند الله، المهيأة والمزينة كالعروس لعريسها، لتكون أرضا جديدة وسماء جديدة" (رؤيا21: 1-2)، يعيش عليها الناس في الشركة والمحبة: عموديا، إتحادا بالله عبر الكلمة الإلهية والصلاة ونعمة الأسرار. وأفقيا، وحدة في ما بين الجميع بالتضامن والترابط والتعاون والتكامل. شجرة الميلاد المتلألئة بأضوائها هي وجه الكنيسة الذي يعكس المسيح نور الأمم، من خلال إعلان إنجيله، بشرى الفرح لجميع الناس. فإنجيله نور الحقيقة للعقول، ونور النعمة الشافية للنفوس، ونور المحبة المحيية للقلوب. هذه الكنيسة المتلألئة، مثل شجرة الميلاد، مؤتمنة من سيدها على إعلان إنجيله للخليقة كلها (مر16: 15)، هذا الإنجيل الذي زين الكنيسة بالقديسين، أنبياء وشهداء ومعترفين. تعالوا أيها المسيحيون نزين الكنيسة بتنوع المواهب والعطايا التي أغدقها الروح القدس علينا، وعلى كل إنسان، لنكون قيمة مضافة في مجتمعاتنا".

وأردف: "من أمام المغارة والنجم والشجرة، نحييكم مهنئين بالعيد، أنتم الذين في لبنان. تعالوا نبني معا وطن الرسالة، ونعيش بتنوع جماعاتنا المسيحية والإسلامية وسواها، وبتنوع ثقافاتنا وتطلعاتنا وآرائنا وخياراتنا السياسية والوطنية، جمال وحدتنا وتضامننا وترابطنا، ونكون بعضنا لبعض ولمجتمعنا اللبناني قيمة مضافة. هكذا أراد المسيحيون والمسلمون أن يكون لبنان عندما ابتكروا ميثاقهم الوطني سنة 1943، والتزموا العيش معا، وأن يكونوا الواحد للآخر قيمة مضافة. تعالوا بعد اختبارات دامت حوالى سبعين سنة نجدد ميثاقنا الوطني بعقد اجتماعي جديد، نواصل به كتابة تاريخ جماعات قررت أن تعيش معا، وتصنع السلام في ما بينها، وتتغلب على الأزمات التي تتعرض لها، بحكم الموقع الجغرافي - السياسي، ونبني دولة ذات قيمة مضافة باستقرارها وإشعاع دورها على ضفة البحر المتوسط الشرقية، في محيطها العربي، وفي الأسرة الدولية".

وختم: "نحييكم مع أطيب تمنيات الميلاد، سلاما ورجاء، أنتم الذين في بلدان الشرق الأوسط، وتمرون في محنة الحروب والنزاعات والمطالبات، وترتسم أمام أعينكم وضمائركم استفهامات عديدة حول المستقبل والمصير. عليكم وسط هذه الظلمات، يسطع نور الله، ومجده كما في ليلة ميلاد المسيح الرب، حيث أنشد الملائكة: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر"(لو2: 14). إننا نتطلع معكم، عبر تمنيات الميلاد والسنة الجديدة، إلى ولادة "ربيع عربي" حقيقي، ربيع سلام واستقرار قائم على تعددية الأديان والثقافات والإتنيات، وعلى المساواة في المواطنة والديموقراطية، بعيدا عن أحادية العرق والدين والمذهب والرأي. ونحييكم مهنئين أنتم الذين في بلدان الإنتشار، وتحت كل سماء، فليسطع عليكم نور المسيح الرب بكل عطاياه ونعمه، وليجمعنا بفرح ميلاده، وقد اتحد بتجسده مع كل إنسان. لكم أطيب التمنيات بأن تكون السنة الجديدة مليئة بالسلام والخير والنجاح. فلنا ولجميع الناس، في ظلمات هذا العالم، يتجدد إعلان السماء: "لقد ولد لكم اليوم المخلص" (لو2: 11). ونهتف هتاف السلام والرجاء: ولد المسيح! هللويا!". 

  • شارك الخبر