hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

شباب على الرف

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١١ - 08:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

انتفض بعض الشباب العربي على الطغيان الذي تكاثر عند طبقة حاكمة من الجيل السابق، فضرب بثوراته حكاماً من جنس الشياطين وسياسيين أتلفت مجالسهم مبادئ الصدق والشرف. وبعد سقوط الأنظمة، مضى الثوار الشباب، بإصرار لافت، في مواجهة حكومات جديدة مُطعّمة من ذاك الجيل السابق، الذي أنتج أكثر من 140 مليون فقير عربي، وفق جامعة الدول العربية، التي لم تعرف الأمم أطول من لسانها وأقلّ من أفعالها.
وعندما استفاق شباب العرب، بعد أن كاد التهميش يصبح قدراً محتوماً، كان شباب لبنان ولا يزال، يبيع ويشتري الوهم في أسواق السياسة، وتحت أقدام تجار دولة بضاعتهم الأرخص "الحكم الرشيد". فشَغلته أوهام "الاختلاف عن العرب"، عن تلمس حقيقة وضعه، حيث يُهمش حتى الازدراء، ويبقى بعضه متأهباً كوقود للفتن وذبائح للطغاة الصغار، بينما يُرمى معظمه فريسة للفقر أو للغربة المتناثرة.
في لبنان، اعتادت الأقوال المأثورة للطبقة الحاكمة منذ الاستقلال إلى الآن، أن تستلهم معظم عبارات التبرير، من التحذير من الخارج و"ضرورات المرحلة". أما تلك الأكثر منطقية قليلاً، فقد تُرجع القصور في بناء الدولة إلى الأحداث والحروب المتلاحقة. لكن الفشل في إشراك الشباب في النظام والدولة يَصعب أن تبرره هذه الأقاويل، لأنّ المعادلة الأكثر صوابيّة هي أنّ الخوف من الخارج الغربي والشرقي والاهتمام بالصراع مع إسرائيل، يجب أن يدفعا إلى الديمقراطيّة السويّة والمشاركة الشبابيّة الفاعلة. وبالطبع ليس كما عند بعض العرب، حيث قُتل المواطن وسُرق عمره باسم الصراع الخارجي، وهو في الحقيقة لم يُقتل إلا باسم الاستسلام للخارج.
قد تكون المأساة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي صنعتها الحكومات السابقة تشغل شباب لبنان عن المطالبة بحقّه الفعلي، لكنّ قدرة هذا الشباب الذي يُعتبر من بين أكثر شباب العرب تعلماً، بل دقة في العلم، تفرض عليه واجب انتزاع دوره في بناء الدولة التي غرقت في سياسات تلك الحكومات، الفاشلة في نظر كلّ من عرفها إلا في عين من لم يقرأ الحكم الرشيد.
أما الانتماء السياسي الذي ينتهجه معظم شباب لبنان، وحتى إن كان انتماءً أعمى يعززه وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، فإنه لا يجب أن يُفسد القدرة على طلب ذاك الدور، داخل الأحزاب والقوى السياسيّة وفي الوزارات والمؤسّسات، والأهم في مفاصل القرار.
فالانفصام الذي يعانيه لبنان بين طبقة سياسيّة تعرف من تعاليم الدولة وقواعد التنمية قشورها، ومن التعاليم الإنسانيّة عدمها، وبين شباب بارع ومتفوّق في مختلف العلوم، في مجالات الهندسة والفيزياء والكيمياء والطب والإعلام والتجارة والإدارة وغيرها، يطرح تساؤلات عن سبب غياب سياسة تخطيط وتوجيه وتفاعل تجعل من طاقات الشباب اللبناني قوّة لوطنه، بدلاً من تناثرها في أصقاع العالم.
قد تسترسل الطبقة الحاكمة في لبنان، وكل من يدخل إليها بالصدفة، في الحديث عن الأوضاع السياسيّة والأمنيّة التي تمنع إشراك الشباب في اتخاذ القرار وتُصعّب من الوصول إلى تخطيط وتوجيه لاستثمار طاقاته، وقد لا يسمع اللبنانيّون أحد جهابذة التنظير من الوزراء يعلن على سبيل المثال إنشاء مركز بحث علمي وطني متطور، لكن هل سيبقى شباب لبنان وقوداً للشوارع وفريسة للغربة، بينما يملك قدرة على العطاء أعظم بكثير من قدرة ساسته على السرقة؟

  • شارك الخبر