hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

مصر... حق "الإخوان" وواجب الخصوم

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١١ - 08:28

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تَعبُر مصر من ظلماتها ويأسها، إلى أولى مراحل الديمقراطية، فيجتمع أبناؤها على مشاعر الحرية والكرامة المستعادة، بينما يفترقون على طريق الأيام الآتية، بين من يأمل بصعود الإسلام السياسي، ومن يخشى أن يعود الطغيان، من باب الإسلاميين وبرأسين هذه المرة: المجتمع والسياسة.
إن الافتراق إزاء التطلعات ليس من شأنه أن يُفسد الانتصار على الديكتاتورية، لكن العبرة في ألا تؤخذ الحرية بمعناها التجريدي، بل أن تُفهم بأن لكل مواطن الحق في أن يرى حريته في فك القيود عن أفكاره وتمثيل آرائه في النظام. فمؤيد الإسلام السياسي يجد صون حريته في صعود هذا الأخير، بينما من يرفض النظام الإسلامي يرى احترام حريته في تمثيل رأيه والابتعاد عن هكذا نظام.
وهذا الاختلاف المثقل بالآراء والهواجس المتناقضة، لم يكن ليشكّل أزمة لو أنه لا يتغذى من الفهم الناقص لمفهوم الحرية، حيث لا يحرص المواطن والمسؤول عند العرب، على أن تقف كل حرية عند حدود حرية الآخرين. وبالتالي قد تلجأ كل طبقة حاكمة إلى الانتقال بسرعة وثبات من احترام الحرية إلى ممارسة الطغيان.
لكن هل يعني ذلك أن تطغى المخاوف والهواجس على مصر، فيرتبك حاضرها ويبهت مستقبلها؟ بالطبع لا. فإن الاحتكام إلى الديمقراطية يقضي بقبول العقد الاجتماعي، عبر منح الحكم لمن يحظى بتأييد أكثرية الشعب، وقبول نتائج الانتخابات إذا أتت بإسلاميين أو علمانيين أو ليبراليين أو غيرهم.
والأهم من تقبل النتائج ومن الغرق في الجدل حول جدوى الديمقراطية حين تأتي بإسلاميين إلى الحكم، هو عدم اكتفاء الأقلية بالمراقبة والمحاسبة، بل الاستمرار في الحراك الاجتماعي والسياسي وحتى الثوري، وذلك عبر تأسيس أحزاب وقوى وقطاعات شبابية، تسمح باستغلال الثورة، لبناء تفاعل حضاري داخل النظام يمنع من احتقار الرأي الآخر ويقدّس الحرية الفردية والقناعة الشخصية، وبالتالي يمنع وصول طبقة طاغية إلى السلطة.
فإن أزمة مصر الأكبر بكثير من جريمة حسني مبارك الذي سرق 30 سنة من عمر أبناء أم الدنيا، تكمن في أن هذا البلد الضارب في التاريخ وفي مآثر الحضارة، لم يحظ، على مرّ العصور، كما جميع العرب، بفرصة تَراكم العقود الاجتماعية المنصفة للشعب، لتنعكس تفاعلاً حضارياً ناضجاً يقوم على تقبل الآخر واحترام حرية المعتقد الديني والسياسي. وقد أوغل نظام مبارك في قتل الحراك الاجتماعي والسياسي ومنع المبادرة الفردية، من خلال نهج أدى إلى وأد الحياة الحزبية وتدمير التفاعل الحقيقي بين أبناء الشعب.
ومن جانب آخر، وفضلاً عن ضرورة العمل لخلق تفاعل حضاري وحياة حزبية مستقيمة ومثمرة، فإن الحراك الاجتماعي والسياسي من شأنه أن يمنع المصريين من تخطي الاعتدال في الإسلام وفي السياسة، ما يُصعِّب من إمكانية إنتاج طبقات حاكمة غير معتدلة دينياً. أوَلَم يكن التشدد الإسلامي في المنطقة أحد أبناء الديكتاتورية؟
ولا شك أن أي تقصير أو تباطؤ من قبل الأقلية قد يمنح الأكثرية، الوقت الكافي لإعادة الطغيان إلى البلاد، بل وتشديده ليصيب النظام والمجتمع معاً. كما أنه قد يشجعها على الطغيان، حتى لو كانت في البداية ترفض السير فيه.
باختصار، إن الحرية التي أطلقتها ثورة "25 يناير"، فكّت القيود عن مختلف الآراء، ومن بينها آراء "الإخوان المسلمين" الذين يتجهون إلى نيل الأكثرية في الانتخابات، ما يعني أن لهم الحق في الحكم، باسم الديمقراطية، كما لخصومهم حق المعارضة وواجب التصدي لأي طغيان يلوح في الأفق.
ولعلّ الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة في مصر لا تضيّعان فرصة العرب الأولى عبر الغرق في أوصاف الدولة وأشكال الحجاب وأنماط اللباس، وتلتفتان إلى صناعة فكر يقدّس المواطن ويرفع الحرية إلى قمة المفاهيم، وينزع مأساة الجهل الديني والمذهبي الذي يميّز بين البشر كرهاً للإنسان وطعناً في السماء.


 

  • شارك الخبر