hit counter script

- المحامي لوسيان عون

درب السما في غياب هيبة من يفترض به حماية الارض وأهلها

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١١ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منذ مدّة غير بعيدة باتت الجريمة خبزاً يوميّاً على مذبح الحياة الممزوجة بالدم، أقلّها السرقة والسلب والنشل في وضح النهار وأكثرها ذبح الابرياء "بدمٍ بارد"، أمّا الغاية فلا تتجاوز أحياناً بضعة الآف من الليرات كما حصل مع عصابة سلب برج حمود.
آخر المسلسلات الجرميّة أودى بحياة فتاة في مقتبل العمر ذنبها الوحيد أنها كانت تقصد كنيسة دير في ساحل علما – كسروان، وبيدها مسبحة وكتاب مقدس، لم تدر أنّها كانت تحت مراقبة شرّير قصد وطننا بهدف الرزق، وتحوّل الى متوحش مفترس هدفه اللذة.
وبين سرعة القبض على الجاني في أكثر من جريمة، عندما تقصد الدولة بأجهزتها المختلفة، وبين امتداد هذه الظاهرة الجرميّة على امتداد الوطن، ثمّة ما تجدر ملاحظته بعد استفحال هذا المشهد الدموي المثير، وإن كان هناك ما يشابهه في أكثر من بلد متقدم.
بادىء الامر، نتساءل عمّا إذا كانت سيّدة لبنان في حريصا قد نجت منطقة ساحل علما وجوارها من جريمة ارتداديّة شهدتها إحدى البلدات الشوفيّة منذ أشهر عندما بادر أهالي بلدة كترمايا فور شيوع خبر جريمة شنيعة نكّلت بعائلة في البلدة الى سحب القاتل الى ساحة البلدة وسحله وقتله والتمثيل بجثته وهو ما لم يحصل في ساحل علما، والحمد لله، على الرغم من أنّ المنطقة اتشحت بالسواد لما للجريمة النكراء من صبغة وآثام عجزت الوحوش عن ارتكابها.
أمّا النقطة الثانية فتعيدنا الى سهولة تفكير الفاعل بذبح فتاة بريئة لا لثأر ما ولا لهدف السلب ولا لدواعي الفقر، بل لإشباع لذّة بغيضة في منطقة تظلّلها أجواء النسك والقداسة، وتحديداً على درب يعرف بـ "درب السما"، وكأنّي بهذه الضحيّة تعرف أنّها ستسلكها يوماً الى غير رجعة لهذه الارض الفانية التي تعجّ بالاشرار والقتلة والسفاحين.
تستحضرنا النقطة الثالثة وهي متعلّقة بقانون العفو المطروح اليوم وكذلك بتوجّه البعض الى إلغاء عقوبة الاعدام بينما نشر عقب جرائم السلب في برج حمود والقبض على الجناة بأنّ أحدهم كان نزيل سجن رومية لخمس سنوات، ورغم ذلك لم تعلّمه العقوبات التي نفذها شيئاً، بل زادته شراسة في التعامل مع الآخرين الى حدّ ازهاق أرواحهم بدمّ بارد قلّ نظيره.
وفي هذا الصدد، نستذكر عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي الذي شابه الكثير من الاخطاء والخطايا التي ما نزال ندفع ثمنها حتى اليوم، لكنّ كلمة حق تقال في رجلٍ شاء يوماً أن ينفّذ عقوبة الاعدام بعدد من السفاحين والمجرمين في مطلع التسعينات، ولاقت هذه الظاهرة استحساناً لدى الكثيرين، فيما الجريمة تدنّت نسبتها بعد تنفيذ الأحكام بالاعدام رغم كون لبنان كان لا يزال خارجاً من حروب أهليّة مدمرة، بخلاف ما هي الحال اليوم من تمتّع القوى الامنيّة بجهوزيّة أكثر قدرة على التحكّم بزمام الامور من ذلك التاريخ.
أضحت الضحيّة اليوم في دنيا الآخرة رحمها الله، لكنّ هناك الآلآف من المواطنين ينتظرون العدالة، يترقّبون ما سوف يصدر عن القضاء من تدابير وأحكام، لأنّ اخلاء سبيل أيّ من هؤلاء بكفالات قدرها مئة الف ليرة ومئتي ألف ستزيد المشاكل تعقيدأً وستضعف هيبة الدولة وستؤجج الصراعات بين الافراد والجماعات، وستحضّ على الثأر الفردي والانتقام، الى حدّ التسبّب بأزمات اقتصاديّة وسياحيّة وأمنيّة، لأنّه لن يعود بعدها ثقة لا بالدولة ولا بالقضاء ولن تجرؤ امرأة على السير بالقرب من منزلها بمفردها لا صبحاً ولا مساءً، كما لن يتجرّأ سائح على التجوّل لا في سيّارة أجرة ولا في أخرى مخافة التعرّض له بأيّ سوء.
لقد وصلت مصداقيّة الدولة الى نقطة عبور مفصليّة توجب على أركانها الضرب بيد من حديد، وإلا فإنّ المواطنين مدعوّين الى الاستعداد لتنظيم هيكليّة أمنيّة خاصّة لتولّي حمايتهم كالاستعانة الشهريّة بفرق من الحماية التي تقدّمها الشركات لقاء أجر للحفاظ على شوارعهم ومصالحهم وعائلاتهم طالما أنّ الدرس الذي يفترض تلقينه لأولئك الاشرار عجزت الدولة عن أدائه، وفي غياب الامن تغيب الثقة، وتغيب المصداقيّة، وما أكثر من الكلام المملّ الذي لا يرضي أماً فقدت فلذة كبدها، ولا زوجة فقدت زوجاً ومعيلاً لعائلتها، ولا أباً فقد ابناً ذهب ضحيّة مجرم صارعه لسلبه بضعة دولارات.
البارحة كانت ساحل علما مسرحاً، وقبلها برج حمود والدورة وكترمايا وبعلبك والنبطيّة وسواها من المناطق التي أضحت هدفاً للقتل الحاقد المجاني، في غياب الامن والطمأنينة.
بالامس القريب كان أجدادنا ينامون مطمئنين في قراهم ، بعضهم لم يكن يحتاج لاقفال أبواب منازلهم ، بل يضعون طوال الليل كرسي من الخشب فوق العتبة اتقاء من دخول الكلاب الشاردة اليهم .
اليوم يتخطى اللصوص كاميرات المراقبة ، ويخلعون أقفال ابواب الحديد ، في وضح النهار ويعيثون الارض خراباً ظناً منهم أن فعلتهم لن تكبدهم أكثر من شهر توقيف كعقوبة في ظل فساد مستشر وواسطات بالجملة والمفرق ومداخلات سياسية من كل حدب وصوب .
انه الزمن الرديء حيث تستباح فيه الكرامات والمحرمات والاعراض والممتلكات ، في حين الاجرأ يبقى حتى اليوم أولئك الذين يطالبون باستغراب كلي ، اقرار العفو العام وفتح ابواب السجون الى حد استغرابهم عن زج امرىء في السجن ان كان جرمه مقتصراً فقط على السلب أم الاتجار بالمخدرات !!!!!
هل هذا ذنب تقصير المسؤولين ، أم وسائل الاعلام ، أم التربية في المدارس والجامعات ، أم العائلة ؟
والى أن تقدم لنا الاسئلة الشافية ، صباح كل يوم في الالف الثالث جريمة متنقلة تذهب ضحيتها اما فتاة على درب السما ، واما سائق سيارة أجرة اضطر لتحمل أخطار الليالي وعذاباتها لاعالة عائلته ، واما صاحب مهنة لسلبه حفنة من الليرات ،
وأخيراً ، ومع تقدير جهود بعض الاجهزة الامنية التي يشهد لها في تعقب المجرمين والقبض عليهم ، فان المقدرة الحقيقية تبقى في مدى القضاء شبه النهائي على هذه الظاهرة المستفحلة منذ مدة ، والتمكن من اقناع المجرم قبل حصول جريمته أن العقوبة الاشد بانتظاره ولا افلات من العقاب ، مع اعلان كافة القوى السياسية والحزبية رفع الغطاء عن اي مجرم والتشهير باي سياسي يقدم على التوسط مع القضاء لاخلاء سبيله بحال ثبوت التهمة الموجهة اليه .

  • شارك الخبر