hit counter script

كلمة مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني خلال خطبة عيد الاضحى

الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠١١ - 10:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ام مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني المصلين في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، في حضور ممثل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، النائب عمار حوري ممثلا الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، النائب عماد الحوت، الوزير السابق خالد قباني، النائبين السابقين محمد أمين عيتاني وزهير العبيدي، سفير فلسطين في لبنان عبد الله عبد الله، سفير العراق عمر البزرنجي، رئيس اتحاد جمعيات عائلات بيروت محمد خالد سنو، الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي محمد السماك، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة، قضاة شرع وعلماء، رئيس مستشفى بيروت الجامعي الدكتور وسيم الوزان وأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات.

وقال قباني في خطبة عيد الاضحى المبارك : اللهُ أَكبَرُ كَبيراً، والحَمدُ للهِ كَثيراً، وسُبحانَ اللهِ وبحَمدِهِ بُكرةً وأصيلاً، لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَه، صَدَقَ وعدَه، ونَصَرَ عبدَ، وأَعزَّ جُندَه، وهزَمَ الأحزابَ وحدَه.
وأَشهَدُ أن لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لَه، خلقَ السَمَواتِ والأرضَ بالحَق، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ يُحيِي ويُميتُ وهوَ على كلِّ شَيءٍ قَدير، وأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا ونَبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أرسَلَهُ اللهُ بالبَيِّنات والهُدَى والقُرآن العظيم، ليُخرجَ الناسَ والعالَمَ كُلَّهُ بالإسلامِ والقُرآنِ، منَ الظُلُماتِ إلى النور، وكَفَى باللهِ شَهيداً.
أمَّا بعدُ عبادَ الله فاتَّقوا الله، واعلَموا أنَّ يومَ أمس كانَ يَومَ وقوفِ الحجَّاجِ بعرَفة، وهوَ يومُ الحَجِّ الأكبَر عند جمهور العلماء والفُقَهاء، تمييزاً لهُ عن الحَجِّ الأصغَر وهوَ العُمرة التي لاَ وُقوفَ فيها بعرَفة.
ويبقَى على الحُجَّاجِ واجباتٌ وسُنَن يُؤَدُّونَها في يَومَينِ اثنَين، ليَعودوا بعدَها إلى بلادِهِم وقَد خَرَجوا من ذُنوبِهِم كَيَومِ ولَدَتْهُم أُمَّهاتُهُم إن صدَقوا وتابُوا وأصلَحوا، وقد قالَ سَيِّدُنا ونَبِيُّنا محمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "مَن حَجَّ فَلَم يَرفُث ولَم يَفسُق خَرَجَ مِن ذنوبِهِ كَيَومِ ولَدَتهُ أُمُّه"، وقال النَبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضاً: "الحَجُّ المَبرورُ لَيسَ لَهُ جَزاءٌ إلاَّ الجَنَّة"، فيَا فَرحَةَ مَن حَجَّ وصَدَقَ وتابَ وأصلَحَ ولمَ يَرفُث ولَم يَفسُقُ في حَجِّهِ وخَرَجَ من ذنوبِهِ كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُه، ويَا سعادَةَ مَن تَرَقَّى بحَجِّهِ إلى "مَقامِ الإحسان" في عبادَتِهِ لرَبِّهِ وطاعَتِهِ لتعاليِمِهِ، وفي تَعامُلِهِ معَ الناسِ بدينِهِ وأَخلاقِه.
وعيدُ الأضحى أيُها الإخوة، هوَ عيدُ إتمامِ الحُجَّاجِ فريضةَ العُمُرِ في الإسلام، والمعنَى الأكبَرُ في الحَجِّ أيُها الإخوة، هوَ ما يَرتَبِطُ منهُ بأبي الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام، إذْ أنهُ لَمَّا جَدَّدَ بناءَ الكَعبةَ هوَ وابنُهُ إسماعيلَ عليه السلام في مكَّةَ المكرَّمة دَعا الله
واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ايتك ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه. ولقد اصطفينه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب بتبنى ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحق الها واحدا ونحن له، مسلمون (البقرة/127 - 132).
ويرتبطُ عيدُ الأضحى أيضاً أيها الإخوة، بامتحانِ اللهِ لإبراهيمَ عليه السلام في إيمانهِ ويقينِهِ برَبِّه، ولنا ولَكُم عبادَ اللهِ في فيما جرَى معَ نبِيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه السلام أفضَلُ الدُروسِ في التَوَكُّلِ على الله واليَقينِ بالله، والثِّقَةِ بما أعَدَّهُ لعبادِهِ الصالِحين، حَيثُ جعَلَ اللهُ إبراهيمَ عليه السلام وهوَ رسولُهُ إلى الناس يَجيءُ تنفيذاً لأَمرِ الله بزَوجَتِهِ هاجَر وباِبنِها إسماعيلَ وهُوَ لاَ زالَ رضيعاً، حتَّى جعلَهُما عندَ البَيتِ العَتيقِ والكُعبةِ المُشَرَّفةِ في مكَّةَ المُكَرَّمة، ولَيسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أحَد، لاَ إنسانٌ ولاَ طَعامٌ ولاَ ماء، وَوَضَعَ عندَهُما كيساً فيه تمرٌ وَوِعاءٌ فيه ماء، وسلَّمَ إبراهيمُ أمرهُ للحَيِّ الذي لا يموت، ثمَّ ترَكَهُما وقَفَلَ راجعاً إلى مِصر، فَتَبِعَتهُ زَوجَتُهُ هاجَر أُمُّ إسماعيل وقالت لَهُ: أينَ تذهَب وتَترُكُنا في هذا الوادي يا إبراهيم؟ قالت لَهُ ذلكَ مِراراً، وجعلَ لاَ يلتَفِتُ إليها، ثم قالَت لَهُ: آلَّلهُ أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ لها: "نعَم"؛ قالَت لَهُ: "إذاً أللهُ لاَيُضَيِّعُنا".
إنَّ من عظَمَةِ يَقينِ إبراهيمَ عليه السلام باللهِ عَزَّ وجَلَّ أيُها الإخوة، أن يَضَعَ زَوجَتهُ هاجَر وَوَلَدَهُ الرَّضيعَ إسماعيل، في مكانٍ قَفرٍ مُجدِب، لا ماءَ فيه ولا شَجَرَ ولا إنسَ ولا طعام، ثمَّ يذهَبُ بأمرِ اللهِ إلى مصر ويَترُكُهُما وَحيدَينِ في ذلكَ المَكان؛ ذلكَ أنَّ يَقينَ زَوجَتِهِ هاجَر بالله، وتَوَكُّلَها عليه جعَلَها تَرضَى كلَّ الرِّضا، فَلَم تَعتَرِض ولَم تَتَذَمَّر من هذا الذي قامَ بهِ زَوجُها، بل قالت واثقةً باللهِ وطاعَتِه: "إذاً، أللهُ لاَ يُضَيِّعَنا"؛ وسلَّمَت تَسليمِ الطَّائعين، وهذه هيَ قمةُ اليَقينِ بالله، وذُروَةُ التَوَكُّلِ عليهِ ثقةً بهِ، ويقيناً بوَعدِهِ وهوَ العليمُ الحَكيم؛ ام الل لب قرةوالا فما معنى
وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكلم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون (البقرة).
ولَوا أننا نَصِلُ بإيمانِنا إلى هذا اليَقينِ أيُها الإخوة، لاَنقَلَبَت حياتُنا كلُّها سَكينَةً واطمِئناناً، وأماناً وإيماناً ويقيناً، ولَكِن القلوبَ المَحجوبة، والبَصائرَ المَطموسَة، ومرآةَ الرُّوحِ التي في داخِلنا قد تراكَمَ عليها الصَدَأ، فلا تراها ترَى، حتى أصبَحَ حالُ الكَثيرِ منَّا والعياذُ بالله كمن قال الله تعالى فيهم في القران الكريم: افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصر ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. (الحج)
ولَكِنَنا في زَمانِنا هذا أيُها الإخوَة، قد ضاعَ منَّا الكَثيرُ منَ اليَقينِ باللهِ والعِياذُ بالله، واليَقينُ بِمَوعودِ الله ونُصرَتِه لعبادِه، فغابَ عنَّا التَوَكُّلُ على الله بعد بَذلِ كلِّ ما في طاقتنا، حتى أصبَحَت حياةُ أكثَرِ الناسِ اليوم جَحيماً يَدورُونَ فيه، يُفَكِّرونَ في الرِّزق، ويخافونَ منَ الغَد، يُضَخِّمونَ الأمورَ لأَتفَهِ الأسباب، لغلَبَةِ الوَهمِ والقَلَقِ والتَوتُّرِ علَيهِم، رَغمَ أنَّ هذا الوَهمَ والقَلقَ والتَوَتُّرَ ليسَ مَطلوباً منهم لحَلِّ قضايا الحياةِ والوَطَن، فالإيمانُ الحَقُّ الصادِقُ هو أمانٌ منَ الوَهمِ والقلَقِ والهَمِّ إذا أخرجَ الإنسانُ من قلبِهِ حُبَّ التَعلُّقِ بالدُنيا وبالمالِ وبالناس، ولكن يأخُذُ من الدنيا حاجَتَه، ومن المالِ كفايَتَه، وما سِوى ذلكَ فهوَ ذاهبٌ وتاركُهُ للناس، ويدَعُ عنهُ الناس وظُلمَهُم وشُرورَهُم، ولاَ يُقابِل السَيِّئَةَ بالسَيِّئة، بَل يُحسِنَ إليهِم، ويَسعَى في مصالحِهِم، واللهَ يُحبُّ المحسنين.
أيُها اللبنانيون، إنَّ مُصطَلَحَ الأَقليةِ والأكثرية، يجبُ علينا أن نَحصُرَهُ فقط في التمثيل النيابي والوِزارِيّ تبعاً للدستور، أما في حياتنا الوطنيةِ والعامة فيَجبُ علينا إسقاطَ هذا المُصطَلَحَ البغيضَ النَّافِر، الذي يبعَثُ القَلقَ في القلوب، والتَوَتُّرَ في النفوس، وإشعارَ الغَيرِ بأنَّهُ دونَ غَيرِهِ منَ الناس وأنهُ أدنَى وأقَلّ، كلُّ ذلكَ يجبُ إسقاطُهُ بأَدَب، فَنحنُ كلُّنا لُبنانيون.
إننا نُريد أن نعيشَ معَ بعضِنا سواءً بسواءٍ لاَ فَرق، بل ونُريدُ أن نتَسابَقَ إلى خدمَةِ بعضِنا حتى لاَ يَشعُرَ أَحَدُنا إلاَّ بفَرقِ الأسبَقِ منهُ في خدمةِ أخيهِ اللبنانيّ بلاَ مِنَّةٍ ولاَ مُراءآةٍ ولاَ ادِّعاء، فهل سنَعيشُ ونرى ونُشاهدَ هذه الحياةَ الأخلاقيَّةَ اللبنانيَّةَ يا تُرَى؟ وهذه مُهمَّةُ الحكومةِ والمجلس النيابيِّ في إعادة تدريسِ مادة الأخلاق إلى المناهجِ الدراسية في التعليم الأساسيِّ والجامعيِّ بلا إمهالٍ أو إهمالٍ أو أبطاء، وإلاَّ فما معنَى أنَّنا مَسئولونَ عن وَطَننا وَمُواطِنينا.
وانطلاقاً من هذا المبدإِ الأخلاقيِّ اللُبنانيّ أيُها اللبنانيون ليسَ بينَنَا أقليَّات، فجَميعُنا أكثَرِيَّاتٌ سَواءً بِسَواء لا فَرق، وجميعُنا بحاجةٍ إلى الحِماية، لا الحمايةَ مِن بَعضِنا، ولا مِن أَجنبِيٍّ لأحَدٍ مِنَّا، بل بِكَونِنا ضَمانَةً لِبَعضِنا، وهذه هيَ الحمايةُ الحقيقيَّةُ لِلبنانَ بِجَميعِ طوائِفِهِ حيالَ ما يَتَهَدَّدهُ من أخطار، والأخطارُ التي تَتَهَدَّدُنا أيُها الإخوة، ليسَت أخطاراً داخليَّة تَلزَمُها حمايةٌ خارجيَّة، بل هي أخطارُ خارجيةٌ تَلزَمُها الحمايةُ منَ الداخِلِ اللبناني نفسِه، منَ اللبنانيينَ أَنفُسِهِم، والتي لا تكونُ إلاَّ بِوِحدَةِ الصَّف صِدقاً وعدلاً، وبالثِّقَةِ الصادقة بينَ أَطيافِهِ المتحدة، وباعتِبارِ المصلحةِ الوطنيَّةِ العُليا دونَ أيَّةِ مَصلَحَةٍ فِئَوِيَّةٍ أو خارِجِيَّة، فالخارِجُ لا يُعنَى إلاَّ بِمَصالِحِه، تِلكَ التي يَرسُمُها ويَعمَلُ مِن أَجلِها، إلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينا نحنُ اللبنانيين، أن نُحافِظَ على صَدَاقاتِنا مع الخارِج، وأَن نَعمَل على تَنمِيَتِها، وأنْ نَحرِصَ على حُسنِ العِلاقَةِ مع المُجتَمَعِ الدُّوَلِيّ، وأَن نَتَجَنَّبَ كَسْبَ الخُصومَةِ مَعَهُ أو العَداء، فَعَدُوُّنا فقط هو الكيانُ الصُهيونِيُّ المُغتَصِبُ لأرضِ فِلِسطين، ولأرضِنا اللبنانيَّةِ والعَرَبيَّة.
ونحنُ اللُّبنانيينَ أيُها الإخوة، وحتى لاَ نَضيعَ ولاَ نَزيغَ ولاَ نَتيهَ ونحنُ ننظُرُ حيارَى إلى ما يجري حَولَنا، يجبُ علينا أن نفهَمَ أنفُسَنا، وأن نعلَمَ جيداً أننا قَد أنجَزنا رَبِيعَنا اللبنانيَّ يَومَ أَنشَأنا وطَننا لُبنانَ وارتَضَيناهُ وَطَناً لِجَميعِ أبنائِه، دَولَةً يَحكُمُها القانون، وَنِظاماً يَقُومُ على المؤسَّسات، إلاَّ أنَّ رَبيعَنا اللبنانيَّ تَبِعَهُ صَيفٌ حارٌّ قاسٍ، يَومَ اختَلَفنا على أنفُسِنا، وما نَحنُ اليَومَ في حاجَةٍ إلى ربيعٍ جديد، ولاَ أن نستبدِلَ ربيعنا برَبيعٍ آخَرَ مُغايِر، وإلاَّ سقَطنا جميعاً في الهاوية، ولَن ينجوَ منَّا أحَد، ولَسنا بحاجةٍ اليوم إلاَّ إلى التَّمَسُّكِ بِوَطَنِنا لُبنان أكثَرَ مِن أيِّ وَقتٍ مَضى، وإلى نَسمَةِ صَيْفٍ بارِدَة، تُلَطِّفُ أجواءَنا الَّداخِلِيَّة، وَتَدفَعُ بِنا جَميعاً إلى التَّقارُبِ وَنَبْذِ الخِلاف، وإلى المَسيرِ يَداً بِيَدٍ نَحوَ الدَّولَةِ القَوِيَّة العادلة، التي لا يتَسابقُ اللُّبنانيونَ فيها ويَتسَلَّقونَ على بعضِهِم، بل يتَسابقونَ فيها إلى خدمةِ بعضِهِم بدلاً منَ التَّكاذُبِ بينَهُم وعلى بعضِهِم، فَلُبنانُ لَيسَ مِلكاً لأحَدٍ دُونَ غَيرِهِ مِنَ اللبنانيين، وَلَن يَكونَ لبنانُ ولَن نقبَلَ أن يكونَ على مَقاس أَحَدٍ دُونَ غَيرِهِ مِنَ اللبنانيين، لبنان هُوَ مِلكٌ لِجَميعِ أَبنائِه، وَمَقاسُهُ هُوَ مَقاسُهُم مُتَجمعينَ ومُوَحَّدين، ولُبنانُ الواحِدُ لا يَتَجَزَّأ، فَالواحِدُ لا يَقبَلُ التَّقسيمَ دونَ كَسرٍ بِأيِّ حالٍ مِنَ الأَحوال.
وَلُبنانُنا عَرَبِيُّ الأرضِ والمنشَأِ والأُصُولِ والهُوِيَّة، ولا بُدَّ مِن استِعادَةِ لُبنانَ لِدَورِهِ العَربِيِّ الطَّبيعي، وهذا الدَور هوَ العُنوانُ الذي يَحمي الدَّاخِلَ اللبنانِيَّ وطَوَائِفَهُ، وَهُوَ العُنوانُ الذي يَحُدُّ مِنَ التَّدَخُّلِ الأجنَبيِّ بِشُئُونِنا إقليميَّاً ودُوَلِيَّاً، وهوَ العُنوانُ الأوَّلُ لِمُواجَهَةِ الاستِباحَةِ السَّافِرَةِ لِعالَمِنا العَرَبِيِّ وَثَرَواتِه. رايَتُنا العَرَبِيَّةُ لا بُدَّ لها أَنْ تَخفُقَ مِن جَدِيد معَ ثوابتِ العلمِ والإيمان، ولا بُدَّ لَنا نَحنُ اللبنانيين أن نَكونَ رُوَّاداً لَهَا، تَماماً كَما كُنَّا دائِماً، واتِّحادُ العَرَبِ تَحتَ رايَتِهِمُ العَرَبِيَّةِ هُوَ مَصلَحَةٌ عامَّة للعرَبِ جميعاً، وَوَاجِبٌ لا يَقْبَلُ التَّراجُعَ أبداً كما كانَ في السابقِ حتى الأمسِ القريب، ما أَودَى بنا إلى الفُرقَةِ والاِستِئثارِ كلٌّ في بلَدِهِ العرَبيّ لا يعنيه البلَدُ العرَبيُّ الآخَر إلاَّ بالدَرَجَةِ التي يُسَيطِرُ فيها على سياسةِ البلَدِ الآخَر، واتِّحادُ العَرَبِ اليومَ بعدَ سياساتِ الكراهيةِ السابقة بينَهُم، يَجِبُ أن تَقُومَ على التَّعاوُنِ والتَّكامُل، وعلى التَسليمِ بحُريَّةِ لبنانَ وسيادَتِهِ واستقلالِهِ ودورِهِ العربيّ والعالَمِيّ من أجلِ لبنانَ وكلِّ العرَب، فلِلُبنانَ دَورٌ إن فَهِمَهُ العرَب حقَّ الفَهمِ لأفادَهُم واستفادوا منهُ حقَّ الإفادة، ولبنانُ إن تُركَ حُرّاً فسَوفَ يكونُ لكلِّ العرَب ضمانةً وواحةَ أمنٍ وأمان.
والَيَوْمَ أيُّها الإخوة، اليَومَ نَشهَدُ إعادَةَ رَسمٍ لِخارِطَةَ العالَمِ مِن جَديد، في تَوازُناتٍ دُوَلِيَّةٍ جَديدة، وَوَاجِبُنا في خِضَمِّ هذه التَّحَوُّلاتِ أن نَتَماسَكَ جَميعاً، وأَن نَتَعَمَّقَ في حُسنِ قِراءتِها، لِنَكونَ على بَيِّنّةٍ وحُضورٍ لِدّرءِ تَداعِياتِها، وَلِنَحفَظَ على أَنفُسِنا دَوْلَتَنا وَدَورَنا وَشَعبَنا، ولَن نَسمَحَ في منطقتنا العربيةِ بسَايس بيكو جديدٍ آخَرَ من أجلِ إسرائيل، يختَطِفُ ربيعَ المنطقةِ العربيةِ الجديد من الشعوبِ العربيةِ الثائرة، ويُضَيِّعُ دماءَ الشُهداءِ فيها هدراً، وسنَكونُ للأجنَبيِّ بالمرصاد إن فَعَل، فنَحنُ أقوياءُ بالله، ولنَ نتَفرَّجَ على أَوطاننا وشُعوبِنا يُفتَكُ بها وبمُكتَسَباتِها إن صَحَّ الخَبَر.
أيُّها الإخوَةُ المُؤمنون، لابُدَّ للإنسانِ أن يُوقِنَ باللهِ إيماناً وتَسلِيماً، وَأَن يَتَوَكَّلَ عَلَيه يَقيناً فهوَ نِعمَ المَولَى ونِعمَ النَّصير، وهو على كلِّ شَيءٍ وَكيل، فالإنسانُ خُلِقَ ضَعيفاً، فَقَد قالَ الله سبحانه وتعالى في القران الكريم: "ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا" المعارج؛ وَلِليَقينِ بِاللهِ والتَّوَكُّلِ عَلَيهِ وَالثِّقِةِ بِهِ مَعَانٍ عَظِيمَة، وَصِفَاتٍ جَلِيلَة، لاَ يعرِفُها المحجوبونَ بظلامِ سَيَّئاتِهِم ومَعاصيهِم، وهيَ التي إذا وَصَلَ إلَيها العَبدُ الصالح فَإِنَّهُ يُصبِحُ مَلِكَ الدُّنيا، الغَنِيَّ بِالخالِقِ عَنِ المخلوق، ويُنِيرُ اللهُ لَهُ دَربَه، وَيُذَلِّلُ لَهُ طَرِيقَهُ، وَيَجعَلُهُ مُطمَئِنّاً في سَيرِهِ في الدُّنيا وَمَخَاضِها، وَمُطمَئِنّاً في سَيرِهِ إِلى الآخِرَةِ وجمالِها ورِضوانِ اللهِ فيها، وَيُشعِرُهُ اللهُ بِأَنَّهُ مُستَغنٍ عَنِ النَّاس فَقِيرٌ إليه، يقوَى بهِ ولاَ يستَكين، مَهما اشتَدَّتِ المِحَنُ والنَّوازِلُ معهُ ومن حَولِه، وَمَهما زَادَ أذَى الناسِ لَه، وقد قال اللهُ تعالى في القرآنِ الكَريم:وما لنا الا نتوكل على الله وقد هدينا سبلنا ولنصبرن على ما اذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون" إبراهيم؛ وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توَكَّلتُ وإليه أُنيب، وهوَ رَبُّ العَرشِ العظيم، أقولُ هذا القَولَ وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم، وتوبوا إلى الله جميعاً أيُها المؤمنونَ لعلَّكُم تُفلحون.
وكان ممثل رئيس مجلس الوزراء الوزير حسان دياب قد اصطحب مفتي الجمهورية من منزل الإفتاء صباحا إلى مسجد محمد الأمين يرافقهما ممثل عن مدير عام قوى الأمن الداخلي العميد إبراهيم بصبوص وطلب مفتي الجمهورية إلغاء التشريفات التي كانت تقدمها ثلة من قوى الأمن الداخلي في باحة المسجد للمفتي قباني بسبب مرضه وعدم تمكنه من السير براحة ويسر.

وتلقى مفتي الجمهورية اتصالاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان هنأه فيه بعيد الاضحى المبارك، وتمنى للمسلمين واللبنانيين أياماً مباركة، وشكر مفتي الجمهورية الرئيس سليمان على تهنئته وتمنى له التوفيق في مهامه الوطنية الجليلة التي تحقق للوطن أمنه وسلامه واستقراره ووحدته وازدهاره.

وللغاية نفسها تلقى مفتي الجمهورية اتصالا من الرئيس امين الجميل. 

  • شارك الخبر