قرر الأميركي تحويل حربه مع إيران لتأخذ منحىً عسكرياً خطيراً، يتعدى بأشواط كل حروبهما السابقة. الحرب أصبحت في مراحل بالغة الدقّة حيث مصير دول وأنظمة على المحك.

فالولايات المتحدة وإيران تجاوزتا الخطوط الحمر، لكن واشنطن تجرأت على ان تكون السبّاقة وتُغيّر قواعد اللعبة الاقليمية والدولية، لأنّها ببساطة هي من تتحكّم بها، وبالتالي تغيير النظام العالمي القائم رويداً رويداً. وهذا ما أكّدته روسيا بأن "اغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني يغير بالنظام العالمي".

بعد عقود من التمدد الايراني وإعادة إحياء ما وصفوه "الامبراطورية الايرانية الفارسية" (medo-persian empire)، التي تمتد من طهران وبغداد ودمشق وصولا الى بيروت، التي كان سليماني عنصراً أساسياً في تركيبها، وضع الأميركي الحجر الأساس لقلب الطاولة وإعادة الامور إلى نصابها، وفق ما يؤكد خبراء في السياسة الدولية.

واضاف الخبراء ان "الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعبها بحنكة غير مسبوقة في تاريخ الرؤساء، فضرب عصفورين بحجر واحد، حيث قتل أقوى رجل في إيران و"الأب الروحي" للتوسّع الايراني، وواضعاً طهران في وضع حرج حيث ستضطر للردّ من دون ان تُسبّب حرباً شاملة تُتهم بأنّها المسؤولة عن إشعال المنطقة وليس ترامب، الذي "منع الحرب عبر عملية الاغتيال"، كما قال.

في السياق، لاشيء تخسره إيران، فهي ضعيفة بسبب العقوبات المستمرة ومحاولات تقليص نفوذها اقليمياً، لذلك لا خيار سِوى الردّ لأنّ عكس ذلك يعني نهاية هيبة الامبراطورية ونفوذها، وبالتالي أصبحت المعادلة: "ان ترمي إيران بكل ثقلها في ردّها تماشياً مع التغيير في قواعد اللعبة، وتوازيا مع الاستعداد للرد الأميركي بعده".

فبعدما كشف الأميركيون أوراقهم، أتى دور الإيراني لكشفها وهذا ما ستُحدّد طبيعته الأيام المقبلة. والسؤال المحوري: من يكون التالي على لائحة الاستهداف الأميركي بعد سليماني، أي وكيل من وكلائه في المنطقة؟ خصوصاً بعد إعلان "حزب الله" تسلمه الدفة!

مرحلة تمتد سنتين

ويشير الخبراء الى أنه "بعد اقصاء رأس الهرم وسقوط أحد الركائز الأساسية للنظام الإيراني ما سبّب اهتزازه بنحو عنيف، أصبحت المهمة الأميركية مع حلفائه او تلامذته، لكن ستكون هذه المرحلة أصعب بكثير لأنها معركة "تثبيت الوجود" الأخيرة وربما المكلفة جداً".

ويشددون على أن "قرار إنهاء الامبراطورية ودورها ووكلائها اتُخّذ عسكرياً، على أعلى المستويات في مراكز القرار الأميركي والعالمي، تمهيداً لتغيير الستاتيكو بالكامل في المنطقة لمصلحة إسرائيل"، مضيفين أن "هذا القرار ظهر عبر اغتيال سليماني وسيستمر بأشكال مختلفة نحو سنتين، أي قبل نهاية العام 2021".

هذه الفترة ستشهد ارتفاعاً جنونياً في منسوب الحروب الصغيرة والشاملة والفظائع بكل أشكالها، وطبعاً الانهيارات الاقتصادية العالمية، غير أنّ هذه التضحيات ستضع القاعدة الأساسية لنظام جديد يولد من الركام وسفك الدماء. فهل نشهد على نهاية الامبراطورية في المدى المنظور أم يصبح لديها دور آخر لتأديته في المنطقة؟