hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - دافيد عيسى - سياسي لبناني

حتى ما نروح "فرق عملة" في منطقة رمالها متحركة

الإثنين ٢ كانون الأول ٢٠١٩ - 06:12

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يسعك في البدء الا الانحناء امام وقفة الشعب اللبناني والتصفيق له اعجاباً بانتفاضته وتأييداً لها، بعدما اعتقدت معظم الطبقة السياسية التي توالت على الحكم منذ العام 1992 وحتى اليوم، انه شعب "مبنج" ونايم ومغلوب على امره، فعاثوا في البلاد هدرآ ونهبآ وفسادآ.
نعم... الاعجاب بما اتصفت به هذه "الانتفاضة" من أسلوب حضاري راقٍ، فجاءت التحركات الشعبية في لبنان تشبه شعبه وطبيعته وتراثه وتاريخه وحضارته، ولا تشبه أياً من ثورات الربيع العربي الدموية، ولا تنتمي الى هذه الحقبة وهذا السياق. وهنا وفي هذا المجال تحديدآ لا بد من توجيه تحية اكبار الى الجيش اللبناني قيادة وضباطآ وافرادآ، والذي تعامل في معظم الاحيان مع مطالب المتظاهرين بتفهم ورُقي، ودعاهم الى المطالبة بحقوقهم المرتبطة مباشرةً بمعيشتهم وكرامتهم بشكلٍ سلميّ، وعدم التعدي على الأملاك العامة والخاصة وعدم قطع الطرقات على المواطنين.
ولأن الانتفاضة على هذا القدر من النجاح والاهمية، وأحدثت هذا التحوّل العميق في الذهنيات والمفاهيم والعلاقة بين الشعب والدولة، وجب الحفاظ على نقاوتها ورقيها ومستواها حتى لا تضيع الإنجازات في حمأة التجاذبات الطائفية والسياسية.
وهذه مهمة صعبة ودقيقة وحساسة على "الشعب الثائر" القيام بها بمسؤولية وإتقان، ويكون ذلك بالحفاظ على سلمية الثورة وإبقائها في منأى عن كل أشكال الفوضى وقطع الطرقات. والأهم من كل ذلك تحديد أهداف واقعية قابلة للتطبيق حتى لا تصبح الثورة شعارات مرفوعة ونظريات مستهلكة.
فإذا لم يُحسن اللبنانيون في الشارع كما في السلطة إدارة الانتفاضة والازمة، وإذا أخطأوا التقدير والتصرف، فإنهم ذاهبون حتماً الى الأسوأ وسيكون الآتي أعظم، وسيشهدون انهيارات في الأوضاع المالية والأمنية وتكون العواقب وخيمة وكارثية.
يجب ان نعترف بأن نسبة المخاطر التي تلوح في الأفق باتت كبيرة وداهمة مع هاجس الانقسام الطائفي وقيام شارع مقابل شارع، ويجب ان نعترف ايضاً ان الازمة السياسية الراهنة هي ازمة لبنانية في مكوناتها واسبابها، ولكن لها ابعاد وخلفيات إقليمية، وبالتالي هي أكبر من لبنان واللبنانيين، والحل لها ليس في متناولهم ومقدورهم ولا يصبح متوافراً الا عبر مداخلات وتأثيرات إقليمية ودولية.
ولنقلها بصراحة ووضوح ان لبنان، شاء شعبه ام أبى، بات ساحة من ساحات صراع "أميركي– إيراني"، وجزءاً لا يتجزأ من المواجهة المفتوحة ومعركة تصفية الحسابات التي تدور رحاها بين واشنطن وطهران.
من هنا لا يبقى امام اللبنانيين والحال هذه، عندما تنبع الازمة من الداخل ويأتي الحل من الخارج، الا استنباط التسويات والمخارج التي تتيح لهم التعايش بهدوء مع مرحلة صاخبة، وتقطيع المرحلة بأقل خسائر ممكنة، وانتظار المتغيرات الإقليمية "على البارد"، وفي ظل أوضاع داخلية مبرّدة بدل انتظارها "على الساخن"، وفي ظل أوضاع متوترة ومتفجرة، خصوصاً وأن فترة الانتظار قد تطول وتمتد طيلة السنة الأخيرة المتبقية من عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قرر انه لا يريد الحرب مع ايران والتي قررت انها لا تريد الحوار والمفاوضات مع إدارة ترامب.
وهكذا يظل الوضع اللبناني عالقاً بين اللاحرب واللاتفاوض، وبين "المطرقة الإيرانية والسندان الأميركي"، ولا يعود امام الجميع طبقة حاكمة وشعب ثائر، إلاّ ان يجدوا طريقة للتكيف مع هذا الواقع، ولقيام حالة انتظارية غير مكلفة. والبداية تكون في الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة على نحو يُرضي الموقف او المزاج الشعبي العام، ويراعي الواقع السياسي، واقع ان هناك توازنات وأكثرية لا يمكن تجاهلها واسقاطها والانقلاب عليها.
كما يجب ان تكون حكومة متوازنة، ميزاتها ومعايير الانتساب اليها والعضوية فيها تتلخص في ان لا يخجل حاضر ومستقبل الشخص من ماضيه، الكفاءة، نظافة الكف والسجل، وروح المسؤولية الوطنية والدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم وامنهم الاقتصادي والاجتماعي، وأما مهمتها الأولى فهي وقف الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي ورد الاعتبار والاستقرار للقطاعات كافة، ومنع الفتنة بكل أشكالها وتعابيرها، وإعادة بناء الثقة بالدولة ومؤسساتها وهيبتها.
هذه هي خريطة الخروج من الازمة الخانقة والمدمرة التي لم نشهد مثيلاً لها، وهذه وصفة للانتظار الثقيل لتمرير العاصفة الإقليمية والعبور الى ضفة الأمان، حتى لا نكون من ضحايا هذه العاصفة، و"حتى ما نروح فرق عملة" في منطقة رمالها متحركة. 

  • شارك الخبر