hit counter script

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

لا تظنوا ان الانتفاضة "قطوع ومرق"... إن عدتم عدنا

الإثنين ١١ تشرين الثاني ٢٠١٩ - 06:14

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعيداً عن كل التحليلات وكل ما قيل وقال عن الانتفاضة الشعبية، فان الشعب اللبناني بكل طوائفه ومذاهبه واطيافه نزل الى الساحات بصورة عفوية تلقائية بعدما سدّت الدروب والآفاق في وجهه ولم يعد قادراً على تحمل المزيد من القهر والظلم والعوز، فانفجر غضب الشارع مرة واحدة، وسقطت الأقنعة و"أوراق التين" وتعرّى بعض اهل الحكم الفاسدين على يد جيل الشباب، جيل ما بعد الحرب، وانكشفت عورات وفضائح قسم كبير من الطبقة الحاكمة التي لم تحسن خدمة الشعب والتعاطي مع قضاياه ومطالبه المحقة وربما أنها لم تتعلم من أخطائها وليست مستعدة لتحمل مسؤولياتها والاعتراف بتقصيرها الفاضح والمستمر.

كان على الحكام والمسؤولين وقادة الأحزاب السياسية المتمثلة في الحكومة وفي مجلس النواب ان يعرفوا ان ليس في الإمكان فرض ضرائب جديدة على الناس الذين يكافحون لتأمين قوت عيشهم ويرون بأم العين فضائح وسرقة اغلبية من هم في السلطة وتعاقبوا عليها، ويسمعون من المسؤولين والسياسيين الاتهامات المتبادلة بارتكاب الصفقات والفضائح المالية وغير المالية.
كان على الحكام والمسؤولين وقادة الأحزاب السياسية المتمثلة في الحكومة ومجلس النواب ان يتوقعوا مثل هذه النتيجة ومثل هذه النهاية من سقوط الهيبة والثقة، فماذا كانوا ينتظرون من شعب متروك لمصيره من دون كهرباء وماء وضمان صحي واجتماعي ومن دون ضمان الشيخوخة، ومن ربّ عائلة لا يستطيع إعالة عائلته وراتبه لا يكفيه لآخر الشهر، ومن مريض يموت على باب المستشفى، ومن شاب لا يجد فرصة عمل ولا يجد بيتاً ولا يرى مستقبلاً سوى بالهجرة خارج وطنه.
أنتم أيها السادة وفي اغلبيتكم يا من تواليتم على الحكم منذ العام 1992 وحتى اليوم افقرتم الناس وأمعنتم في إذلالهم وكنتم تعتقدون ان المواطن مخدّر ولا رغبة ولا طاقة لديه على التحرك والانتفاض وان الطائفية تحميكم والعزف على وتر العصبيات ينسي الناس همومها ومشاكلها... ولكن حساباتكم هذه المرة لم تصح لأن الناس ما عادوا قادرين ان يتحملوا المزيد وسحبوا الثقة منكم وانكسر حاجز الخوف عندهم وزالت الغشاوة عن أعينهم... أفاق الشعب من سباته وخرج المارد من القمقم ولم يعد بوسعكم بعد اليوم أن تضللوا الناس وتضحكوا عليهم وأن تسوقوهم مثل الغنم.
فهذا الجيل الجديد، جيل الشباب والتكنولوجيا والعلم والمعرفة ووسائل التواصل الاجتماعي تجاوزكم واختط لنفسه النهج والمسار الصحيح وحدد طموحاته وأراد ان يقبض على مستقبله، ولا مجال الى احتواء هذا الجيل الجديد والدوس على كرامته ومستقبله وتحجيم طموحاته وآماله.
أيها السادة القابضون على السلطة يجب ان تراجعوا حساباتكم وأداءكم وأن تتأملوا ملياً في ما آلت إليه أوضاعكم وأوضاع الشعب معكم، فإذا كنتم لم تعيروا في السابق المواطنين الأهمية والاهتمام فإياكم أن تكرروا الخطأ وأن تعتقدوا ان بالإمكان العودة الى الأساليب والسياسات نفسها وأن هذه الانتفاضة "قطوع ومرق".
إياكم ان لا تأخذوا في الاعتبار مطالب الناس ومشاعرهم وأحلامهم، وعليكم أن تدركوا ان هناك جيلاً جديداً ونبضاً جديداً في الشارع الغاضب، إن هدأ لا يستكين، وإن أمهل لا يهمل، ولأنه انتفض على واقعه فإنه يرفض العودة الى الوراء ويقول لكم بالفم الملآن: "إن عدتم عدنا الى الشوارع والى الساحات".
فإذا عدتم الى ممارسات وذهنيات وصفقات الفساد والهدر، وإذا عدتم الى سياسة الاستخفاف والتسخيف والجهل والتجاهل والتقصير وقصر النظر، فاعلموا ان الناس سيعودون الى الشارع من جديد وسينتفضون لكرامتهم وحقوقهم ومطالبهم واعلموا انكم اصبحتم تحت رقابة شعبية مشددة وأن الرأي العام يراقبكم ويحاسبكم وأصبح جزءاً من المعادلة وحجز مكاناً له على طاولة القرار.
أما الى الناس الطيبين الشرفاء والمناضلين من أجل أولادهم وحياتهم ومستقبلهم ووطنهم فأقول: لا تدعوا الخيبة تنال منكم ولا تدعوا اليأس يتسلل الى صفوفكم، ما حققتموه في أسابيع ما كان ليتحقق في سنوات ويكفي انكم كسرتم حواجز الطوائف والمناطق وصرختم بوجه الفاسدين وأعلنتم ثورة دائمة تكون هادرة حيناً ونابضة أحياناً ولكن شعلتها لا تنطفئ.
لا تستهينوا بقدراتكم وطاقة الشباب التي فيكم والتي تغلي في داخلكم ولكن افعلوا وناضلوا بواقعية وروية ولا تتركوا مجالاً للمندسين والاستغلاليين يتسللون الى صفوفكم وليحرفوا ثورتكم عن مسارها النبيل...
وعندما كان قطع الطرق يشكل وسيلة ضغط على الحكومة كي تستقيل واستقالت، فإن هذه الوسيلة بعد الاستقالة لم تعد مجدية وإنما صارت وسيلة ضغط على الناس ومصالحهم ولقمة عيشهم وحريتهم في التنقل وبالتالي لا يشكل فتح الطرقات انتكاسة وإنما تصويباً للأساليب مع الثبات على الأهداف وصار لزاماً الانتقال الى وسائل ضغط جديدة تماماً كما تفعلون اليوم تبقي على الثورة ومطالبها حية وتبقي أيضاً على التأييد الشعبي وعلى البيئة الحاضنة لها وهي نقطة قوتها الأساسية.
الواقعية والحكمة والموضوعية واحترام حقوق الآخر وعدم اهانة الاعراض مطلوبتان حتى في حراك الشارع وانتفاضة الشعب وحيث لا ينفع التهور والوقوع في الانفعالات والغوغائية، والتحلي بالحكمة والمسؤولية مطلوب أيضاً عند المسؤولين لتدوير الزوايا وتهدئة الأوضاع وعدم المكابرة والتواضع وفتح الطريق أمام الحلول والمعالجات السريعة والجدية والاعتراف بوجع الشعب وتلبية مطالبه المحقة والتنبه لتحذيره وإنذاره.
ومن له اذنان سامعتان فليسمع...
 

  • شارك الخبر