hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

استقالة الحريري بين سندان الإيجابية ومطرقة تعقيد الأمور

الخميس ٣١ تشرين الأول ٢٠١٩ - 06:17

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يعيش لبنان أياماً تاريخية وأوقاتاً عصيبة... الانتفاضة الشعبية العارمة التي انطلقت في 17 تشرين الأول لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه ومنذ ان أعلن لبنان الكبير قبل مئة عام، حركة شعبية عابرة للطوائف والمناطق والاحزاب.

نعم أن جيل الشباب المثقف الواعي هو الذي يصنع الحدث ويكتب صفحة جديدة في كتاب الوطن بعدما سدت في وجهه كل الآفاق.
انها انتفاضة ولدت من رحم الوجع والمعاناة والقهر، ولأنها كذلك جاءت كبيرة وقد فاقت كل التوقعات في انتشارها وثباتها وعنادها. ولا يجوز بعد كل ذلك ان تقابل بالتسخيف او الاستخفاف وإنما يجب ان تكون مدخلاً الى مرحلة جديدة عنوانها إعادة بناء الدولة في لبنان، بدءاً من إعادة بناء العلاقة والثقة بين الدولة والشعب.
هذه الانتفاضة تواجه تحديات كبيرة... والتحدي الأول هو ان تحافظ على نقاوتها ورقيها وطابعها السلمي الحضاري، والتحدي الثاني هو ان تحافظ على مسارها دونما انحراف او انزلاق الى مشاريع واجندات سياسية وطائفية، واما التحدي الثالث فيتمثل في القدرة على بلوغ وتحقيق الأهداف المرسومة في ظل تعقيدات كثيرة وأزمة اقتصادية ومالية خانقة وتوترات سياسية وطائفية ومخاطر ومحاذير أمنية.
ان استقالة الرئيس سعد الحريري تلبية لمطالب الشارع المنتفض، تضع الانتفاضة امام اول اختبار جدي وأول مفترق طرق، مثلما تضع الجميع امام مسؤولياتهم معلنة ان ساعة الحقيقة دقت وان لحظة اتخاذ القرارات الصعبة قد حانت.
هذه الاستقالة يمكن ان تزيد الأمور تعقيداً وتعمق الازمة وتسرع وتيرة الانهيار، مثلما يمكن ان تشكل صدمة إيجابية لوقف حال الانهيار والسقوط في الهاوية وكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الازمة ومشاريع الحلول والمخارج، وهذا كله يتوقف على الطريقة التي سيتصرف بها قادة الأحزاب السياسية وأصحاب القرار والحل والربط، وكيفية التعاطي مع هذه الاستقالة كفرصة للإنقاذ أو كمدخل الى المواجهة.
لم يكن الحريري ليقدم على هذه الخطوة الصعبة والشجاعة لو لم يصل الى طريق مسدود في مساعيه لاحتواء الازمة الكبرى المتفجرة في الشارع، ولو لم يصل الى قناعة مؤداها ان الوضع صار في حاجة الى صدمة إيجابية توقف الانحدار السريع والانهيارالمريع.
وهنا بكل صدق أقول لم يكن من الممكن امتصاص واحتواء غضب الشارع من دون هذه الخطوة التي تمثل الحد الأدنى المطلوب في احترام وتقدير الشعب وصيانة كرامته ومعنوياته، ولم يكن من الممكن استفزاز مشاعر بعض المسؤولين وإيقاظهم وحثهم على التنازل والتضحية من دون خطوة الاستقالة.
ويبقى الآن ترجمة هذه الصدمة الإيجابية الى مشروع حل سياسي للأزمة، والى مخرج لائق لكل القوى والقيادات التي تساوت في المأزق وكلهم محشورون في زاوية الخيارات الصعبة و"كلن يعني كلن".
وإذا كانت الخطوة الأولى المنتظرة هي تشكيل حكومة جديدة فإن الخطوة الموازية هي الخروج من الشارع وليس بالضرورة من كل الشارع، وإنما الخروج من الطرقات الى الساحات وحصر الاحتجاجات في التظاهرات والاعتصامات من دون اللجوء الى قطع الطرقات والتسبب بتقييد حرية التنقل وتهديد مصالح المواطنين وأمنهم الاجتماعي تمامآ كم حصل بالامس، وهذه الخطوة اظهرت عن وعي كبير وحرص لدى المتظاهرين.
لأن اخلاء الطرقات من القيود والحواجز التي تشل دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتنفس المواطنون الصعداء، يفك "لغم أرضي" معد للانفجار عند اول احتكاك واشتباك في الشارع، ويكون قد توفر المناخ الملائم للمبادرات الحوارية الإنقاذية التي لا تنجح ولا تؤتي ثمارها تحت ضغط الشارع وتقييد حرية التنقل وتقطيع اوصال المناطق.
هذا "اللغم" كان معداً للانفجار بين المتظاهرين المقيمين على الطرقات والجيش، ولكن الخطة فشلت وقيادة الجيش هي التي افشلتها بما اظهرته من حكمة ومسؤولية وبعد نظر رافضة ان يوضع الجيش في مواجهة الشعب... ولغم الطرقات المقفلة معد للانفجار بالناس فيما بينهم، معارضين وموالين... وحتى متظاهرين ومتضررين هذا ما حدث على جسر الرينغ ومحيطه ورأينا نموذجاً لتقاتل وانقسام داخلي.
هذا ما يمكن ان يحدث كل لحظة وفي أي منطقة اذا أكملت لعبة "شارع مقابل شارع"، وخصوصاً في المناطق المسيحية التي اعادتنا الى الوراء، الى أجواء الانقسام الداخلي والخشية ان يكون هناك من يحضر المسرح لفتنة في المناطق المسيحية ومن يعمل على حصر الازمة فيها بعدما تكون مختلف المناطق وجدت طريقها الى الهدوء واستعادة الحياة الطبيعية، والخشية ايضاً ان لا تكون الأحزاب والقيادات المسيحية واعية لما يحاك ضدها وبسببها، وفي ان تستدرج مجدداً الى الفخ الذي وقعت فيه في مراحل سابقة ومشابهة، وانه لمن المؤسف حقاً ان تكون مناخات واوراق المصالحة المسيحية قد تبددت وان نكون عدنا سنوات الى الوراء لنرى المشاهد نفسها ونقع في الخيبات ذاتها وفي فخ التقاتل الداخلي.
ليس مسموحاً ان يعود الوضع المسيحي الى حقبة يفترض انها ولت الى غير رجعة، ومن غير الجائز ولا المقبول ان لا نكون قد تعلمنا من أخطاء وخطايا الماضي وان نقع مجدداً في الأخطاء المميتة التي لا تغتفر من جديد بعدما اعطى المسيحيون قادة احزابهم فرصة ثانية وأخيرة وما عادوا يحتملون تجارب ومغامرات وأخطاء وإخفاقات جديدة.
فحذار الوقوع مجدداً في "فخ التسعينات"، ومن العودة الى لغة الانقسام وبث الأحقاد وافتعال الصدامات العبثية، ولتكن استقالة الحكومة مدخلاً الى الحل بدءاً من تفكيك ألغام الشارع والطرقات وفتح حوار سياسي وتشكيل حكومة جديدة ووقف الهدر وسرقة المال العام والبدء بالاصلاحات وايجاد حل لموضوع النازحين باعادتهم الى بلادهم، وحذار من إضاعة الفرصة الأخيرة للإنقاذ وتحويل الاستقالة الى صدمة إيجابية فيكون الدخول في النفق المظلم والسيناريو الأسوأ الا وهو التوطين ... حذاري! 

  • شارك الخبر