hit counter script
شريط الأحداث

"صار لازم نحكي" كوميديا إنسانية جريئة للينا خوري

السبت ١٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩ - 10:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع
بعد مسرحيتها الناجحة "حكي نسوان" بدأت لينا خوري بعرض مسرحيتها الجديدة "صار لازم نحكي" على خشبة مسرح المدينة، إبتداء من مساء الخميس. عمل جريء من إخراجها وشاركها في كتابة الحوارات وقولبة النص رودني الحداد، الذي عرفناه كاتبا مؤلّفا لفيلم "كاراميل (سكر بنات)" و"البوسطة" و"دخان بلا نار". وفي هذا العمل المشترك من ناحية النص، تواصل لينا خوري تنقيبها في داخل المرأة والرجل لا لأهداف ميتافيزيقية وروحانية بل لمسرح تعبيري عن الذات، كقيمة تحرّرية تتواصل فورا مع المشاهد وتدعوه ليقاسم الممثل دوره. كوميديا إنسانية تشق مادة الترفيه والضحك فيها حجابا كان ممنوعا، فأضحى على الخشبة، حوارا، بوحا، إعترافا جريئا، في كساء من رهافة لا تكسر الموازين الأخلاقية ولا تحرج السمع بل يبقى الجو حميما بين الخشبة وظل الصالة، متين الأواصر في تفاعل مستمر لا يشحّ ضوؤه ثانية. الديكور شبه عار، بار وطاولة ورفوف لاحتواء قناني الكحول ونادل (إيلي متري) الذي يلعب في هذه المسرحية دور النادل الساخر، المتوتر دوما، ودور العاشق الذي يخشى أن يتورّط في زواج من حبيبته (ديامان بو عبود) المتحررّة والمطالبة بالمساواة ولكنها في آن واحد تشكو من اللامبالاة وتحلم بفستان العرس والزفة وقالب الحلوى والمدعوين الكثر وأن يكثر حبيبها في حبها. في مستهل المسرحية تدخل ديامان (كارول) مع باتريسيا نمور (كارمن) البار لآحتساء قدح من الباكاردي، وتبدآن بسرد قصصهما وشكواهما وعتبهما على تصرّف الرجال لا سيما حبيب الأولى وزوج الثانية ومطلّقها والعثرات التي يضعها في طريقها لرؤية إبنها. في آخر الخشبة زينة زيادة (ناديا) المسؤولة عن الموسيقى وعن تهدئة الأجواء الملتهبة بصفّارتها. في هذا الجو اللطيف رغم تنهدات كارمن الموجعة وغضب كارول الأنثوي المتطاير شرارات في البار، يدخل غبريال يمين، آية في اقتباس الدور وخياطته جملة وتفصيلا على قياس مسرحه، والممثل في هذه اللعبة التي شاءتها لينا خوري مسرحا ضمن مسرح حتى تشابك الشخصيات بين واقع مسرحي وآخر وجودي، تثنّى الممثل في ذاته وغربتها، حتى أضحى هو الآخر يسلب الشخصية هويتها الأصلية. وغبريال يمين دخل في قميصين، يحكي بيديه، يفلسف أمور المرأة والرجل بكلماته الهادئة، المكتفية بثقة براهينها، ومداخلاته تعكس شخصيته الأصلية، التي لطالما رصعت الدور الذي يلعبه.لينا خوري وجدت في كل عنصر الشخص الملائم لتقمص دورين دون أن ننتبه لرهافة اللعبة، لأننا لم نكن نعيش حلما ولا شيئا من الترفيه الرخيص، بل كان المشاهد في قلب العمل شاهدا على حلم امرأة ولّى مع بدايات القرن الحادي والعشرين، ليترك مكانه واقعا أرادته المرأة بعلمها وطموحها وقدرتها على التأقلم في حياتها المنعتقة من الوصاية الذكورية، وها هي في نص لينا خوري ورودني الحداد تذكّر الرجل بأن عليه أن يدعوها إلى العشاء والسهر وأن ينفق عليها بعضا من ماله ما دامت هي تنفق الكثير من المال لكي تكون عند حسن ظنه بين ماكياج وتصفيف شعر وفستان جديد و... و"لا يجد ما يقوله حين يراني، وأنا منتظرة منه ما يفاجئه، سوى كلمة حسنا".مسرح لينا خوري ليس كما قال نوفاليس: "العالم يغدو حلما والحلم يغدو واقعا"هي قطفت من غلات حياتنا المتطوّرة، الماضية على سكة السرعة الجنونية، تلتقط ما يدور حولها وفيها ربما، تحفر في وجدان المرأة والرجل، تستخرج منه مياها عكرة. فلا عجب أن تتردد في هذه المسرحية عبارات مثل "ليس ثمة علاقات ناجحة بين أنثى وذكر" أو "مشكلة رجال ونسوان هي مشكلة كل واحد". "صار لازم نحكي" هو كما تقول كارمن "حاجة الى التعبير عن المشاعر" والعبارة تدور بين كل واحد منهم. فالكل يحكي عن الحب ولا أحد قادر أن يعطيه بحلاوته وبساطته، إلا مكسواً بالشروط التعجيزية. فالحب بات سلعة مستحيلة بين شبان هذا العصر وبناته. لعل لينا خوري صنعت مسرحا يعكس الفردوس المفقود، فلا دور هنا للحلم، لا سيما حين يدخل المخرج جورج الأسمر، يبلبل الأمور ويطلب مراجعة النص بحذافيره. في هذا المسرح المولود تلقائيا كأننا منذ هنيهات كنا في تجربة وتمارين منه، صار للضحك معنى عبثي، في هذه الخلطة من الست دلال الغائبة فيقوم مكانها المخرج ويطالب غبريال يمين (وليد) بأن يؤانسها فيما هو ملتف بشال من الريش الوردي، لابراز أنوثة الغائبة، تتوضح العلاقات المستحيلة بين الناس، كل يغني على ليلاه والتواصل مقطوع سوى في المظاهر.تقول كارمن: "الرجال معروفة عنهم بيولوجيا حاجتهم الى الجنس ولا يتحكمون في غريزتهم، فيما نحن النساء نتحكّم في غريزتنا" ويجيب وليد مفلسفا الأمور: "أجل الرجل يفكّر بالجنس سبع مرات في اليوم"، بينما تقول كارول "نحن النساء ثلاث مرات في الأسبوع". في هذا التقييم تلعب ناديا دور المنطق كمن تقول "الرجال يحبون جمال المرأة وليس عقلها".كل شيء مطروح هنا في هذه المسرحية: الحب، الجنس، الذاكرة، الغريزة، الزواج، الحقوق... الخشبة لم تهدأ من عصر شخصية الممثل في قالب الدور وإنجازه. فكل من العناصر الستة كان ناجحا في التعبير بجدارة عن دوره. كان يسمعنا ما في داخله ويستمع في آن واحد الى ذاته. في هذه الثنائية بين الممثل ودوره جاء النص صادقاً، حرّا، منصفا بين رجل وامرأة.
  • شارك الخبر