hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - حنا صالح - الشرق الاوسط

استعادة الدولة المخطوفة توقف الانهيار

الخميس ١٠ تشرين الأول ٢٠١٩ - 07:04

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

الزمان الحرب الأهلية الإسبانية، يقف ضابط نازي مذعوراً أمام الـ«غرنيكا» تحفة بيكاسو ويصرخ «ما هذه البشاعة؟!»، فيأتيه الجواب: أنتم من صنعها! استعدت هذه الرواية مع الأنباء عن قفز مجلس الوزراء اللبناني في آخر اجتماعاته فوق مسؤولية أهل السلطة عن الانهيار المالي الداهم، وهو «إنجاز» حصري لها، وانشغل بما اعتبره الأهم، وهو ابتكار الأساليب لإسكات الإعلام، وإنزال أقسى العقوبات بـ«المجرمين» المغردين والناشطين القلقين على لقمة خبزهم، الرافضين الترويج لـ«نجاحات» السلطة.

يتحدثون عن عقوبات مشددة لإنزالها بـ«المرتكبين»، وعوض أن يجد المواطن كوة ضوء تُعالج مخاوفه بعدما شحّ الدولار، بات يواجه الترهيب لردع الموجوع عن البوح بسبب وجعه. ويبرز ضيق صدر السلطة، التي أخذت البلد إلى أبعد درجات الفساد، بأي اعتراض على التمادي في الإفقار، ورفض نهج المحاصصة الطائفي الذي يغطي الموبقات المحروسة بالهيمنة الخارجية وبندقية «حزب الله»، فيجري القفز فوق نص دستوري (المادة 13) يؤكد على «حماية حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة»، ويتم التلويح بمنحى كتم الأنفاس، بذريعة تشويه «سمعة البلد» والمس بمكانة الدولة المالية، تزامناً مع سقوط البلد تحت قبضة «حزب الله».
يذهب رئيس الحكومة، الذي قدّم لمشروع الموازنة سلة من الضرائب تستهدف المداخيل المتدنية لتمويل فساد الدولة، إلى التلويح بغرامات كبيرة على من «يتناقل إشاعات» من شأنها أن تسيء إلى الرئيس والمال العام (!!) ولمجرد أن مغردين لم يتمكنوا من الحصول على أموالهم بالدولار طرحوا الأسئلة، أحيلوا على القضاء وبعضهم أُوقف، ويصل الإنكار إلى الذروة مع التلويح بأيام سوداء للإعلام والناشطين (..)، لكن أن تنشر «الإندبندنت» للصحافي روبرت فيسك، أنه لم يتمكن من سحب مبلغ بسيط بالدولار من الـATM، يتم تجاهل الأمر، ويذهبون إلى بدعة «الدولار الاجتماعي»، أي يتكفل المصرف المركزي تغطية استيراد النفط والغاز والقمح والدواء وفق السعر الرسمي للدولار، والأمر مشكوك بنجاحه، مع أنه يقتصر على ثلث المستوردات في حين الثلثان سيُدفع ثمنهما وفق سعر السوق! لتبرز بعض ملامح الكارثة، وهي أن البلد المنهك بالديون يستخدم ممراً للمحروقات إلى سوريا للالتفاف على العقوبات الأميركية، والأمر واضح فالفاتورة النفطية التي لا تتجاوز سنوياً 4 مليارات دولار بلغت في سبعة أشهر 4.3 مليار وحتى نهاية السنة ستصل إلى 8 مليارات؟ الأمر الذي يضع لبنان في قلب الخطر وهو دخل دوامة الإقرار بسعرين للدولار ما سيفتح باب مضاربات خطيرة. الأمر مفزع والانهيار يقرع الأبواب بشدة، والبلد أدخلته السياسات المتبعة في المحظور!
أزمة شح الدولار هي أزمة سياسية قبل أن تكون أزمة نقد، بدأت منذ عام 2011 مع حكومة «حزب الله» التي تسببت بعزل لبنان عن محيطه العربي، ومنذ ذلك التاريخ بدأ العجز في ميزان المدفوعات، الذي تجاوز في 9 أشهر من العام الحالي 5 مليارات دولار. ومع تلك الحكومة التي ترأسها نجيب ميقاتي شهد لبنان تراجعاً في نمو الودائع رغم ارتفاع الفوائد، وتراجعت تحويلات المغتربين، وبدأ تراجع الصادرات نسبة إلى الواردات، وتقلص قطاع الخدمات أحد أبرز مصادر العملة الصعبة، خصوصاً مع عزوف عربي عن المجيء للبنان لأسباب يُسأل عنها أهل الحكم.
منذ التسوية السياسية في عام 2016 ازدادت وتائر الانهيار؛ لأن توافق أحزاب الطوائف تقاسم الموارد على حساب حقوق الناس. تراجع تصنيف لبنان الائتماني درجة سنوياً، حتى تم تصنيفه على درجة C، وهي درجة الشك بالقدرة على الوفاء بالتزاماته. مؤسسات التصنيف قرعت ناقوس الخطر، لكن كبار المسؤولين تحدثوا عن نجاح بإقناع مؤسسة «ستنادرد آند بور» بتأجيل تقريرها 6 أشهر، وبدأ خروج كثيف للدولار فوق أن البلد ينزف نحو مليار دولار شهرياً، جزء منه إلى إيران التي نضبت لدى حكامه الأموال «الحلال» وكميات إلى سوريا وبات على ميزان المدفوعات أن يتحمل عجز سوريا وإيران إلى جانب لبنان!
البلد منهوب، عبارة تتردد كثيراً وهي إشارة إلى أن الطبقة السياسية التي رتبت سياساتها ديوناً على البلد تفوق الـ100 مليار دولار، لا تريد أي مساس بمزاريب الهدر والفساد، ووفق الأرقام الرسمية فإن عائدات الخزينة للأشهر الستة الأولى من العام الحالي من الجمارك والهاتف الخليوي والضريبة على القيمة المضافة تراجعت نحو 50 في المائة، ورغم «التراجع» في عائدات الخليوي أكثر من 150 مليون دولار، يضج البلد بصفقة شراء مبنى لإحدى شركتي الخليوي بمبلغ وصل إلى 120 مليون دولار! وبعد أن تحدث وزير المال عن نحو 130 معبراً للتهريب تراجع العدد مع وزير الدفاع إلى تسعة وأن الأمور غير ما يشاع ولم يقل للمواطنين الحقيقة التي يراها، ليعود رئيس الحكومة ويهدد بسوق المهربين إلى السجون!
اختفى الهامش أمام أطراف السلطة اللاهثة وراء مزيد من الديون لتصريف الأعمال بوهم القدرة على تأجيل الانهيار الذي يطرق الأبواب. مليارات الديون الموعودة من مؤتمر «سيدر» تفترض شفافية بديلاً عن الخفة، وتفترص إصلاحات حقيقية وجدية ببدء الحد من الفساد، والتعامل مع المجتمع الدولي لا يكون بنفس أسلوب خداع اللبنانيين ووعيدهم ثم يتنصل المسؤول من مسؤوليته! ومثال الكهرباء التي لم تتأمن رغم أنها رتبت ثلث المديونية صورة عن «إنجازات» الطبقة السياسية!
ينحدر الوضع اللبناني بوتائر متسارعة؛ فساد سياسي تحاصص البلد، وانخراط رغم أنف أكثرية اللبنانيين في حروب الممانعة ضد الأشقاء العرب؛ ما حوّل البلد إلى ورقة في أجندة الخامنئي وفي خدمة مصالح النظام السوري فاستدرج عقوبات أميركية ستتسع وستطال حتماً، وهذا حديث المسؤولين اللبنانيين، الجهات السياسية الداعمة لـ«حزب الله»؛ ما سيسرع من عوامل الانهيار.
الحل الممكن والوحيد يبدأ بوقف خطف الدولة ليستعيد لبنان سيادته على أرضه وحدوده ومعابره وجماركه، فتتوقف استباحة المصلحة الوطنية، التي حولت البلد إلى «جمال تراست بنك» على مكبر. اليوم أهل التسوية أسرى لها لأن أولويتهم مصالحهم المباشرة في المحاصصة الطائفية التي يرعاها «حزب الله»، والخشية أن هذا المسار مستمر حتى تتوفر لدى اللبنانيين الإمكانية الديمقراطية لتغيير من يحكم البلد؛ لأن أولوية سلطة الشطارة بيع الأوهام والاستمرار في تغطية «حزب الله» وتنفيذ سياسته وترهيب الناس.

حنا صالح - الشرق الاوسط

  • شارك الخبر