hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - خاص خاص - دافيد عيسى - سياسي لبناني

كتاب مفتوح الى غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي

الأحد ٦ تشرين الأول ٢٠١٩ - 23:47

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أسمح لنفسي ان أتوجه الى غبطتكم بكل الاحترام الواجب لراعي الموارنة في إنطاكية وسائر المشرق ولرئيس مجلس البطاركة وأساقفة الكاثوليك في لبنان، سائلاً الله أن يسدد خطاكم لما فيه خير الكنيسة ولبنان.

صاحب الغبطة
لم يعُدْ خافياً على أحد حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها وطننا وشعبنا، وبعضها يرتقي الى مرتبة "الخطر الوجودي". نحن نمر في أوقات صعبة وعصيبة ونعيش وضعاً سيئاً لم يسبق ان بلغ هذه الدرجة من السوء، حتى في عزّ أيام الحرب. الناس يئنون من فقر وقهر، الشباب يهاجرون بعدما سُدّت في وجههم سبل العمل والحياة في بلدهم. ثقة الناس بالدولة والمستقبل ضعيفة جداً، حتى لا نقول معدومة. الازمة الاقتصادية تضيّق الخناق على اعناق الناس وتصادر رفاهيتهم وامنهم الاجتماعي. الحروب والحرائق في المنطقة تقلقهم ويخشون امتدادها الى ارضهم. الاحلام تكسرت والخيبات تعاظمت وسقف الطموحات انخفض كثيراً حتى صار العيش الكريم مطلباً وتأمين المتطلبات والبديهيات إنجازاً.
لا يُخفيكم غبطة البطريرك كل هذا الواقع الأليم الذي يحزّ في قلوبكم ويدفعكم الى التحرك والتدخل لتصحيح المسار وتصويب الأمور، وحَمْلْ الطبقة السياسية الحاكمة على إصلاح ما فيها أولاً، لتكون قادرة على القيام بإصلاحات شاملة وملحة.
صاحب الغبطة
منذ تسلمتم أمانة البطريركية، لم تدّخروا جهداً ولم تتوانوا في سعيكم الى تحسين الأوضاع. لقد عملتم على ضخ دم جديد في عروق الكنيسة ومؤسساتها. وأقمتم من خلال جولاتكم وزياراتكم الراعوية ربطاً وثيقاً بين الكنيسة وأبنائها، وبين لبنان المقيم ولبنان المغترب. عملتم ما في وسعكم للتقريب وبث روح المصالحة، وكنتم العين الساهرة والأذن الصاغية وصاحب الكلمة الموجهة والناصحة. وما تلكأتم يوماً في مجابهة المخاطر والأزمات وفي اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب. وآخر هذه المواقف التي لاقت استحساناً وتأييداً، الموقف الداعم لحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش باعتبارهما موقعين أساسيين في بنيان الدولة، ولأن المؤسسة العسكرية ومصرف لبنان هما في أساس صمود لبنان واستقراره الأمني والنقدي، وفي أساس كل استقرار.
صاحب الغبطة
نتوجه اليكم اليوم بإسم الأكثرية الصامتة لنطلب منكم المزيد، ولنُعلِمكم ان الوضع اللبناني بشكل عام والوضع المسيحي بشكل خاص لم يعد يحتمل انتظاراً ودوراناً في حلقة مفرغة، وانحداراً في مسار سريع. الوضع المسيحي ليس على ما يرام، وهو ليس وضعاً سليماً وصحياً وإنما تلزمه "العناية الفائقة"، والعمل على توحيد صفوفه وطاقاته، وزرع الامل والرجاء في ارجائه. وليس من هو أفضل وأجدر منكم لتولي هذه المهمة الوطنية، خصوصاً وان رئيس الجمهورية ليس بإمكانه وبحكم موقعه رئيساً لكل اللبنانيين ان يكون فئوياً وطائفياً ومنحازاً لفريق دون آخر
اما البداية والخطوة الأولى فتكون في إعادة لمّ شمل المسيحيين وتوحيدهم على أسس وأفكار وقضايا مشتركة ومشاريع عملية.
صاحب الغبطة
مع قادة الأحزاب السياسية، لم تعد تنفع لغة الوعظ والنصح، ولم يعد يفيد إلاّ المبادرة والمباشرة في خطوات عملية وفرض إجراءات اعادة بناء الثقة بين أطراف وقوى الساحة المسيحية. ولم يعد مقبولاً أي شكل واي مظهر من اشكال ومظاهر العودة الى الوراء، الى أوضاع ما قبل المصالحات التي كان لبكركي إسهامٌ مباشر وفعال فيها. وانتم من اعطيتم قوة الدفع للمصالحة التي تحققت بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ"، وانتم من رعيتم مصالحة تاريخية بين "المردة" و "القوات اللبنانية.
المصالحات جيدة ومطلوبة لفتح صفحات جديدة، ولكنها غير كافية اذا كانت غاية في حد ذاتها، ولم تعقبها لقاءات ومُناخات تعاون وتنسيق. فإذا توقفت الأمور عند حدود وعتبة المصالحات ولم يُصَرْ الى تحسين العلاقات وعقد لقاءات وفتح خطوط التعاون والتنسيق بين القوى والقيادات المسيحية الأساسية، فإن مفاعيل المصالحات تتآكل مع الوقت، وتكون العودة الى الوضع الأسوأ بدل التقدم الى الوضع الأفضل. فهل يعقل ان تكون الخطوط مقطوعة بين القيادات والأطراف المسيحية، وان لا نشهد أي مبادرة وان يظل الانقطاع سيد الموقف؟
صاحب الغبطة
ان دوركم فاعل ومؤثر في تحديد الخيارات وخارطة الطريق في مواجهة التهديدات والضغوط على أنواعها. وننتظر منكم مبادرة جامعة على الصعيد المسيحي تعيد إحياء روح التعاون والتنسيق، وترد الاعتبارات الى الموقف المسيحي المتناثر والمبعثر. وهذه المبادرة تركّز على جمع المسيحيين حول مسائل وقضايا أساسية وحيوية تحت سقف بكركي وبرعايتها. اذ لا يجوز ان يستمر الوضع المسيحي على ما هو عليه او ان يترك على سجيته وعلاّته. الوقت حان لإعادة توحيد الموقف المسيحي على أسس واضحة وركائز ثابتة وخطة أولويات تتضمن البنود التالية:
- دعم المواقع الرئيسية الثلاثة المتمثلة برئيس الجمهورية وقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، أياً يكن شاغلو هذه المواقع وفي مطلق الأحوال والظروف.
- الدفع في إنجاز تطبيق ما لم يطبق حتى الآن من اتفاق الطائف، لاسيما ما يتعلق باللامركزية الإدارية الموسعة، التي لها الأثر المباشر في تحقيق الإنماء المتوازن والعدالة المناطقية والاجتماعية.
- تنسيق الموقف في ما خص أي قانون انتخابات جديد، وانطلاقاً من القانون الذي أُقرَّ عام 2018 وحقق نقلة نوعية على صعيد تمثيل المسيحيين من الإتيان بنواب يختارونهم ويمثلونهم. ومن الطبيعي ان هذا القانون إذا انطوى على ثغرات ظهرت في التطبيق فإنه قابل للتطوير والتعديل في اتجاه الأفضل، ومن دون الذهاب الى ما هو أسوأ، وللتقدم الى الامام ومن دون العودة الى الوراء.
- ملف النازحين السوريين وكيفية مواجهته. خصوصاً أن هناك توافقاً عاماً على ما ينطوي عليه من مخاطر وجودية ومستقبلية ومن أعباء مالية واقتصادية واجتماعية. وان هناك دعماً لموقف الرئيس ميشال عون وللتصور الذي قدمه في الأمم المتحدة، من دون ان يعني ذلك عدم الأخذ في الاعتبار مناقشة أفكارٍ أخرى قيّمة كألتي اقترحها الدكتور سمير جعجع بتوزيع النازحين على الدول العربية الواسعة جغرافياً والغنية بإمكاناتها، أو بإنشاء مخيمات للنازحين ضمن الأراضي السورية وفي مناطق محاذية للحدود مع لبنان أو بعيدة عنها.
- الاتفاق على الخطوط الأساسية لأي استراتيجية دفاعية من شأنها ان تحدد دور الدولة وعلاقتها مع "المقاومة".
- التفاهم على الملفات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية والإصلاحية، التي شكلت في الآونة الأخيرة مصدر القلق الأساسي للمواطن، ومصدر التوتر والتباعد بين السياسيين وقادة الأحزاب.
هذه عينات ونماذج من تفاهمات يمكن ويجب ان تحصل بين القوى المسيحية برعاية بكركي وتحت إشرافها. فإذا لم يكن الاتفاق ممكناً فليكن على الأقل اتفاق على تنظيم الخلافات. وإذا كان التفاهم متعذراً على تفاصيل وشؤون يومية وسلطوية، فليكن التفاهم واجباً على القضايا والمسائل الكبرى الأساسية وكل ما له صلة بالوجود والمستقبل. وإذا كانت الثقة قد تزعزعت الى حد السقوط بالطبقة السياسية، فإنها ما زالت راسخة بالبطريركية المارونية الامينة على رسالتها ودورها وخطها التاريخي. 

  • شارك الخبر