hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - دافيد عيسى - سياسي لبناني

ثلاثون سنة على "اتفاق الطائف"

الإثنين ٣٠ أيلول ٢٠١٩ - 06:22

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ثلاثون سنة بالكمال والتمام مرت على اتفاق الطائف، الذي كان وسيبقى نقطة التحول الجذري في مجرى الاحداث والتاريخ الحديث، والحدث الأهم الذي شهده لبنان في السنوات الخمسين الأخيرة. وإذا كانت هذه السنوات حافلة بالأحداث فإن حدثين كبيرين يظلان مطبوعين في الذاكرة الجماعية للبنانيين: اندلاع شرارة الحرب الاهلية في العام 1975، واتفاق إنهاء الحرب في العام 1989.

اهمية اتفاق الطائف لا تكمن فقط في انه اسدل الستارة على الحرب الموجعة والمدمرة التي حصدت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، وانما تكمن ايضاً في انه اطلق الجمهورية الثانية، وادخل تعديلات أساسية على النظام اللبناني، الذي بقي نظاماً طائفياً لا بل زاد طائفية ومذهبية، ولكن وفق توزيعات جديدة للأدوار والحصص والأحجام.
من الممكن ان تختلف الآراء إزاء اتفاق الطائف وان تتوزع بين حدّين متناقضين، بين من يراه اتفاقاً جيداً، ومن يراه سيئاً ولم يحمل معه التغيير المنشود، ولم يضع الأسس المتينة والصلبة لنظام مستقر ومتكافئ. ولكن يكفي ان اتفاق الطائف وضع حداً للحرب ولم يكن متوافراً في حينه إلاّ مثل هذه التسوية الواقعية، سواء كانت تعكس الواقع، واقع نتائج الحرب وتوازنات ما بعدها، او كانت بمثابة امر واقع.
وكلمة حق تُقال، ان اتفاق الطائف شكل تسوية "أفضل الممكن" ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وتحديداً للمسيحيين الذين خسروا عملياً الحرب بسبب خلافاتهم وحروبهم الدموية و"الاخوية" وانقساماتهم الداخلية، ومع ذلك فإنهم حافظوا على صدارة المشهد اللبناني وعلى مواقع أساسية في الدولة وخصوصاً رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، مقابل خسارتهم لبعض صلاحيات الرئاسة التي انتقلت الى مجلس الوزراء مجتمعاً، فإنهم ربحوا ضمانة أساسية تتمثل في "المناصفة" التي كرسها الدستور والعرف بين المسيحيين والمسلمين، بغض النظر عن العدد والحجم، وهذا في حد ذاته عامل طمأنينة وثقة ويعني ان المسلمين يريدون الشراكة الفعلية مع المسيحيين شركائهم في الوطن، وعلى قاعدة التوازن وحفظ خصوصيات وحقوق الجميع.
يكفي للتمسك باتفاق الطائف الذي صار دستوراً ان لا وجود لمشروع او نظام بديل أفضل منه يراعي الاعتبارات والتوازنات والتعقيدات اللبنانية، والمشكلة ليست في مضمون الطائف ونصوصه، وانما هي موجودة في مكان آخر وناتجة في رأينا عن أمرين أساسيين:
الأول: يتعلق بما أصاب المسار التطبيقي للطائف وعملية تنفيذه، من تحوير وحرف عن المسار الأساسي وروحيته الفعلية، وحصل ذلك نتيجة تطورات وأحداث طارئة بدءاً من اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض، وصولاً الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما بين الحدثين من تهميش للزعامات المسيحية الحقيقية، وتغييب لقادة الاحزاب المسيحية نفياً أو سجناً، وبعدما كان الطائف نتاج تفاهمات إقليمية ودولية انتهى به المطاف ليصبح وحتى العام 2005 واقعاً تحت تأثير ونفوذ دمشق، التي تحكمت بمفاصل الدولة وسلطة القرار عبر "مفوضها السامي" في لبنان، وحددت قواعد اللعبة والمعادلات الجديدة، التي أخلّت بالتوازن الوطني. وما زلنا حتى اليوم نعاني من رواسب وذيول حقبة الوصاية، لأن الطبقة السياسية اعتادت الممارسات والتصرفات والامتيازات الخاطئة التي صارت قاعدة، بدل ان تكون استثناء، وهذا ما يفسر كيف ان الوضع في لبنان لم يطرأ عليه تحسن يُذكر بعد الانسحاب السوري، وكيف ان مكاسب وامتيازات استحدثت في تلك الحقبة ما زالت سارية المفعول حتى اليوم.
الثاني: يتعلق بعدم تطبيق أجزاء واسعة وبنود مهمة في اتفاق الطائف، والتي لو طُبّقت لأحدثت فرقاً ملحوظاً ونقلة نوعية، وخصوصاً في مجال الإصلاح السياسي والإداري وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نصَّ اتفاق الطائف على اللامركزية الإدارية الموسعة، التي لم تُطبّق حتى الآن، ولو طُبِّقت لاختزلت كثيراً من المشاكل الإنمائية والاجتماعية وألغت الفوارق المناطقية والاختلالات الطائفية، فمن غير المقبول ان مناطق الأطراف تظل تعاني من الحرمان والإهمال بسبب طغيان السلطة المركزية، ومن غير الجائز والمنصف ان مناطق تدفع اعلى نسبة ضرائب لخزينة الدولة وتتلقى أقل نسبة مشاريع وإنماء.
ثمة بنود أخرى لم تُطبَّق مثل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وعودة المهجرين، وإنشاء مجلس الشيوخ بعد انتخاب مجلس نيابي لا طائفي، وتشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية.
اتفاق الطائف بحاجة الى تطبيق وليس الى تعديل، فليُطبّق أولاً وكاملاً قبل الدعوة الى تعديله أو قبل الحكم عليه والدعوة الى طائف جديد، وإذا كان من حاجة ومبرر للتعديلات فإنها لا تكون في نصوص وبنود الطائف، وإنما في ممارسات الحكم وطريقة إدارة الدولة واتخاذ القرارات والعلاقة بين السلطات.
ومما لا شك فيه ان ثغرات ونواقص كثيرة ظهرت في معرض ممارسة الحكم على قاعدة الطائف، وتتطلب تعديلاً ومعالجة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ايضاً، ما يتعلق بصلاحيات رئاسة الجمهورية وتقييده بمهلة زمنية لتوقيع المراسيم، بينما الوزراء متحررون من أي مهلة، او تقييد لسلطتهم وقدرتهم على التدخل كحكَم لفض النزاعات وتأمين استقرار الدولة، من دون ان يكون في يدهم لا عصا ولا "صافرة" حتى.
هناك أيضاً الإشكاليات المتعلقة بعملية انتخاب رئيس الجمهورية ونصاب الثلثين، وبعملية تشكيل الحكومة والمهلة المفتوحة، وهذا ما أدى تكراراً الى أزمات الفراغ الرئاسي وازمات تشكيل الحكومة واستمرار حكومات تصريف الاعمال لفترة طويلة. أضف الى ذلك التصويت في الحكومة ومجلس النواب وقواعد الميثاقة وتحديد المسائل الكبرى التي تحتاج الى إجماع أو أكثرية الثلثين.
في الختام، لا بديل عن اتفاق الطائف اليوم بعدما أصبح اساساً للاستقرار الوطني، ولكن في المقابل لا يمكن إبقاء الطائف في حال جمود وركود، ولا يمكن التغاضي عما أصابه واعتراه من ثغرات وشوائب. وإذا كان كل تفكير بإلغاء الطائف أو تغييره تفكيراً غير سليم ووصفة لأزمة وطنية وحرب جديدة، فإن كل تفكير بتطوير الطائف وتحسينه هو تفكير سليم ودعوة صادقة الى انقاذ الطائف وإرسائه على اسس صلبة وإعادته الى سكته الاصلية الصحيحة وإعادة الروح اليه.
 

  • شارك الخبر