hit counter script

ليبانون فايلز - الحدث الحدث - دافيد عيسى سياسي لبناني

"حوار اقتصادي" على حافة الهاوية

الإثنين ٢ أيلول ٢٠١٩ - 06:20

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

الوضع ما عاد يُطاق ولا يُحتمل، واللبنانيون ضاقوا ذرعاً بالوعود والكلام وسياسة الانتظار والتأجيل، وينتظرون الفرج بفارغ الصبر.

بالامس استنفر إدراج وزارة الخزانة الأميركية لمصرف "جمّال تراست بنك"، وثلاث شركات تابعة له على لائحة الإرهاب التي يصدرها "مكتب مراقبة الأصول الخارجية" المعروفة بإسم "أوفاك"، الدولة بقدها وقديدها من رئيس الجمهورية الى رئيسي مجلس النواب والحكومة، مروراً بوزارة المال، وصولاً الى حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف، تداركاً لأي انعكاسات أو تأثيرات محتملة للقرار الأميركي على القطاع المصرفي اللبناني.
كل المسؤولين في الدولة والمشاركين في الحكم باتوا مدركين وبعمق ان البلاد دخلت مرحلة الخطر الفعلي وتقف عند مشارف الانهيار، وأن السفينة إذا غرقت ستغرق بمن وما فيها، وأن الوضع يتطلب قرارات صعبة وجريئة...
قبل فترة وجيزة، عُقد اجتماع اقتصادي مالي في قصر بعبدا جمع أركان الحكم وكل الذين لهم صلة بالوضع المالي والتأثير عليه، وانتهى الاجتماع الى ورقة عمل تتضمن عناوين المرحلة المقبلة وأولوياتها وخريطة الطريق لمعالجة الازمة والتعاطي والتعامل معها.
بعدها بأيام بادر رئيس الجمهورية ومن باب توسيع حلقة التشاور والمشاركة في صياغة الخطة الانقاذية، الى دعوة بعض الخبراء في مجال المال والاقتصاد مستمعاً الى شروحاتهم وأفكارهم ومقترحاتهم، وهذه مبادرة جديدة من نوعها عندما يقرر الرئيس الخروج من الأطر الرسمية التقليدية الضيقة الى أطر جديدة أكثر التصاقاً بالواقع والارض.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فرئيس الجمهورية وبالتشاور مع رئيسي مجلس النواب والحكومة، ارتأى الذهاب الى حوار اقتصادي في قصر بعبدا، الذي هو جزء من الحوار الوطني المطلوب استئنافه، فقد بات الجميع على بيّنة من خطورة الازمة وان الخطوات المجتزأة مثل إقرار الموازنة وإجراء التعيينات لم تعد كافية، والمطلوب هو مقاربة وطنية مسؤولة وشجاعة للأزمة من كل جوانبها، تضع كل المسؤولين وقادة الاحزاب السياسية أمام مسؤولياتهم وحيث لا أحد معفى من المسؤولية.
سبق ان دعونا ولأكثر من مرة، الى استئناف الحوار الوطني كحاجة وضرورة ملحة في مواجهة الملفات والأزمات المكدّسة، ولكن لا بأس ان اختُزل الحوار الوطني حالياً بالملف الاقتصادي والمالي، لأن الخطر الداهم في هذه المرحلة هو خطر الازمة المالية التي تضيّق الخناق على الدولة والشعب في آن، ولأن المعالجة تقتضي قرارات وتدابير إصلاحية وإنقاذية صعبة ومكلفة، وفي أحيان كثيرة تكون غير شعبية، ولذلك فإنها تتطلب توافقاً وطنياً وسياسياً، فلا معالجة اقتصادية ولا خطوات وإجراءات من دون توافر القرار والغطاء السياسي الذي يلزمه التوافق والتشاور والتشارك...
لا يكفي ان توضع خطط مثل "خطة ماكينزي" الاقتصادية وإنما المهم وضعها موضع التنفيذ، ولا يكفي ان تعقد مؤتمرات مثل مؤتمر "سيدر" لدعم لبنان، وإنما المهم ان تتوافر الظروف والمقومات ووقف السرقة وهدر المال العام والمحاصصات لتنفيذه واستثمار نتائجه وقطف ثماره، ولا يكفي ان تُكتب أوراق عمل وتدبّج بيانات وزارية إذا ظلت حبراً على ورق ولم توضع خطط وبرامج وقرارات تنفيذية، وهذا ما يمكن أن يشكل الحوار الاقتصادي – السياسي مدخلاً اليه وأن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، في اتجاه الإصلاح والإنقاذ، خصوصاً وأن "طاولة الحوار" ترتكز الى مؤسسات قادرة وناجحة، منها ما كان له دور حاسم في ضبط الازمة ومنع الوصول الى انهيار مثل مصرف لبنان، ومنها من كان لها دور فعال واساسي في حماية المؤسسات الاقتصادية في لبنان ورسخت من خلالها موقعها الريادي في قلب الاقتصاد الوطني اضافة الى التبادل التجاري والاقتصادي مع مختلف دول العالم، مثل الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير محمد شقير، ومنها ما يجب ان تأخذ دورها كاملاً وأن تذلل من طريقها العقبات والتدخلات السياسية مثل المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
مما لا شك فيه ان مصرف لبنان، بفعل سياسات الحاكم رياض سلامة، نجح في حفظ الاستقرار النقدي الذي يضاهي الاستقرار الأمني ولا يقل أهمية عنه.
أما المجلس الاقتصادي الاجتماعي برئاسة شارل عربيد والذي كان خير خلف لخير سلف الرئيس السابق روجيه نسناس الذي أعطى المجلس من جهده ووقته وماله وأمّن استمراريته وإنتاجيته، فإنه يحاول متابعة ما ما بدأه نسناس بإمكانات متواضعة كما يحاول الإسهام في عملية الإنقاذ الاقتصادي ويقوم بدوره على أفضل ما يكون في إدارة نقاش وطني شامل مع أهل السياسة والاختصاص، وكانت له مبادرة مميزة في تنظيم واستضافة حوار اقتصادي هو الأول من نوعه بين الأحزاب السياسية الكبرى عبر ممثليها من خبراء المال والاقتصاد وكانت تجربته في هذا المضمار مقدمة ونموذجاً للحوار الاقتصادي في بعبدا.
وهنا المطلوب ان تتاح للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الإمكانات، وأن تتوقف كل محاولات النيل من صورته ومصداقيته أو استحداث مجالس اقتصادية موازية، لا لزوم لها ولا تبغي الا الحرتقات والمناكفات.
ونقولها بصراحة هنا، المجلس الاقتصادي الاجتماعي يهمنا كمؤسسة وطنية جامعة لكل القطاعات والمهن، وخصوصآ ان على رأسه اليوم رجل يتميز بنظافة الكف والرؤية والدينامكية والخبرة، وبالتالي نرفض أي تهميش وأي إضعاف لدوره وأي تجاوز وإقصاء له في عملية الإصلاح والإنقاذ، مثلما نرفض أي إقصاء وإهمال لأي من المكونات اللبنانية في مسار الحوار الاقتصادي الذي ينطلق اليوم من قصر بعبدا.
 

  • شارك الخبر