hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - خريستو المرّ

الإنسان المسيحيّ والسلطة...

الثلاثاء ٢٧ آب ٢٠١٩ - 06:26

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ ألفي عام مشى بيننا إنسانٌ، كلّيُّ السلطة، غسلَ أرجلَ تلاميذه قبل ذهابه إلى الموت على الصليب بقليل. إنسان امتطى صليبه بحرّيةٍ واقتحم بالحبّ معاقل الموت، وترجّل بعد ثلاثة أيّام مكلّلاً بالضوءِ من أجل أن تكون الحياة للعالم وتكون أوفر. هذان الحدثان الإيمانيّان لهما امتدادات حياتيّة؛ إذ بهذين الحدثين أعلن يسوع بما لا لُبس فيه أنّ السلطة الكلّية – سلطة الله – هي المحبّة الخادمة، الباذلة. ولأنّ كلّ محبّة هي دائما معلّقة على الصليب من أجل نموّ الآخرين، فإنّ إعلانه يعني أنّ السلطة الكلّية هي تلك المستعدّة أن تتجرّع الموت من اجل نموّ الآخرين في الفرح والحياة. كلّ أمّ أصيلة وأب أصيل وشهيد أصيل يفهم تماما هذا الكلام.
إعلان يسوع هذا، كما نفهمه، هو جواب على سؤال بيلاطس ما هو الحقّ؟ إعلان يسوع جواب يقول: الحقّ هو الحياة، هو أن يحيا الآخرون وأن تحيا الذات بالسلطة الكلّية للحبّ. أمّا الحبّ فنعرف أنّه وحدة تحترم التمايز وأنّه بالضرورة معلّق على صليب الآخر، وبالنسبة لله الحبّ معلّق على صليب "منذ انشاء العالم".
من هنا يمكننا أن نحدّد السلطة المنسجمة مع المسيحيّة بأنّها تلك السلطة التي تسعى إلى حياة الآخر ونموّه كغاية، أمّا تلك المتعارضة مع الإيمان المسيحي فهي تلك التي تستغلّ الآخر وحياته كوسيلة لتحقيق مصالحها، والتي تؤدّي في النهاية أن يتضاءل نموّ الآخر فيها، وأن تضمر حرّيته وقدراته.
هكذا مثلا، سلطة الأساتذة هي مقبولة إيمانيّا إذا كانت تهدف إلى تدريب الطلّاب كي يصبحوا فاهمين ومستقلين فكريًّا كالأساتذة (على افتراض استقلالهم)، وتسلّطهم يكمن بطلب خضوع الطلّاب الأعمى لهم وترداد ما يلقّنوهم. أمّا سلطة السياسيين فتكمن في عملهم للمصلحة العامّة أي لمساواة الناس بالحرّية والكرامة (وعندما نقول كرامة نعني حقّ الإنسان الطبيعي بالمسكن والعمل والطبابة والعلم، إلخ.)، أمّا تسلّطهم فيكمن باستغلالهم للناخبين، وإخضاعهم بالدعاية أو بالمال أو بالتهديد، من أجل الوصول إلى السلطة ونهب ثروات البلاد. وكذلك سلطة رجال الدين (يكاد الموضوع يكون حكرا على الرجال في بلادنا)، فهي تكمن بتعاونهم مع "العلمانيّين" ومع زملائهم من رجال دين، للسهر على الإيمان، وخدمة كرامة الناس جميعًا مثلما فعل يسوع والأنبياء، أمّا تسلّطهم فيمكن باستخدام موقعهم وعلاقاتهم وأدوات "السلطة" لديهم لإخضاع غيرهم، بالترغيب بمنصب أو بالتهديد بعقاب، وحتّى بتحوير الرسالة الدينيّة نفسها لخداع العقول واستلاب حرّية الناس.
من وجهة نظر مسيحيّة، تكون السلطة – مدنيّة كانت أم دينيّة – عقلانيّة عندما تسعى أن ينطلق مَن يحيوا في ظلّها ليحقّقوا ذواتهم وينموا معًا "إلى ملء قامة المسيح" في وحدة وحرّية وكرامة؛ وتكون السلطة لاعقلانيّة عندما تشييء الإنسان وتستغلّه وتسعى لإخضاعه، فتُنتِجُ عبيدًا منهزمين، يعوّضون عن شعورهم بذلّ الخضوع بالتسلّط على "الأضعف"، وبالنفاق على "الأقوى".
إنّ يسوع المسيح بإظهاره معنى السلطة، ومواجهته المستمرّة لسلطة الدينيّة المتمثّلة بالفرّيسيّين، ومواجهته العلنيّة للسلطة السياسيّة بشخص هيرودس، وإظهاره حرّية كبرى في التعامل مع السلطة السياسيّة الرومانيّة (بيلاطس)، يحضّ كلّ مسيحيّة ومسيحيّ على مواجهة كلّ سلطة لا عقلانيّة لأنّها تدمّر الإنسان وتُنشئُ بيئة تهيّءُ للانفصام بين الإيمان والأعمال، وتعرقل ممارسة المحبّة لكونها تعرقل ممارسة الحرّية. وإن لم يكن باستطاعة إنسانٍ ما أن يواجه - وحده أو جماعيًّا - سلطة جائرة، فأقلّ الإيمان هو ألاّ يشيد بها، ولا يروّج لمهالكها على أنّها نجاة.
إن ثبت المسيحيّون والمسيحيّات في محبّة وتعاليم سيّدهم، ثبت هو فيهم وتجلّى في الأرض، وانتصروا مع إخوتهم في الإنسانيّة الانتصارَ الأكبرَ، ذاك الذي يجمع ويوحّد في ظلّ سلطة عقلانيّة "من أجل تكون الحياةَ وتكون أوفر"... للجميع.

خريستو المرّ
 

  • شارك الخبر