hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - خريستو المرّ

"مارث تيستاس" العالم العربي

الأربعاء ٢١ آب ٢٠١٩ - 06:17

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا نعرف الكثير عن بدايات "آل بويسّي"، نعرف أنّها ولدت عا 1765 في شرق أفريقيا. لا شكّ أنّ الطفلة كانت تركض في قريتها ملء ضحكتها، ولكن نعرف أنّها أُسِرَت مع أمّها وهي بعد في بداية المراهقة في غزوة رجال بيضٍ كجهنّم، لاعتقال بشر سود واستعبادهم. من وقتها ثقلت رجلا "آل" بحجر الخوف، ورمتها الحضارة في دوار عميق. وقع التراب الأفريقيّ عن قدمي "آل"، وضاع، وضاعت.
نعرف بعض الأشياء بعد القبض على"آل بويسّي"، نعرف أنّه في يوم ما بين عامي 1778 و1781 بيعت إلى الأخوين بيير وفرنسوا تيستاس رجلا أعمال في مدينة النبيذ المعتّق الرومنطيقيّ بوردو، كانا صاحبي مزرعة في جزيرة الدومينيك. ونعرف أنّه في عمر ال 16 رُحِّلّت إلى مزرعة فرنسوا في جزيرة الدومينيك في الكاريبي، هناك تطوّع فرنسوا أن تمرّ«آل» بطقس العمادة الجميل، فقد كان ينبغي بعرف الحضارة الجميلة وكتعبير عن محبّة خالصة أن تعمّد "آل"، فـهي لم تكن مسيحيّة بعد وفرنسوا بلا شكّ يحبّ يسوع ويعرف أن الطريق الوحيد للخلاص هي عبره وفي المسيحيّة حصرًا، أي في الكثلكة.
غيّر فرنسوا اسم "آل" إلى "مارث أديلاييد موديستي تيستاس"، والبشرية لطالما فهمت ما تؤكّده علوم الاجتماع أنّ من يسمّي شيئاً أو شخصاً يمتلك نوعاً من السلطة عليه، ولهذا رفض الله أن يعطي لنفسه اسماً لمّا سأله موسى عن اسمه: أجابه يهوة وذلك يعني "أنا من أنا" أو "أنا الذي يكون"، أي يا موسى ليس لك ولا لشعبك أن تمسكوني أنا لست ملككم (واليوم ودائما هناك من يحاول القبض على الله في الدين أو في السياسة). "آل" لم يكن لديها خيار الرفض، دفنت اسمها في قلب الفتاة التي وطئت تلك الجزيرة ولبست اسمها الجديد "مارث". اتّخذ فرنسوا "مارث" في مزرعته عبدة وعشيقة في آن، لم يبلّغ أحدٌ أنّه أخذ رأيها لا بالعبوديّة ولا بالحبّ ولا بالجسد، ولكن هُيِّئ لي أنّي وجدتُ منذ أسبوع زجاجةً على الشاطئ الشرقيّ من كندا حملت رسالة من ثلاث كلمات: "أنا آل بويسّي".
لربّما فرنسوا أحبّ "آل" لاحقًا، لربّما شعر بالذنب، لا نعرف، نعرف أنّه في وصيّته التي نُفّذت عام 1795 أوصى بتحرير "مارث" وبقطعة أرض لها ميراثًاً. لربّما لم يكن وحشًاً في النهاية. لكن لربّما تسرّعتُ، إذ لاحقاً تزوّجت "مارث" من جوزيف ليسبيرانس أحد العبيد السابقين الذين أطلقهم فرنسوا من العبوديّة. هل أحبّت مارث جوزيف مع أنّه لم يكن يحقّ لها أن تعشق إلاّ فرنسوا؟ لا نعرف. لكن بالتأكيد لم تكن مع فرنسوا لأنّها لم تكن حرّة. بحرّيتها اتّخذت جوزيف حبيباً، نعرف إذا أنّنا لا يمكننا أن نتأكّد من حبّها إلاّ لجوزيف، لأنّها معه كانت قادرة أن تقول لا ولكنّها قالت نعم.
عام 1870 توفّى الله "آل بويسّي" التي نامت طويلاً تحت جلد "مارث تيستاس"، وغبار السماوات لا شكّ أضاء قدميها الصغيرتين؛ ولربّما رفعها الله على كتفيه فوق العرش وأسرّ لها بسرّ أو آخر، ولربّما أدمعت أخيرا «آل» من الفرح. بعد وفاتها، صار حفيدها فرنسوا دينيس ليجيتيم رئيسا لجمهوريّة هايتي بين عامي 1888 و1887. أمّا الحضارة فقد تابعت بين القرن السابع عشر وبداية التاسع عشر ترحيل مائة وخمسين ألف إنسان مستعبد عبر مرفأ بوردو.
أخيرًا، في 9 أيّار 2019 وضعت مدينة بوردو لمارث تيستاس تمثالاً، أمامه قيدٌ مكسور. قد يكون قيد "آل بويسّي" كُسِرَ، وقيد فرنسوا أيضاً قد تكون كسرته الوصيّة، يتساءل دمي هل كُسِرَ النظام العبوديّ؟ أتساءل لأنّ في العالم العربي (ولنترك، رجاءً، العوالمَ الأخرى للحظة) المحشوّة بالدين حشوًاً، مئات الآلاف من مارث تيستاس، مسلوبات جوازات السفر في نظام الكفالة العبوديّ، تعاملن بنظام عمل بلا شفقة، وأحيانا يَتَّخَذونهن مئات آلاف "عشيقات" دون موافقتهنّ، تخضعن للتهميش، ولا تبلغهنّ وصيّة رحمة إلاّ نادراً، وأحياناً كثيرة يتلقّف رقابهن حبلٌ ما، أو تتلقف دمائهنّ أرضٌ غريبةٌ انتظرتْ تحت الشرفات طويلا أجسامهنّ الطريّة إذا ما هبط في نفسوهنّ وحش الليل بعدما هبطت على أجسادهن وحوش القلوب الحجريّة.
هل نرى آل/مارث التي حولنا، هل نحرّرها؟ هل نحرّر اسم الله من ضيق قلوبنا ونفاقنا؟

خريستو المرّ
 

  • شارك الخبر