hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - بشير عبد الفتاح - الشرق الاوسط

إيران والتحالف الدولي لتأمين الملاحة في الخليج العربي

السبت ١٧ آب ٢٠١٩ - 06:59

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مِن رحِم تضليل متعمَّد لمفهومي "الأمن الجماعي" و"الأمن الإقليمي"، ينبلج الاستياء الإيراني جراء مشاركة أطراف إقليمية ودولية في جهود حماية الملاحة البحرية في الخليج العربي ومضيق هرمز.

تتبنى إيران رؤية مشوَّهة لأمن مضيق هرمز تنطلق من اعتباره مِرفقاً إيرانياً وليس ممراً ملاحياً دولياً، ومن ثم ترفض الاعتراف بأن حمايته لا تقع على عاتقها وحدها، فيما تتأسس الرغبة الدولية المتنامية بالمشاركة في حماية خطوط الملاحة البحرية في الخليج العربي ومضيق هرمز، بناء على يقين راسخ بمخاطر التهديدات الإيرانية في هذا الصدد.

خلال الآونة الأخيرة، تفنَّنت إيران في الإضرار بالملاحة البحرية من خلال أعمال إرهاب وقرصنة بحرية واستهداف ناقلات النفط، حتى بات ثلث إنتاج النفط الذي يمر عبر مضيق هرمز معرضاً للخطر بما يهدد الاقتصاد العالمي، خصوصاً بعدما ارتفعت كلفة وثائق التأمين على الناقلات، ما قلَّل عدد الشركات التي تُسير سفناً عبر أهم ممر مائي للنفط في العالم، فيما تبنى بعضها تدابير احترازية لتفادي منطقة يبلغ اتساعها 12 ميلاً بحرياً عرضة للاعتداءات الإيرانية، فضلاً عن لجوء شركات عدة إلى وقف عمل أجهزة تبادل الإشارات (ترانسبوندرز) أثناء مرورها عبر مضيق هرمز، تفادياً للممارسات الإرهابية الإيرانية.

واستناداً إلى المرجعية القانونية المتمثلة في ما نصَّ عليه ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن، اقترحت واشنطن تكثيف الجهود الدولية لحماية أمن الملاحة في الخليج العربي. وأعلن الرئيس دونالد ترامب، التزامه حماية مصالح واشنطن وحلفائها في مضيق هرمز من تهديدات إيران. في موازاة ذلك، جاءت التحركات الأوروبية المكملة لنظيرتها الأميركية، إذ دعمت فرنسا وإيطاليا والدنمارك خطة بريطانية لتشكيل مهمة بحرية أوروبية للغرض ذاته. أما روسيا، فتقدمت بمبادرة للأمم المتحدة مدعومة من الصين، تطرح تصوراً لنظام الأمن الجماعي في الخليج العربي، وتتضمن عدم نشر قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة، وإبرام اتفاقات للحد من التسلح، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، والتزام الشفافية المتبادلة في المجال العسكري، واعتماد الحوار والتواصل عبر خطوط ساخنة.

أما نظام الأمن الإقليمي، فينصرف إلى سعي مجموعة دول تنتمي إلى إقليم محدد، لتدشين تعاون عسكري- أمني، انطلاقاً من توافق الإرادات والمصالح المشتركة، بغية التوصل إلى حلول سلمية حاسمة للصراعات والنزاعات في الإقليم.

بيد أن إيران ترفض مشاركة أطراف دولية في نظام الأمن الجماعي المقترح لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي ومضيق هرمز. وبينما لا يتورع "نظام الملالي" عن بث الفرقة بين دول الإقليم من خلال افتعال التقارب مع بعض دوله كقطر وعُمان، فإنه يرفض في الوقت ذاته أي دور لأي قوة أجنبية في أمن الخليج أو أمن الملاحة فيه، ومن ثم تنظر طهران بريبة وقلق بالغين إلى التحركات الأوروبية والأميركية لتشكيل قوة لحماية الملاحة البحرية في الخليج، بمشاركة إسرائيلية. علماً أن الكثير من المسؤولين الإيرانيين، تباروا في التشديد على أن "الترتيبات الأمنية الإقليمية يجب أن تعتمد على القدرات المحلية والتعاون بين دول المنطقة"، والتحذير من أن يفضي التدخل الأجنبي إلى تعقيد الخلافات وتصاعد التوترات واندلاع المواجهات.

وفي تحد سافر للمبادرات الإقليمية والدولية المعنية بحماية أمن الملاحة في الخليج العربي، أرفقت طهران تهديداتها، بخفض التزاماتها حيال الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 وبمباشرة أعمال القرصنة لضد السفن والناقلات، ونزع الصفة الدولية عن مضيق هرمز كممر بحري يجب أن يبقى آمناً لتدفق النفط ومسار التجارة، كما اختبرت صاروخاً باليستياً متوسط المدى من طراز "شهاب 3". كذلك، عمدت طهران إلى الاستفادة من تعثر المساعي الأميركية الرامية إلى توسيع قاعدة التحالف الدولي لحماية حرية الملاحة. وسعت كذلك إلى الاستفادة من الخلاف الأوروبي- الأميركي في شأن طبيعة المهمة المطلوبة، بداية من هدفها، المتمثل في الردع كما يراه الأميركيون، أو متابعة الأمن البحري في الخليج ومراقبته كما حدّده وزير الخارجية الفرنسي الذي اعتبر المهمة غير عسكرية. وبينما أكد رئيس هيئة الأركان الأميركية جوزف دانفورد تكامل المهمّتين في تبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز نظام المراقبة، إلا أن الأوروبيين يصرون على أن تكون تحركاتهم منفصلة عن استراتيجيا واشنطن لتكثيف الضغوط على إيران. كما حرصت لندن على أن تكون القوة الأمنية البحرية، التي دعت إلى تشكيلها بغية حماية الملاحة البحرية في الخليج، بقيادة أوروبية. وعلى رغم إدراك باريس وبرلين أن إجراءات "الحرس الثوري" الإيراني عسكرية بحتة، إلا أنهما تتخوّفان من أن تشكّل أي خطوات ذات طابع عسكري في الخليج استفزازاً لإيران.

من شأن هذه التحديات مجتمعة أن تبرز الحاجة الملحة إلى مبادرة عربية في هذا الصدد، خصوصاً بعدما أفضى العجز عن بناء نظام عربي للأمن الإقليمي إلى أقلمة وتدويل الأزمات وإطالة أمدها، ما أدى إلى تعاظم دور أطراف إقليمية وقوى دولية في مجرياتها، إلى حد فاقَم صعوبة إيجاد حلول لها على المدى القريب بعدما ظلت مرتهنة بمصالح تلك الأطراف والقوى. تجدر الإشارة إلى أن ميثاق الجامعة العربية، نصّ في المادة التاسعة منه على إمكان نشوء تنظيمات فرعية تتعلق بـ"الأمن دون الإقليمي"، من أجل دعم جهود الجامعة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، على غرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تأسس في عام 1981، والاتحاد المغاربي (1989)، فضلاً عن "التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب"، الذي أعلنت السعودية تأسيسه في أواخر العام 2015، وعقد أول اجتماع لمجلس وزراء دفاعه في الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر)2017، تحت شعار: "متحالفون ضد الإرهاب"، ليكون أول آلية إقليمية حاسمة لمواجهة تلك الظاهرة.

وفي ظل أجواء الحشد العسكري المتنامي، التي تلقي بظلالها على المنطقة، يتطلب نجاح نظام الأمن الإقليمي المقترح في الخليج ومضيق هرمز، ضرورة تحري أعضائه السبل الكفيلة بتجنب الانزلاق إلى مهاوي العسكرة وسباقات التسلح المحمومة، وذلك عبر إرساء دعائم "الأمن التعاوني" الذي يتيح حفظ الأمن الإقليمي مع ضمان ضبط التسلح، وتبني إجراءات وتدابير لبناء الثقة، من خلال احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتخلي عن استخدام القوة أو التهديد بها.
 

  • شارك الخبر