hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - المحامي بيار الحداد

القضاء في لبنان بين الواقع والمرتجى

الجمعة ١٦ آب ٢٠١٩ - 06:19

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تنص المادة 20 من الدستور اللبناني على دستورية السلطة القضائية أي على استقلاليتها أسوة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، فيما الواقع العملي السائد مخزٍ ومعيب ومسيء لمضمون هذه المادة من الدستور، والممارسة اليومية هتك مقيت لهذه الاستقلالية ونحر مستدام متواصل وإفراغ للاستقلالية المرجوة من مفهومها الحقيقي...
في وطني يحدثونك عن استقلالية القضاء كركيزة أساسية لقيامة دولة القانون ولاستقامة حكم عادل، وعلى أرض الممارسة يعملون على الحد منها لا بل أكثر، لا تفوّت السلطة السياسية مناسبة الا وتمد يدها الى مكتسبات القضاة وضماناتهم المادية والمعنوية، من أجل إرباكهم وإلهائهم عن القيام بمهامهم بثبات ومناعة تجاه كل المغريات المادية وشتّى أنواع التهديدات والتهويل وممارسة مختلف أساليب الإرهاب، لجعل بعض قضاة القضاء الواقفين تحت الرعاية السياسية المستدامة تأميناً لاستمرارية تبعيتهم واستزلامهم وارتهانهم لسلطة سياسية فاسدة عبثت في مفاصل الدولة، وزرعت في القضاء يوضاساتها حرّاساً لمصالحها وخدمة لأهدافها...
في وطني يحدثونك عن محاربة الفساد وعن الدور الرئيسي والمفصلي للقضاء في استئصال هذه الآفة ومحاربتها ومحاكمة الفاسدين واستعادة المال العام المنهوب والمسلوب، فيما الواقع يعكس صورة مغايرة عن العناوين المطروحة والتصاريح اليومية والبيانات المكتوبة ما يصح معها القول المأثور "اسمع تفرح جرّب تحزن"...
القضاء مكبّل في محاربة الفساد والمفسدين ومقيّد بإجراءات ونصوص تنهكه وحصانات تحول دون مبادرته قبل اتخاذ الإذن المطلوب، كأني بتلك الحصانات وضعت خصيصاً لحماية الفاسدين والمفسدين وسارقي المال العام وكل هذا على حساب هيبة القضاء، وعلى مرأى مجلسه الأعلى ومسمعه...
يحدثونك عن استقلالية سلطة قضائية ويعمدون الى الاتيان بالأزلام لتبوء المراكز الأساسية ذات الصلة بالتواصل والاحتكاك المباشر واليومي بالمواطنين، متجاوزين مبادئ الأقدمية والنزاهة والعلم والأخلاق والجرأة والمناقبية، فيما المطلوب أن يتولّى المسؤولية من يتمتع بتلك الصفات ويتحلّى بهذه المبادئ...
في وطني، يختلفون في السياسة فيحولون القضاء هدفاً لقصفهم المعيب حفاظاً على مصالحهم الآنية الظرفية. وإن اتفقوا اتحدوا جميعاً ضد العدالة كأني بهذا القضاء يتيم الأب والأم، أضحى مكسر عصا للجميع وحائط مبكى للظالم والفاسد والمجرم، فيما المطلوب لجوء المظلوم اليه والضحية والمعتدى عليه بحثاً عن عدالته، طلباً للإنصاف وتأميناً لحق هدر واستعادة لمال نهب أو سلب، والسلطة القضائية الممثلة بمجلس قضائها الأعلى المؤتمن على منعة القضاء وديمومته غائبة عن مجابهة الحملات التي تمس بهيبة القاضي وكرامته ومعنوياته، ومواجهة التحديات التي يواجهها القضاء بصورة يومية، لا بل نرى هذا المجلس ساكت في أكثر الأحيان عن اعتداءات السلطة السياسية على حقوق ومكتسبات القضاة، ما حوّله وبهذا الصمت المريب "دفرسوار" داخل الجماعة القضائية سهّل الدخول اليها تحقيقاً للأهداف عملاً بمقولة "فرّق تسد"...
أخطر ما في هذا الأمر نجاح السلطة السياسية في وضع مجلس القضاء الأعلى في مواجهة القضاة الأحرار المستقلين الشرفاء الطامحين الى تحقيق استقلالية فعلية للقضاء، خاصة بعد تمكن هؤلاء من انتزاع الاعتراف الرسمي بناديهم # نادي قضاة لبنان# تكريساً لحقهم المطلق في التعبير ضمن حدود موجب التحفظ وحقهم في التجمع المعترف والمعمول به عالمياً منذ الخمسينيات، فكان # نادي قضاة لبنان# برئاسة القاضية النزيهة الحرة الجريئة المتمردة الرئيسة أماني سلامه ومعها القضاة المنضوين اليه وتأييد عدد كبير من قضاة بلادي الأحرار الشرفاء، وبدعم لاحق من كوكبة من المحامين المؤمنين بقدسية مطلبهم، صوتاً حراً متجرداً في غابة المصالح الشخصية والفئوية، فشكّل هذا النادي بصيص نور في عتمة العدالة
المظلمة وواحة أمل في قضاء نرتجيه مستقلاً على صورة من يطالب به، وكان أول الغيث وبداية المشوار الجدي المضني إنما الواعد بتحقيق استقلالية فعلية لسلطة قضائية تئن تحت وطاة التدخلات السياسية اليومية في عملها، تئن من تحوّل بعض من فيها الى موزع خدمات كسباً لرضى الوالي الحاكم حفاظاً على موقع أو تمسكاً بالكرسي...
على الرغم من كل محاولات عرقلة الولادة تمكن هذا النادي بداية من فرض وجوده المحق على الساحة القضائية ومن ثم العامة في لبنان كمعادلة لا يمكن تخطيها أو تجاوزها أو تجاهلها، وانتقل لاحقاً الى تمتين حضوره المميز والفاعل سفيراً للقضاء اللبناني، قضاء بيروت أم الشرائع بحيث كان من مؤسسي الاتحاد العربي للقضاة وعضواً مراقباً في الاتحاد الدولي للقضاة...
العدالة في وطني جريحة متألمة وواقع القضاء ليس بخير، فيما المرتجى قضاء مستقل شامخ أبي، لا يتلوّن أو يتبدّل مع تبدّل المناخات السياسية أو تغيّرها...
فواقع القضاء في لبنان كواقع المخدوع المكبوت ينتظر لحظة التمرد والانتفاضة في وجه خونة داسوا الكرامات وانتهكوا الأعراض...
لكي تستقيم العدالة في وطني...
ولكي يتمكن القضاء من القيام بدوره بصورة فعلية ولكي يستقل القضاء في النصوص كما في النفوس، لا بد من الأخذ بالعناوين المبادئ التي طرحها نادي قضاة لبنان من خلال كلمة سابقة لرئيسته القاضية أماني سلامه مشاركة في ندوة بعنوان: استقلال القضاء وشفافيته، بناء المؤسسات في إطار الأجندة الإصلاحية لمؤتمر سيدر.
وخارطة طريق النادي لهذه الاستقلالية لقضاء نحلم به تتلخص بالتالي:
١- إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية..
٢-حصر تشكيل مجلس القضاء الأعلى بالقضاة فقط، ينتخبون من جميع القضاة العدليين لفترة زمنية محددة رئيساً وأعضاء.
٣-اعتماد مبدأ عدم نقل القضاة دون رضاهم إلا في حالات معينة كإنقضاء المدة أو ارتكاب مخالفة مسلكية أو عدم أهلية محددة..
٤-حصر صدور التشكيلات القضائية بمجلس القضاء الأعلى من دون أي دور لوزير العدل مع تحديد معايير موضوعية لهذه المناقلات مبنية على العلم والكفاءة والنزاهة والصلابة والأقدمية فقط من دون أي قيد طائفي...
٥- إقرار حق التعبير وحق التجمع للقضاة...
٦-التأكيد على احترام مبدأ ضمان التقاضي على درجتين بخصوص أي قرار تأديبي يصدر بحق القاضي...
وغيرها العديد من المقترحات التي تقدم بها نادي قضاة لبنان والتي تصب في خانة تحقيق الاستقلالية الفعلية للسلطة القضائية، فهل تتلقف السلطة السياسية هذه المبادرة المفعمة بحس المسؤولية والمكتوبة بحبر الكرامة والاستقامة والنزاهة والتجرد والموضوعية، من أجل قضاء نريده سيداً حراً مستقلاً يكون نواة قيامة دولة القانون، وبالتالي نكون أمام سلطة القضاء الحقيقي أم سنبقى دوماً نعيش قضاء السلطة المزيّف في دولة تحكمها المذاهب السياسية والطائفية لكل منها قضاء خاص؟

المحامي بيار الحداد

  • شارك الخبر