hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - خريستو المرّ

الأضحى

الأربعاء ١٤ آب ٢٠١٩ - 06:18

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يأت إليك أحد يا الله، بل أنت أتيت إلينا، في كلمتك. وكلمتك كانت أضحية منك كي نراك، أو نرى الطريق إليك، وأنت الطريق. وما أحببناك إلاّ لأنّك أنت أحببتنا أولا، كما قال إنسان أحبّك.
"اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك". وكأنّك أردت أن يمتدّ إبراهيم إلى خارج القبيلة، إلى خارج صلة الدم والأرض، الرابطان البدائيّان اللذين نبدأ بهما تواصلنا الإنسانيّ، واللذين إن وقفنا عندهما أبقيانا أمام مرآة ذاتنا الجماعيّة: عائلتنا ومواطنينا.
وخرج إبراهيم، عبر عائلته وأرضه إلى أرض الله، إلى اللقاء بك يا الله، "نسي ما هو وراء وامتدّ إلى ما هو أمام" ساعياً إلى أفقك في القلب. تجاوز إبراهيم جذور تاريخه الماضي (العائلة والأرض) ولكن بقي أمامه تاريخه المستقبليّ: إبنه. لربّما أنت أردته أن يخرج هذا الخروج الأخير، هذا العبور الممزّق من جذور المستقبل، أو لربّما كان هذا ما فهمه. وتخلّى إبراهيم عن آخر جذوره، إبنه، جذره الذي في المستقبل. نوى إبراهيم أن يتخلّى، نوى أن يلاحقك، أن يجتاز بحر موت كلّ شيء بموت إبنه، وأن يغوص في معموديّة العراء المطلق. أوقَفهُ "ملاك الربّ" يقول الكتاب، فضحّى بِكِبْش.
بهذا صار إبراهيم نموذج العابر والغريب، المتوجّه إلى "المدينة الباقية" الخبيئة خلف المدينة الجميلة-القبيحة التي في هذا العالم، الغريب المتوجّه إلى مدينتك التي أنت تريه إيّاها.
قد يذبح المسلمون اليوم شاةً، ويردّدون رمزيّاً عمل ابراهيم، وقد احتفل المسيحيّون منذ أشهر بأضحية المسيح على الصليب؛ ويبقى الرمز قاصراً عن ترداد الحقيقة حتّى يُعاش في اللحم والعظم، حبًّا كبيرا لله، وخروجاً من العشائر والأوطان للانضمام إلى قافلة الغرباء، المحبّين لله وللعالم؛ قافلة المتوجّهين إلى أرض الله، تلك التي تتفتّح هنا زهرةً برّيةً في مدينة الجوعِ الكبير إلى الجمال والحبّ والحرّية.
أريد أن أضحّي مع المسلمين. هل ننحر جميعاً بالحبّ أحقاد قلوبنا لتضيء فتغدو قرابينَ وأضاح ٍ نتبادلها بالمودّة والرحمة؟ بأضحى القلوب هل "نولد من فوق" فصحاً سرّياً يعمّد هذا العالم بالأمل والطراوة؟ هل نعبر هكذا معا إلى ملكوت الله؟ِ
إن نحرنا خطايانا الفرديّة والجماعيّة كنّا انقلاباً على حكّام العار الذين يوجدون بتفسّخنا، وبذلك نتغيّر لنفتح لله نافذة ليغيّر ما فينا. لحم الأضاحي رمز، هل نضحّي بتعب أجسادنا فنعمل معاً لتتجاوز هذا الظلام؟ ويمرّ الأضحى والقلب في فلسطين، ويَعْبُر الفلسطينيّون بلحمهم ودمهم هوّة حقد التمييز العنصريّ؛ بشجاعةٍ يحدّقون بسكّين الجلاّد، وتُسفَكُ دماؤهم شهادةً لرغبتهم بالعبور إلى ملكوت الفرح والحرّية. هم يشتركون في أَضحية المسيح، فهي أضحية كلّ بريء معلّق على خشبة الرذل والقتل والوِحدة الكبيرة.
ألا قبل الله قلوبنا جميعاً إن بذلنا تَعَبَنا وعَمَلَنا لأجل الذين يقدّمون وحدهم أجسادهم وحياتهم أضاحي للحقّ والحياة: فقراء لبنان، مهجّرو سوريّا، ومشرّدو فلسطين، هم مضمومون إلى قلب الله ولن نستطيع أن ننضمّ إليه إلاّ بالعبور معهم، غرباءَ عن كلّ أرض وكلّ شعب، ومواطنين، بالحبّ، في كلّ أرضٍ وفي كلّ شعب.

خريستو المرّ
 

  • شارك الخبر