hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - خريستو المرّ

الجريمة التي في وسطنا

الأربعاء ١٧ تموز ٢٠١٩ - 06:20

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ عدّة سنوات تتراكم الثروات في يد أقلّ من واحد بالمائة من السكّان، وثلث البلاد على الأقلّ يعيش تحت خطّ الفقر. هذا الواقع ليس مجرّد صدفة، أو نتيجةَ جهدِ أقلِّ من واحد بالمائة منَ السكّان، وكسل أكثر من ثلثه؛ لا، إنّه هو نتيجة نهب ممنهج مرسوم في السياسات الاقتصاديّة للحكومات المتعاقبة. هذه ليست صدفة إنّها جريمة واضحة في وسطنا، جريمة تتجاوز الإدانة، جريمة نسكت عنها ولا ندعوها باسمها الحقيقي: جريمة. وعندما يكون هناك جريمة، يكون هناك مجرمون وضحايا، ومشاركون بالجريمة بصمتهم.
في ظلّ هذه الظروف ماذا كان موقف المسيحيّين؟ هل كان متناسبا مع إنجيلهم؟
الفقراء منهم، كفقراء كلّ الطوائف يلهثون خلف لقمة العيش. علّ هؤلاء يعون يومًا أنّ خصمهم هم السياسيّون المشاركون في نهبهم، لا الفقراء في الطوائف الأخرى.
السياسيّون "المسيحيّون" بحكم النظام الطائفيّ، ما يزالون يطالبون بحصص لطوائفهم (أي بالفعل لأنفسهم). أمّا السياسييّن الذين يتسمّون بالأرثوذكسيّة تحديدًا فسمعنا عن مشاريعَ لبعضهم لتقسيم البلاد أكثر فأكثر على أساس طائفيّ (القانون "الأرثوذكسي" مثلاً)، وسمعنا عام ٢٠١٢، عن مشروع تمّ طبخه في السرّ بين بعض الناشطين الأرثوذكس في الحقل العام ألا وهو مشروع "الهيئة المدنيّة العامّة للروم الأرثوذكس"، وكان يقضي بإنشاء كيان يستولي على أصوات الأرثوذكس ويدّعي التكلّم باسمهم ليتاجروا بما قيل أنّه "حقوقهم" أمام الدولة اللبنانيّة. بارقة الأمل كان وقوف مجموعات كبيرة من شابات وشباب ورجال دين أرثوذكس، في وجه هذا المشروع فبقي حبرًا على ورق، ونمتنّى أن يكون قد دفن نهائيّا في مزبلة تاريخ الكنيسة.
البلاد تنهار وعوض ان تقف الكنائس، بأصوات مسؤوليها الرسميّين، لتحتجّ وتكون قياديّة بالدعوة لتغيير حقيقيّ في البلاد، عوض أن تؤنّب السياسيّين المنتمين اسميًّا إليها، وربّما تهدّدهم بالطرد من الكنيسة إن خانوا إيمان الكنيسة، ولم يدعموا سياسات تناسب الفقراء والمهمّشين في المجتمع؛ نرى الكنائس غائبة عن هذا الميدان المتروك لشذّاذ الآفاق، وتكتفي بأعمال مساعدات لا ولن تكفي، لأنّ لا أحد يمكنه أن يحلّ مكان دولة. البلاد تنهار والجريمة كبيرة والإدانة لا تكفي. الكلّ مسؤول ومنهم رجال الدين الذين يمتلكون سلطة معنويّة وازنة في المجتمع.
هناك حزن في البلاد لا يستطيع الدمع أن يرسمه، وهناك انفجار في المهمّشين يطلّ برأسه. كيف لنا أن ننظر بوجوهنا في مرآة إن لم نفعل سوى الانتظار؟ ماذا نقول ليسوع حين يسألنا: كنت جائعا فلم توقفوا أسباب جوعي؟ إنّ إنشاء مطاعم المحبّة لتقديم الطعام مجانًا ابتكار رائع، ولكنّه لا يكفي، يجب وقف أسباب الجوع، يجب وقف القمع المعنويّ والجسديّ، الذي يسبّبه هذا النظام الفاسد، يجب قلب هذا النظام المهترئ الذي يقتل بالإفقار. يظنّ معظمنا أنّ أسباب
المرض في الفيروسات والباكتيريا، صحيح أنّ هذه أسبابٌ للأمراض، ولكن من المعروف في جامعات العالم أنّ الفقر بيئة خصبة لنشوء الأمراض واعتلال الصحّة.
النظام السياسيّ الاقتصاديّ في البلاد، هذا ما يجب تغييره. يجب وقف الأسباب لا معالجة العوارض فقط. السعي الحثيث لتغيير نظام الظلم هذا وتأسيس نظام عادل يعمل من أجل جميع السكّان هو ضرورة إيمانيّة وأخلاقيّة. صمت المسؤولين في الكنيسة والمنظّمات المسيحيّة أو الاكتفاء باجترار كلمات الإدانة والمطالبة بمساعدة الفقراء دون الكلام عن أسباب الفقر وإدانتها والحضّ على تغييرها هو كلام أجوف.
في وسطنا جريمة، نحن مشاركون فيها بصمتنا عنها. السكون والصمت والاستكانة للواقع هي على نقيض الإيمان الذي يحرّك الجبال، وقد حرّك التاريخ غير مرّة. في وسطنا جريمة ونحن نشاهدها تكبر وتكبر ونتخاذل يائسين. لكن لا يأس في الإيمان. هناك ما يمكن عمله إن شحذ المخلصون بيننا هممهم، واتّخذوا الهمّ العام همّهم الشخصيّ، وأعلنوا حالة طوارئ في النقابات التي ينتسبون إليها والمؤسّسات التي يعملون بها.
في وسط هذه العتمة هناك أمل، هناك يسوع يقف وسط الأمواج ويطلب منّا أن نمشي ببلادنا ومواطنينا إليه، ولن نغرق إن ركّزنا نظرنا عليه، على وجهه هو لا على طوائفنا، ووجهه نجده في كلّ وجه مقهور.
هناك أمل ولكنّه ينتظر من يحمله. أليس يسوع هو سيّد التاريخ؟ أليس هو الذي قال لنا "ثقوا قد غلبت العالم"؟ يمكننا أن نثق به اليوم ليمدّنا بقوّة قيامته فنقيم معه بلادنا من موتها البطيء. المسيحيّون مطالبون بالثقة بربّهم والتحرّك من أجل الجميع لا من أجل قبائلهم الطائفيّة، بالتحرّك من أجل أحبّاء يسوع المهمّشين وكلّ الناس.
في وسطنا جريمة تُرتكب مَنْ لا يساهم في وقوفها هو يشارك فيها.

  • شارك الخبر