hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد دانيال الحداد

على ماذا تحسدون العسكر؟

الثلاثاء ٢ تموز ٢٠١٩ - 06:08

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

موظّفون يتنعّمون في المكاتب المبرّدة والمدفّأة حسب مقتضيات الفصول، وجنود في كلّ حين، يلتحفون الأرض والسماء في الحرّ والقرّ.
موظّفون يستقبلون الصيف بالعطل المديدة، فلا تفوتهم مواسم السياحة والاستجمام في الداخل والخارج، وجنود بالكاد تكفيهم مأذونياتهم الخاطفة للقاء عائلاتهم وتدبير شؤون أفرادها، وإن حظوا بفرصة استثنائية يوماً ما، حال فراغ جيوبهم دون تحقيق ما يرغبون به.
موظّفون تعجّ بهم شواطئ البلد في موسم الصيف، وجنود حرموا من ملامسة المالح الكبير، إلاّ في مهمّات الإنقاذ والتدريب والحفاظ على البيئة.
موظّفون يزاولون أعمالهم بالقرب من منازلهم، وجنود يتابعون مهمّاتهم في كلّ أرجاء الوطن، وعند حدود الخطر والمجهول.
موظّفون يكافأون في سلسلة الرتب والرواتب على ابداعاتهم في علم التنظيروالرشوة والإهمال، فيمنحون نسبة زيادة تخطّت ال150%، وعدداً من الدرجات الإضافية، وجنود يمنحون في السلسلة عينها نسبة زيادة قدرها 25%، عقاباً لهم على تضحياتهم وتفانيهم في العمل بصمت.
ومع ذلك كله، يأتينا مشروع الموازنة ليوغل جرحاً في صدور هؤلاء الجنود من خلال ضريبتي الدخل والاستشفاء، ثم يأتينا متطفل فاشل من هنا وهناك، ليحسد العسكر حتى على الذي يشكو منه، فبالله عليكم على ماذا تحسدونه؟
- تحسدون تلامذة الضباط على دخول الكلية الحربية، وهي مشرّعة الأبواب لكل شباب الوطن الأكفاء، وأنا أجزم أن معظم هؤلاء التلامذة هم من العائلات الفقيرة والقليل منهم من العائلات المتوسّطة، وأتحداكم أن تجدوا تلميذاً واحداً من أبناء العائلات الثرية أو السياسيين، وأضيف، مع الأسف، قلّما نجد بين هؤلاء من أبناء الضباط أنفسهم، بعد أن عانوا ما عانوه من قساوة الخدمة وشظف العيش.
- تحسدون الضابط على بضع قسائم محروقات، بالكاد تكفي حاجته للتنقل بين أطراف الوطن، فيما يخصص ربع راتبه لتصليح سيارته الخاصة نتيجة المسافات الشاسعة بين مكان إقامته ومركز عمله.
- تحسدون العسكريين من مختلف الرتب على وجود نوادٍ ومسابح خاصة بهم، وهي في الأساس ابتيعت أرضها وشيدت أبنيتها من اشتراكاتهم التي تقتطع شهرياً من رواتبهم، ولم تكلف الدولة قرشاً واحداً، ثم ألا يستطيع أي قطاع في الدولة أو خارجها أن يحذو حذو الجيش في ذلك؟
- تحسدونهم على قرضٍ سكنيّ يرهق معيشتهم بفعل رواتبهم الضئيلة، وهذا القرض متاح لجميع أهل الوطن.
- تحسدون العسكري على تعويض تدبير الاستنفار الذي يتقاضاه في نهاية خدمته، وهو لا يوازي عشر(1/10) مجموع بدل الساعات الاضافية التي يشغلها طوال خدمته، وقد كان من المفترض أن يتقاضاه شهرياً أسوة بسائر موظفي الدولة، فخسر بذلك فوائده المتراكمة أي قيمته الشرائية، وبالكاد بات يشتري له شقّة متواضعة.
- تحسدون العسكري على تعويض السفرالذي يتقاضاه اذ ما انتدب لمتابعة دورة دراسية في الخارج، تتطلبها مصلحة الجيش،
وهذا التعويض بالكاد يسدّ نفقات استئجار مسكن وطعام ومصاريف مختلفة.
- كذلك تحسدون العميد وهو من موظفي الفئة الأولى في الدولة، بعد أن أصبح راتبه أقل من راتب موظفي الفئة الثانية بفعل سلسلة الرتب والرواتب المشؤومة، علماً أن الضابط لا يستحق هذه الرتبة قبل سن الواحدة والخمسين، وبالتالي لا يحصل سوى على ثلاث درجات إضافية، فيما موظفو الفئة الأولى أو الثانية قد يحصلون على سبع عشرة درجة اضافية بفعل ترقيهم الى هذه الفئات في عمر مبكر. ويتجاهل هؤلاء الحسّاد أنّ العميد كان تلميذاً ضابطاً وضابطاً عوناً وقائداً، أمضى معظم خدمته العسكرية في الميدان وعلى جبهات القتال، وكان كسائر جنوده مشروع شهيد بين موقعة وأخرى، ويتجاهلون أيضاً أن دروس التاريخ، التي أثبتت بما لا يقبل الشكّ، أنّ انتصارات الجيوش في المعارك كلّها، تعود بالدرجة الأولى إلى حسن تخطيط قادتها الكبار وصوابية قراراتهم ،وعلى رأسهم العمداء.
- لم يبق ما تحسدون عليه العسكر سوى الجراح والإعاقة والاستشهاد في المعارك، ولولا خوفكم من غضب الناس واتهامكم بالتآمر والخيانة لفعلتم.
وأغرب ما في الأمر أن يعمد هؤلاء الموتورون إلى زرع بذور الشقاق بين العسكريين أنفسهم، من خلال الإيحاء بوجود تمايز في الرواتب وبعض المكتسبات بين هذه الفئة أو تلك، وكأن جنودنا لا يعرفون أن التراتبية العسكرية ليست حكراً على قواتنا المسلّحة، بل هي أساس بناء الجيوش وعصبها وتماسكها في دول العالم قاطبة، كما أن هذه التراتبية في الحياة المدنية هي أساس وجود أيّ مؤسسة منتجة وقادرة على التطوّر والاستمرار.
فكفى تلفيقاً وإشاعات مغرضة، أيها الغوغائيون ومن يقف خلفكم، الداعون الى خراب البصرة لأنه ليس لكم بيت أو ولد أو مصلحة فيها. بالأمس القريب كنّا أمام فتنة خطيرة في الجبل، تم وأدها بحكمة قيادتنا وتضحيات ضباطنا ورتبائنا وجنودنا، وتفانيهم الذي لا يقاس "ببدل ساعات اضافية"، ولولا هيبة تلك البزّة المرقّطة وعنفوان النجوم على أكتافها، لسقط الوطن بين أنياب الفتنة منذ زمن بعيد.
فحذار الاستمرار في استهداف الجيش وحقوق عسكرييه، وحشره بين خيارين لا ثالث لهما، إمّا خراب الوطن وإمّا تدمير الذات، وفي كليهما لا ينفع الندم ساعة الحساب.

العميد المتقاعد دانيال الحداد
   

  • شارك الخبر